نشرت السلطات الجزائرية قوات أمن وسط العاصمة، بعضهم بالزي المدني، وفي مدن أخرى، بعد دعوات لناشطين ومكونات الحراك الشعبي للعودة إلى الشارع واستئناف التظاهرات المعلّقة منذ مارس/آذار الماضي بسبب الأزمة الوبائية المرتبطة بفيروس كورونا، وعقب سماح السلطات بفتح الشواطئ والمتنزهات والمساجد وغيرها، إذ تعتقد المجموعات الداعية إلى استئناف الحراك أن مبررات تعليقه أصبحت لاغية.
ونظم ناشطون في مدينة تقرت جنوبي الجزائر مسيرة، صباح اليوم الجمعة، استجابة لنداء العودة إلى التظاهر، حيث رفع الناشطون لافتات كُتبت عليها نفس المطالب السياسية للحراك المرتبطة بإقرار انتقال ديمقراطي حقيقي.
ورُفعت لافتة كتب عليها "الجمعة 79 للحراك الشعبي"، والتي تشير إلى أن الناشطين يعدّون أيضاً كل أيام الجمعة التي كانت فيها التظاهرات معلقة، ويعتبرون أي تظاهرات وجمعات تظاهر مرتبطة بالجمعات السابقة للحراك، كدلالة سياسية على أن الحراك لم يتوقف.
تتأسس الدعوات الجديدة لاستئناف التظاهرات الشعبية على عامل اجتماعي بارز، يتعلق بالإخفاق الحكومي الكبير في إدارة الأزمة الوبائية، وطغيان مشكلات السيولة النقدية، ونقص المياه والكهرباء، وعجز الحكومة والسلطة عن تفسير هذه الأزمات
وتدخلت الشرطة سريعاً، واعتقلت عدداً من المتظاهرين واقتادتهم إلى مراكز الأمن، إذ إن قرار الرئيس عبد المجيد تبون بمنع وحظر التجمعات والتظاهرات ما يزال ساري المفعول بسبب الأزمة الوبائية، على الرغم من سماح السلطات بفتح الأسواق والمقاهي والمطاعم والشواطئ والمساجد. ويعتقد الناشطون أن سماح السلطات بفتح هذه الفضاءات لا يبقي أي مبرر لحظر المسيرات والتجمعات الاحتجاجية والمطلبية.
وتظاهر مئات الناشطين، أمس الخميس، في منطقة بجاية شرقي الجزائر، في غضون احتفالات بذكرى هجمات 20 أغسطس/ آب 1955، ومؤتمر الصومام لتنظيم الثورة المنعقد في عام 1956، وهتف المتظاهرون برفض نظام حكم يهيمن فيه الجيش على السلطة، مطالبين بدولة مدنية عبر انتقال ديمقراطي في البلاد، رافضين الإقرار بشرعية الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، والتي حصل عليها في انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي وقاطعتها مكونات الحراك الشعبي، وسبقت ذلك تظاهرة ضخمة في مدينة خراطة شرقي الجزائر، الأحد الماضي.
ولوحظ في العاصمة الجزائرية، اليوم الجمعة، تأهب أمني لافت، وحضور بارز لقوات ومصالح الأمن، تحسباً لأي تحركات في الشارع.
وفتح منذ أسبوعين نقاش واسع بين الناشطين ومكونات الحراك الشعبي بشأن العودة إلى التظاهر في الشارع، خصوصاً بعد حملات الاعتقالات والملاحقات القضائية ضد الناشطين والصحافيين، ودافع المتحمسون لفكرة العودة إلى التظاهر عن هذا الخيار كسبيل وحيد لوقف ما يعتبرونه تمسك السلطة بالمقاربة الأمنية، والانفراد بالنشطاء، والتضييق عليهم واعتقالهم، وكذلك لاستعادة عامل الضغط على السلطة بشأن المطالب الديمقراطية، خصوصاً وأن السلطة السياسية عازمة على تنفيذ أجندة الإصلاحات السياسية والدستورية بشكل منفرد، وبالاستناد إلى قوى الموالاة وتنظيمات المجتمع المدني، من دون أية شراكة مع القوى السياسية الفاعلة في البلاد.
وإضافة إلى الدوافع السياسية وقضايا الحريات، تتأسس الدعوات الجديدة لاستئناف التظاهرات الشعبية على عامل اجتماعي بارز، يتعلق بالإخفاق الحكومي الكبير في إدارة الأزمة الوبائية، وطغيان مشكلات السيولة النقدية، ونقص المياه والكهرباء، وعجز الحكومة والسلطة عن تفسير هذه الأزمات، وتمسكهما بمبرر المؤامرة الذي لم يقنع أنصار السلطة أنفسهم، وضعف التدبير الحكومي في كثير من القضايا، والإخلال بوعود خفض الأسعار والتحكم في الأسواق وغيرها.
مخاوف ومؤشرات
لكن قرار السلطات الإبقاء على منع صلاة الجمعة في المساجد، وكذلك منع حركة النقل العمومي من وإلى المدن في نهاية الأسبوع، الجمعة والسبت، قد يقلّل في هذه الجمعة أو في الجمعات المقبلة من إمكانية توقع أن تكون تظاهرات الاستئناف كبيرة من حيث عدد المشاركين فيها، ناهيك عن أن الدعوات لاستئناف التظاهرات لا تلقى إجماعاً بين الناشطين، إذ يبدي عدد من الناشطين في الحراك الشعبي موقفاً مغايراً، ويعتقدون أن الوقت غير مناسب لذلك.
ويؤكد الناشط وعضو "جبهة القوى الاشتراكية" إبراهيم عوف، لـ"العربي الجديد"، أن "الوقت ليس مناسباً لاستئناف التظاهرات"، لافتاً إلى أن سبب تعليق المسيرات، مثلما يعلم الجميع، كان وباء كورونا، ولا تزال لغاية الآن الأرقام الرسمية مرتفعة، مقارنة بالأرقام التي جعلتنا نقرر تعليق المسيرات، ثانياً فإن إجراءات رفع الحجر الصحي لم يمرّ عليها أسبوع بعد، ما يعني أن نتائج هذا القرار ستظهر مع بداية هذا الأسبوع وتأثيرها على العدوى، كما يعلم الجميع أن وسائل النقل العمومي ممنوعة في نهاية الأسبوع، وهو ما يؤثر على عدد المشاركين، والأمر نفسه بالنسبة للمساجد، وخصوصاً أن ممارسة حق التظاهر في الجزائر مرتبطة بعدد المشاركين".
وأضاف: "أعلم أن هناك من هو متحمس للعودة للمسيرات، خصوصاً مع حملة الاعتقالات المتواصلة إلى يومنا هذا من تعليق المسيرات، ولكن أعتقد أننا مجبرون على الالتزام بموقفنا تجاه الصحة العامة للمواطنين".
وبغض النظر عن دعوات استئناف التظاهرات من عدمها، فإن السؤال السياسي الذي يبرز في السياق، هو مدى حجم التأثير الذي سيكون للتظاهرات الجديدة على عرقلة أو إبطاء مسار الإصلاحات السياسية والدستورية التي تقوم بها السلطة السياسية والرئيس تبون، خصوصاً وأن الأخير بدأ يكسب مع الوقت حلفاء جددا، حتى من داخل كتلة القوى المطالبة بالتغيير.
ويعتبر المحلل والكاتب في الشؤون السياسية عمار سيغة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن السلطة متمسكة بمسار الإصلاحات السياسية وتعديل الدستور، وستحاول فرض ذلك بغض النظر عن أي مقاومة أو احتجاجات، قائلاً إن "اجتماع الرئيس مع الولاة في الأيام القليلة الفارطة كان حلقة من عملية الاستفتاء لحثهم على إنجاح العملية. أنصار تعديل الدستور يقنعون الدوائر الفاعلة بأن العملية ستعطي المصداقية الكافية للرئيس الذي ما زالت قناعته بافتكاك المنصب لم ترق لطموحه، وهذا ما جعله يتمسك تارة بالمجتمع المدني، وتارة أخرى بمشاهد إحياء الذاكرة، ضف إلى ذلك استغلال الظرف للتسويق لخطاب يتقاطع مع تمجيد الدين الإسلامي، واللعب على وتر العاطفة الدينية بإبراز منجزات كمسجد الجزائر الأعظم".
لكن سيغة يحذر من أن المخاطر الرئيسة لا تأتي في استئناف تظاهرات الحراك، ولكن "من الجبهة الاجتماعية التي تعيش غلياناً، ونحن على وقع الدخول الاجتماعي، سنعيش انفجارات متتالية وستكون وقوداً لحراك لا يبقي ولا يذر هذه المرة، لأن عقدة الخوف لدى الشباب الجزائري لم تعد بالدرجة التي كانت عليها، زيادة على عجز الدوائر الرسمية عن كبح جماح الإعلام الإلكتروني الذي بات البديل لدى المواطن الجزائري بعد اصطفاف وسائل الإعلام الرسمية والخاصة مع الخطاب الرسمي، وعدم حيادها في تغطية موضوعية لمستجدات الساحة، وكذلك استمرار السلطة في كبح الأصوات الإعلامية وكذلك تقييد الرأي، واضطهاد واعتقال العديد من الإعلاميين".