تبارك آل سعيد: اللوحة لا تزال مستمرّة

17 أكتوبر 2018
كركوك أضافت لأعمالي التنوع في الموضوعات (العربي الجديد)
+ الخط -
أثرى الخليط الاجتماعي في مدينة كركوك العراقية مخيلة الرسامة الشابة تبارك آل سعيد، حيث أعراق وإثنيات مختلفة تتميز بتعدد اللغات واللهجات والعادات والأزياء، كلها عوامل أدت في نهاية المطاف إلى تآلف سكنة المدينة وتنوع ألوانها، وبالتالي أفرز هذا التلاؤم وحدة فنية متشعبة ورافداً جمالياً لا ينضب، يستقي منه الأدباء والفنانون، واستثمرت آل سعيد كل هذه الأجواء في صناعة لوحات مختلفة المواضيع والحكايات، بالإضافة إلى الأعمال الخزفية.
تشتغل الرسامة الشابة (20 عاماً)، على نفسها للإسراع والوصول أخيراً إلى تأسيس شخصيتها الفنية التي تجدها مميزة في اختيار الموضوعات. يحدث ذلك بالتزامن مع ركود الاهتمام الحكومي بالحركة الفنية المكثفة والغنية بالأفكار الحديثة في كل مدن البلاد، عبر أعمالٍ تحتفي بها دول العالم العربي والغربي، إلا البلد الأم والوطن المزكوم بالحروب والقتال.
تسعى آل سعيد إلى أن تكون امتداداً للحركة الفنية والثقافية العراقية، والوقوف في وجه حركات التعصب التي تنفذها جهات دينية متطرفة في بلادها. في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، تقول حول هذه النقطة إن "المشكلات السياسية والأمنية في مدينة كركوك، وهي مختلف على حكمها بين الأكراد والعرب، لا تؤثر على أعمالي، لأنني تعلمت كيفية الاستفادة من التنوع السكاني فيها، وليس التأثر بالسلبيات".
تضيف: "هدفي الوحيد هو الاستمرار بالرسم وعدم التوقف، وأن أتطور أكثر باختصاصي الذي أدرسه في معهد الفنون الجميلة. أريد أن أمثل المرأة العراقية الفنانة والمتأملة والمفكرة، وأكون ضمن جبهة مقاومة كل من يمنع ديمومة الجمال في كركوك وكل العراق، وهذا ما تعلمته من أسرتي، وهي عائلة فنية ومهتمة بالنحت والزخرفة والرسم".
وتشير إلى أن "كركوك أضافت لأعمالي التنوع في الموضوعات واللوحات، نظراً إلى كثرة القوميات والطوائف والمذاهب في المدينة، ولكل قومية تراث خاص وأجواء مختلفة عن القومية الأخرى، وهذا يشمل الفنون، ومن هنا تنوعت أعمالي، فأنا أرسم المرأة العراقية العربية ثم الكردية، وأتعامل مع الإرث الفني التركماني، ولا تخلو أعمالي من اللمسة المسيحية، وهذا جعل مني فنانة تختلف عن الأخريات اللاتي لم يعاشرن في مدنهن طوائف وحضارات مختلفة".
وتكمل: "الأزمات السياسية والأمنية التي عصفت في مدينة كركوك، لم تؤثر على إنتاجي الفني. وبصراحة، المشكلات التي حصلت خلال السنوات الأخيرة الماضية، أضافت إلى مخيلتي موضوعات أخرى، فقد رسمت أكثر من لوحة لها علاقة بالأوضاع العراقية"، وتوضح آل سعيد أن "موهبة الرسم تمثل لي صديقة دائمة، وأكثر من أخت، أتعاطى معها على أنها إنسانة حيّة ولها مشاريعها ورغباتها".
وعن الفنانين والتيارات التي أثّرت فيها، تقول: "تأثّرت ببعض الرسامين المحليين العراقيين، بالإضافة إلى الأسماء المعروفة العالمية، ولكني أتعامل معهم على أساس الرسم وليس التأثر الفني بالكامل. أسعى إلى أن أكون رسامة عراقية مهتمة بتفاصيل الحياة العراقية، وتحديداً التفاصيل البغدادية، وليست لدي قدوة فنية، فأنا أتعلم من الجميع، وتحديداً الأشياء المختلفة والحديثة".
وعن مشاركاتها في المعارض الفنية، تفيد بأن "أول معرض شاركت فيه كان في عام 2006، وتضمّن مسابقة لرسوم الأطفال، وحصلت خلاله على الجائزة الأولى على مستوى محافظة كركوك"، ومن بعدها شاركت في معرض الزخرفة سنة 2016، الذي أقيم في وزارة التربية، وحصدت فيه شهادة التمييز على فنانات العراق من عمرها، بالإضافة إلى تسعة معارض أخرى. تقول: "أعمل حالياً على أن أطور نفسي بما يتعلق بالرسم بالفحم والرصاص، بالإضافة إلى تحضير مجموعة لوحات زيتية بأسلوب واقعي أكاديمي مختلف عن أعمالي السابقة".
وعن الأعمال التي أنجزتها آل سعيد، تقول: "غالبية اللوحات التي رسمتها، كانت مرتبطة بموقف أو مشهد واقعي، ومن ثم تبدأ عملية استجماع اللوحة ذهنياً وتوزيع الألوان بالطريقة نفسها أيضاً"، وتبيَّن أن "الحكومة العراقية قليلة الاهتمام بالفنانين والرسامين، ولكن بطبيعة الحال، هذا الأمر لا يؤثر على الإنتاج الفني والإبداعي، فالطموح لا علاقة له بالمعوقات والمشكلات الإدارية في البلاد، ولا يخفى أن دعم الفنان هو إضافة للعمل الفني".
وبالنسبة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي وأثرها على انتشار العمل الفني، تقول إنه "من المؤكد أن مواقع التواصل أضافت انتشاراً أوسع للأعمال الفنية، وأصبح من الضرورات استخدامها من قبل أي فنان، وعلى المستوى الشخصي، إن معظم الأعمال التي بعتها وحققت أنتشاراً واسعاً، كانت عبر المواقع، وأبرزها إنستغرام".


وتكمل أن "المواقع الإلكترونية أفادتني كثيراً من ناحية العلاقات الفنية والتعرف على فنانين وأعمال جديدة وتجارب متنوعة، إضافة إلى الحصول على الدعم الجماهيري ومعرفة آراء المتلقين عبر نافذة تسمح بمعرفة رجع الصدى حول أعمالي. وعلى الفنانات العراقيات في مثل عمري أن يطّلعن أكثر على الفنون الأخرى وحتى على التجارب الفاشلة لبعض الرسامين، لأنها تمثل قوة إضافية توجه الرسام إلى مخيلة أوسع وتجنب الأمور السلبية، والاستمرار بالدراسة لأنها تزيد من إدراك الفنان بمدى أهمية ما يرسم، والتمسك بضرورة استمرار النساء بمزاولة الفنون، لأنها ليست حكراً على الرجال".
دلالات
المساهمون