بِفَمٍ مليءٍ بالبرق

06 نوفمبر 2018
زهير دباغ/ سورية
+ الخط -

مُذْ صرتُ ليلَ نفسي، صارت أحلامي فجرَ نفسِها.

آهِ لو فقط أستطيعُ أن أدجِّنَ غيمة؛ لَكُنتُ صنعتُ منها غيمة.

كنتُ دائماً في جسدي، ولكن ما ذنبي إذا كان جسدي دائماً في حُلُمه؟

امتلكتُ كلَّ أجنحتي إلَّا جناحاً واحداً، هوَ ما أفقدُ الآنَ كلَّ أجنحتي لكي أصِلَ إليه.

كلُّ شرنقةٍ ترتجفُ تلدُني. أنا أثرُ هذه الفراشةِ، وظلُّ تلكَ، وغبارُ الأخرى.

الغيمةُ التي أحملُها دائماً في رأسي، لم تُعْفِني من أيِّ صيفٍ، وفي الوقتِ نفسِهِ أوْرَثتْني كلَّ الشِّتاءات.

ورقةُ القيقب تنبضُ في يدي، وقلبي ينبضُ في ورقةِ القيقب.

وراءَ كلِّ قصيدةٍ ثمَّةَ هُوَّة؛ القصيدةُ تكتملُ فقط عندما تنفتحُ الهُوَّة وتبتلعُ الشَّاعر.

لا أجدُ عزائيَ في الشِّعر، ولا أجدُ عزاءً على ذلك غيرَ الشِّعر.

كم هو مُحزنٌ أن أكتبَ عن الخريف، بدلاً من أن أصفرَّ وأسقط.

بين هاويةٍ صنَعَتْني، وسماءٍ أحلمُ بأن أصنعَها، لم أصنعْ شيئاً.

كُلَّما نُودِيتُ باسمي، وَجَدْتُني أتلفَّتُ بحثاً عن المُنادَى لا المُنادِي.

أبَيْتُ أن أنتميَ إلى شيءٍ، فانتمَتْ إليَّ كلُّ الأشياء.

أغرَقُ في عزلتي، أغرَقُ، أغرَق... ولأنَّه لا قاعَ لها، أُوهِمُكم بأنَّني أطير.

أعملُ كالخريف. بالمحوِ أكتب، بالسُّكون أعنِّف، بالعُري أكسو.

لستُ الموجةَ، أمُرُّ وأزول؛ بل النُّسخة الأصليَّة للبحر.

أمدُّ يدي إلى الجهة الأخرى من ذاتي، وأسقي السَّراخسَ التي نبتَتْ هناك.

لم أجترئ يوماً على قطفِ وردة، أنا الذي لا يمضي يومٌ دون أن أقطفَ صاعقة.

غفوتُ مرَّةً إلى جذعِ صنوبرة. منذ ذلك الحين وأنا إذا أدمعتُ أُدمعُ صُمغاً، وهي إذا أصمَغَتْ تُصمِغُ دمعاً.

أقفُ أمامَ كينونتي، كزهرةٍ تقفُ على تضادّ مع خطمِ بهيمةٍ جائعة.

أنينُ حيتانٍ يجيءُ من عُزلاتٍ ليليَّةٍ بعيدة؛ تُرجِّعُ صداهُ عزلتي.

في سقوط الطَّلع الأحمر الحارق على جليد البحيرة أحلُّ وأتحرَّك.



*شاعر سوري، والشذرات من كتابٍ قادمٍ يحمل العنوان نفسه

المساهمون