منذ نشأتها شكّلت منظمة التحرير الفلسطينية إطاراً جامعاً للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وعبرت عن تنوعه الطائفي والديني، وحملت همومه وطموحاته في التحرير والعودة وتقرير المصير، فاكتسبت بذلك تمثيلاً سياسياً حقيقياً، لا منازع له ولا اختلاف عليه في الساحة السياسية، حتى بدأت تلوح في الأفق بوادر التحوّل السياسي نحو التفاوض مع العدو، فالشعب الفلسطيني الذي يجمع على التمسّك بحقه في التحرير والعودة وتقرير المصير لا يقبل التنازل عن حقوقه أو التفاوض عليها مع أعدائه الذين منحوا المنظمة اعترافاً تمثيلياً لغاية إجراء المفاوضات التي انتهت بالمنظمة إلى تهميش دورها وانحساره في زاوية التوظيف السياسي لشرعنة العملية التفاوضية.
بعدما أصبح الانقسام على الساحة الفلسطينية هو سيد الموقف، بدأ الجميع يدرك أهمية استعادة دور منظمة التحرير كإطار جامع للكل الفلسطيني ينتظم في أروقتها مشروعهم السياسي الجامع، كي يضبط إيقاع تحركاتهم السياسية في الساحات المحلية والإقليمية والدولية وعلى كافة المستويات بإيقاع واحد تتضافر معه كل الجهود نحو التحرّر واستعادة الحقوق.
كان من الممكن لولا اختلاف النوايا لدى الأطراف على الساحة السياسية الفلسطينية وحجم التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي الفلسطيني أن تشكّل نتائج انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 مدخلاً لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، فالنظام الفلسطيني يعتبر الفائزين بمقاعد المجلس التشريعي أعضاء طبيعيين في المجلس الوطني ويمثّلون الضفة الغربية وقطاع غزة، وتوقّف الأمر على قيام رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بالدعوة إلى عقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني حتى تصبح حماس ممثلة في عضوية المجلس الوطني وعلى طريق الدخول الكامل في منظمة التحرير كمقدمة لإعادة الاعتبار للمنظمة التي غيّبت بتوقيع اتفاقية أوسلو عن الشأن الفلسطيني.
اقــرأ أيضاً
الجهات التي سعت إلى جذب حركة حماس باعتبارها أكبر فصيل يقود المقاومة المسلحة على الساحة الفلسطينية للانتخابات البرلمانية كانت تهدف إلى إقحام حماس في مسار المفاوضات وليس إدخالها إلى منظمة التحرير، بما يهدد في المستقبل القريب مستقبل مسار المفاوضات في حال تم تفعيل مؤسسات منظمة التحرير وتغيّرت شخوصها الراهنة التي أكل الزمان عليها وشرب.
الآن تقف القضية الفلسطينية على مفترق طرق؛ إما مقاومة "حتى النصر" غير المقبول إقليمياً أو دولياً، أو حتى آخر قطرة دم لآخر مواطن غزي "أو الشهادة"، وإما مفاوضات ماراثونية دون تحقيق أية نتائج، يستثمرها العدو للتغطية على عملياته العدوانية المستمرة التي تطاول كل شيء على ثرى الوطن من إنسان أو أرض أو ممتلكات. فخيار المقاومة يتمتع بحاضنة شعبية لا أحد يدرى إلى أي مدى يمكن الرهان على صمودها، وفي ذات الوقت محروم من الحاضنة الوطنية نتيجة وجود الانقسام على الساحة الفلسطينية من جهة وفقدان البوصلة من جهة أخرى، ومحروم من الحاضنة العربية نتيجة توقيع الاتفاقيات السياسة مع الكيان الصهيوني (كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة) والتعاون الأمني السري الذي بدأ يأخذ الشكل العلني في الزيارات المكشوفة لقادة الأجهزة الأمنية العربية للكيان الصهيوني، فتضافر غياب هذه الحاضنات مجهضةً كل نجاحات المقاومة الفلسطينية التي أذلت الجيش الصهيوني في ثلاث معارك بذلت فيها غزة المحاصرة من التضحيات والصمود ما تعجز عنه كثير من الدول.
اقــرأ أيضاً
في المقابل، انتهى المطاف بأصحاب مسار المفاوضات إلى الإهمال من جانب الشريك التفاوضي (إسرائيل) والانزواء في زاوية المطالب الشخصية المرتبطة بالتنقل والحركة وتسيير الحياة اليومية وترك الباب للعزل من أبناء الشعب الفلسطيني للتصدي لجدار الفصل العنصري في مناطق محدودة تسمح بها إجراءات التنسيق الأمني والدوريات المشتركة، وترك الباب مفتوحاً للتمدد الاستيطاني يتحرّك بثبات ليلتهم الأراضي المفترض أن تكون يوماً ما الدولة الفلسطينية كنتيجة للمفاوضات والاتفاقات، وتركت أيدي الجيش الصهيوني تطاول كل من تريد من خلال المطاردات الساخنة، ونصب الحواجز العسكرية الطيارة والثابتة التي بلغت ما يزيد عن ستمئة حاجز عسكري فصلت بين المدن والقرى الفلسطينية، ليكتشف الشعب الفلسطيني أن مسار المفاوضات كان في عقل القادة الصهاينة فقط بهدف التوظيف الأمني لقوى الأمن الفلسطينية لاستنزاف قوتها وقدراتها في معارك توفر للاحتلال الأمن والحماية، ليبقى الاحتلال الصهيوني أقل تكلفة وأرخص احتلال، ولتمزيق الحالة الفلسطينية واستنزافها في معارك جانبية ولتعطيل المسعى الوطني نحو الوحدة والاتفاق على مشروع سياسي جامع يهدف إلى اقتلاع الاحتلال ويفتح باب العودة للشعب الفلسطيني لتحقيق الاستقلال الوطني على أرضه.
لم يبق أمام الشعب الفلسطيني وفصائله إلا طريق واحد، هو طريق الوحدة؛ وحدة المشروع السياسي الجامع الذي يأخذ في الاعتبار كل التباينات على الساحة المحلية والإقليمية والدولية ويضع نصب عينيه مصالح الشعب الفلسطيني في الحرية والعودة وتقرير المصير، فالشعب الفلسطيني الذي يعتزّ بتنوعه الديني، ويعتز بحمايته لنسيجه الوطني عبر مختلف المحطات التاريخية منذ مئات السنين، ويعتز بثباته وصموده منذ ما يقرب على المائة عام من الصمود والجهاد والنضال قدم خلالها عشرات الآلاف من الشهداء ومئات الألوف من الجرحى وأكثر من مليون أسير، قادر بإذن الله على تجاوز هذه الحالة من الانقسام، وقادر كذلك على تفويت الفرصة على أعدائه في تجاوز حقوقه ومكتسباته، وقادر على إعادة صياغة مشروعه الوطني من جديد، آخذاً في الاعتبار كل التباينات على الساحة الوطنية والدولية ليسهم بشكل فاعل في تهيئة الظروف المواتية لنيل حريته واستقلاله.
(باحث في الشأن السياسي الفلسطيني)
اقــرأ أيضاً
بعدما أصبح الانقسام على الساحة الفلسطينية هو سيد الموقف، بدأ الجميع يدرك أهمية استعادة دور منظمة التحرير كإطار جامع للكل الفلسطيني ينتظم في أروقتها مشروعهم السياسي الجامع، كي يضبط إيقاع تحركاتهم السياسية في الساحات المحلية والإقليمية والدولية وعلى كافة المستويات بإيقاع واحد تتضافر معه كل الجهود نحو التحرّر واستعادة الحقوق.
كان من الممكن لولا اختلاف النوايا لدى الأطراف على الساحة السياسية الفلسطينية وحجم التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي الفلسطيني أن تشكّل نتائج انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 مدخلاً لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، فالنظام الفلسطيني يعتبر الفائزين بمقاعد المجلس التشريعي أعضاء طبيعيين في المجلس الوطني ويمثّلون الضفة الغربية وقطاع غزة، وتوقّف الأمر على قيام رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بالدعوة إلى عقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني حتى تصبح حماس ممثلة في عضوية المجلس الوطني وعلى طريق الدخول الكامل في منظمة التحرير كمقدمة لإعادة الاعتبار للمنظمة التي غيّبت بتوقيع اتفاقية أوسلو عن الشأن الفلسطيني.
الجهات التي سعت إلى جذب حركة حماس باعتبارها أكبر فصيل يقود المقاومة المسلحة على الساحة الفلسطينية للانتخابات البرلمانية كانت تهدف إلى إقحام حماس في مسار المفاوضات وليس إدخالها إلى منظمة التحرير، بما يهدد في المستقبل القريب مستقبل مسار المفاوضات في حال تم تفعيل مؤسسات منظمة التحرير وتغيّرت شخوصها الراهنة التي أكل الزمان عليها وشرب.
الآن تقف القضية الفلسطينية على مفترق طرق؛ إما مقاومة "حتى النصر" غير المقبول إقليمياً أو دولياً، أو حتى آخر قطرة دم لآخر مواطن غزي "أو الشهادة"، وإما مفاوضات ماراثونية دون تحقيق أية نتائج، يستثمرها العدو للتغطية على عملياته العدوانية المستمرة التي تطاول كل شيء على ثرى الوطن من إنسان أو أرض أو ممتلكات. فخيار المقاومة يتمتع بحاضنة شعبية لا أحد يدرى إلى أي مدى يمكن الرهان على صمودها، وفي ذات الوقت محروم من الحاضنة الوطنية نتيجة وجود الانقسام على الساحة الفلسطينية من جهة وفقدان البوصلة من جهة أخرى، ومحروم من الحاضنة العربية نتيجة توقيع الاتفاقيات السياسة مع الكيان الصهيوني (كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة) والتعاون الأمني السري الذي بدأ يأخذ الشكل العلني في الزيارات المكشوفة لقادة الأجهزة الأمنية العربية للكيان الصهيوني، فتضافر غياب هذه الحاضنات مجهضةً كل نجاحات المقاومة الفلسطينية التي أذلت الجيش الصهيوني في ثلاث معارك بذلت فيها غزة المحاصرة من التضحيات والصمود ما تعجز عنه كثير من الدول.
في المقابل، انتهى المطاف بأصحاب مسار المفاوضات إلى الإهمال من جانب الشريك التفاوضي (إسرائيل) والانزواء في زاوية المطالب الشخصية المرتبطة بالتنقل والحركة وتسيير الحياة اليومية وترك الباب للعزل من أبناء الشعب الفلسطيني للتصدي لجدار الفصل العنصري في مناطق محدودة تسمح بها إجراءات التنسيق الأمني والدوريات المشتركة، وترك الباب مفتوحاً للتمدد الاستيطاني يتحرّك بثبات ليلتهم الأراضي المفترض أن تكون يوماً ما الدولة الفلسطينية كنتيجة للمفاوضات والاتفاقات، وتركت أيدي الجيش الصهيوني تطاول كل من تريد من خلال المطاردات الساخنة، ونصب الحواجز العسكرية الطيارة والثابتة التي بلغت ما يزيد عن ستمئة حاجز عسكري فصلت بين المدن والقرى الفلسطينية، ليكتشف الشعب الفلسطيني أن مسار المفاوضات كان في عقل القادة الصهاينة فقط بهدف التوظيف الأمني لقوى الأمن الفلسطينية لاستنزاف قوتها وقدراتها في معارك توفر للاحتلال الأمن والحماية، ليبقى الاحتلال الصهيوني أقل تكلفة وأرخص احتلال، ولتمزيق الحالة الفلسطينية واستنزافها في معارك جانبية ولتعطيل المسعى الوطني نحو الوحدة والاتفاق على مشروع سياسي جامع يهدف إلى اقتلاع الاحتلال ويفتح باب العودة للشعب الفلسطيني لتحقيق الاستقلال الوطني على أرضه.
لم يبق أمام الشعب الفلسطيني وفصائله إلا طريق واحد، هو طريق الوحدة؛ وحدة المشروع السياسي الجامع الذي يأخذ في الاعتبار كل التباينات على الساحة المحلية والإقليمية والدولية ويضع نصب عينيه مصالح الشعب الفلسطيني في الحرية والعودة وتقرير المصير، فالشعب الفلسطيني الذي يعتزّ بتنوعه الديني، ويعتز بحمايته لنسيجه الوطني عبر مختلف المحطات التاريخية منذ مئات السنين، ويعتز بثباته وصموده منذ ما يقرب على المائة عام من الصمود والجهاد والنضال قدم خلالها عشرات الآلاف من الشهداء ومئات الألوف من الجرحى وأكثر من مليون أسير، قادر بإذن الله على تجاوز هذه الحالة من الانقسام، وقادر كذلك على تفويت الفرصة على أعدائه في تجاوز حقوقه ومكتسباته، وقادر على إعادة صياغة مشروعه الوطني من جديد، آخذاً في الاعتبار كل التباينات على الساحة الوطنية والدولية ليسهم بشكل فاعل في تهيئة الظروف المواتية لنيل حريته واستقلاله.
(باحث في الشأن السياسي الفلسطيني)