تبدل خريطة الشمال السوري: "النصرة" تستفرد بريف حلب الغربي

06 يناير 2019
خرجت "الزنكي" خاسرة من المواجهة مع "النصرة"(براء الحلبي/فرانس برس)
+ الخط -
تفتح تداعيات الاقتتال في شمال غربي سورية، بما في ذلك قضاء "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) على "حركة نور الدين الزنكي"، المجال أمام انتقال الصراع في تلك المنطقة إلى مستويات تنذر بالأسوأ، خصوصاً أن "الهيئة" وضعت يدها على ريف حلب الغربي الذي يعد طريقاً رئيسياً لتزويد المنطقة بمصادر الطاقة، وعقدة مواصلات مهمة تربط بين شمال سورية وشمالها الغربي، في تبدّل واضح لخريطة النفوذ والسيطرة في المنطقة، يبدو أنه يستبق أي احتمال لعمل عسكري ضدها.

وسيطرت "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً)، أول من أمس الجمعة، على بلدة قتبان الجبل، المعقل الأخير لـ"حركة نور الدين الزنكي" في ريف حلب الغربي، بعد أيام من اشتباكات دامية، قُتل وأصيب خلالها العشرات من عناصر طرفي القتال. وانتزعت "تحرير الشام" أغلب القرى والبلدات التي كانت خاضعة لسيطرة "الزنكي"، منها قرى دخلتها الهيئة الجمعة من دون قتال بعد مفاوضات مع الأهالي، أبرزها: حور وبسرطون والمنصورة وقيلون وبابيص ومعارة الأرتيق وعرب فطوم والهوتة وعنجارة، ومناطق أخرى من ريف حلب الغربي.

وتدل الوقائع على أن شمال غربي سورية مقبل على تطورات عسكرية كبرى ربما تضع خريطة جديدة لمناطق السيطرة والنفوذ بين الهيئة وفصائل المعارضة السورية المسلحة. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس السبت، أن ريف حلب الغربي وريف إدلب الجنوبي يشهدان حالات استنفار وحشد من قبل "هيئة تحرير الشام"، و"الجبهة الوطنية للتحرير" أكبر تجمّع للمعارضة المسلحة في شمال غربي سورية، مشيراً إلى وصول رتل عسكري تابع للهيئة فجر السبت، يضم عشرات الآليات والعناصر إلى محاور في ريف إدلب الجنوبي. كذلك تحدثت مصادر إعلامية عن وصول أرتال عسكرية تابعة لـ"الجبهة الوطنية للتحرير" إلى منطقة جبل سمعان ومواقع أخرى غرب حلب.

واتخذت "تحرير الشام" من مقتل أربعة من عناصرها في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي ذريعة للهجوم المفاجئ على مواقع "حركة الزنكي" التابعة لـ"الجبهة الوطنية للتحرير"، مشيرة في بيان لها إلى أنها قبلت الصلح في حينه، مشترطةً "توقيف القتلة وتقديمهم للقضاء"، لافتة إلى أن "المهلة انتهت ولم يتم التسليم".
وكان من الواضح أن "النصرة" كانت تخطط للقضاء على "حركة نور الدين الزنكي"، التي اندمجت مع "النصرة" في بداية عام 2017، ولكنها انفصلت عنها بعد ستة أشهر بسبب ما اعتبرته تجاوزاً من "الهيئة" لمجلس الشورى التابع لها، وأخذ القرار بقتال "حركة أحرار الشام" وعدم الاحتكام لـ"الشريعة". أما الهدف من وراء ذلك، فيتعدى تصفية الحسابات مع الحركة، إذ يأتي ضمن مخطط أوسع لـ"النصرة" مستمر منذ سنوات ويهدف إلى إحكام السيطرة على ريف حلب الغربي وتوسيع دائرة النفوذ العسكري لفرض نفسها في التسويات الأخيرة لشمال غربي سورية.

كما أن ريف حلب الغربي يُعد طريق المحروقات الآتية من مناطق النظام ومناطق "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) شرقي نهر الفرات، إلى محافظة إدلب، وهو ما يعطيه أهمية اقتصادية ولا سيما في ظل محاولات "النصرة" تأمين تمويل دائم من الضرائب والأتاوات التي تفرضها في المعابر التي تسيطر عليها والتي تربط بين مناطق النظام وشمال غربي سورية. ويضم ريف حلب الغربي معبر المنصورة، الذي يربط هذا الريف بمدينة حلب، فيما رجحت مصادر "العربي الجديد" أن تقوم "النصرة" بفتحه في الفترة المقبلة. مع العلم أن "حركة نور الدين الزنكي" كانت قد قامت بتأهيله أخيراً.


وتكتسب منطقة ريف حلب الغربي أهمية كبيرة وتعد منطقة منيعة نظراً لوجود العديد من الجبال، أبرزها جبل بركات بالقرب من مدينة دارة عزة، فهو قمة عالية تطل على مساحات واسعة من ريف حلب الغربي والشمالي حتى مدينة عفرين، وريف إدلب الشمالي. ومن الواضح أن "هيئة تحرير الشام" تستبق أي عمل عسكري ضدها بالسيطرة على ريف حلب الغربي لقطع الطريق أمام "الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية، والذي يتمركز في منطقة عفرين غير بعيد عن غربي حلب.

ويحاول النظام السوري استغلال الأحداث الدامية في ريف حلب الغربي لقضم مزيد من الأراضي الخارجة عن سيطرته في محيط كبرى مدن الشمال السوري. وفي السياق، أحبطت فصائل المعارضة المسلحة، أول من أمس الجمعة، محاولة تقدّم جديدة لقوات النظام على المناطق التي تسيطر عليها غربي مدينة حلب. وقال مصدر عسكري في "الجبهة الوطنية للتحرير"، إن "مجموعة مؤلفة من 15 عنصراً من قوات النظام حاولت التسلل باتجاه نقاطنا على محور حي الراشدين والبحوث العلمية غرب مدينة حلب، مستغلة الاقتتال الدائر بين الفصائل العسكرية في ريف حلب الغربي، حيث دارت اشتباكات مع تلك القوات وانتهت بإفشال محاولة التقدم".

في غضون ذلك، كشفت أحداث ريف حلب الغربي العلاقة الهشة التي تربط الفصائل المسلحة خصوصاً داخل "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تعد "حركة الزنكي" مكوناً فيهاً. وتلقت الحركة دعماً محدوداً من "الجبهة" في المواجهات مع "هيئة تحرير الشام"، اقتصر على مشاركة فصيلي "حركة أحرار الشام" و"صقور الشام" ومشاركة محدودة جداً من جانب بقية الفصائل مثل "فيلق الشام" و"جيش إدلب الحر"، على الرغم من إعلان "الجبهة الوطنية" الأربعاء الماضي، النفير العام ضد "تحرير الشام".

هذا الأمر فتح الباب أمام أسئلة تتعلق بمتانة هذا التحالف الذي يضم العديد من الفصائل التي كما يبدو متباينة الأهداف ولم تستطع الاندماج بشكل جاد في كيان واحد وموحّد. ورفض مصدر قيادي في الحركة الخوض في تفاصيل "الخذلان" من قبل فصائل "الجبهة"، مكتفيا بالقول خلال اتصال مع "العربي الجديد" معه "ليس وقت الحديث عن هذا الأمر حالياً". وكان 11 فصيلاً عسكرياً معارضاً شمالي سورية، أعلنوا في مايو/ أيار من العام الماضي، الاندماج في تشكيل واحد تحت اسم "الجبهة الوطنية للتحرير". وأشاروا في بيان إلى أن "المشروع جامع لكل المكوّنات الثورية، التي تؤمن بأهداف الثورة، والتمسك بثوابتها وتسعى لتحقيقها". وضمّ التشكيل فصائل "فيلق الشام"، و"جيش إدلب الحر"، و"الفرقة الساحلية الأولى"، و"الجيش الثاني"، و"الفرقة الساحلية الثانية"، و"جيش النخبة"، و"الفرقة الأولى مشاة"، و"جيش النصر"، و"شهداء الإسلام" (داريا)، و"لواء الحرية"، و"الفرقة 23".