بين نيوزيلندا وفلسطين

21 مارس 2019
+ الخط -
اعتاد الفلسطينيون، بل والعالم، منذ سبعة عقود، على رؤية المجزرة الإسرائيلية الممتدة والمستمرة بحق الفلسطينيين، من غير أن ينال الإسرائيلي عقوبة واحدة. سالت أنهار من الدم الفلسطيني على مدى تلك العقود والسنوات، من مجزرة دير ياسين، والطنطورة، ومجازر صبرا وشاتيلا، وغيرها من المجازر الإسرائيلية التي ضاع فيها حق الدم الفلسطيني، وصولاً إلى العصر الحاضر من حروب غزة الثلاث، فلم يتغير من الواقع شيء، بحيث أن أقصى ردات الفعل الدولية كانت تشكيل لجان تحقيق أممية، تنتهي بوضع الجلاد والضحية في ميزان حكم واحد.
وقد طرحت هذه الجريمة في نيوزيلندا، بردات فعلها الدولية المتواضعة، أسئلة كثيرة وقديمة في الوقت نفسه، بحيث لو كان المرتكب مسلماً بحق المجتمع النيوزيلندي لقامت الدنيا ولم تقعد، مع الإدانة الكاملة لأي جريمة مهما اختلفت ديانة مرتكبها وجنسيته، فالمشهد اليومي الذي نعيشه في فلسطين من قتل يومي بحق أبنائنا، حتى أكاد أقول إن الإرهاب الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني كان ملهماً لمتعصبين إرهابيين عديدين، مثل برينتون تارانت، فلا يختلف مشهد مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبت منذ 25 عاماً على يد المجرم الإرهابي، باروخ غولدشتاين، عن التي جرت في نيوزيلندا. والحصيلة أن غولدشتاين حوكم في المحاكم الإسرائيلية باعتباره "مختلا عقليا"، وخلد اسمه لدى المجتمع الإسرائيلي بطلا خدم "دولة إسرائيل".
وبالنظر إلى عناوين الصحافة العبرية، وكيفية تعاملها مع تلك الحادثة، نلحظ، بشكل واضح، غياب مفردة "إرهابي"، أو "إجرامي"، لوصف المجرم والجريمة، فقد عنونت صحيفة إسرائيل اليوم "49 قتيلاً و20 جريحاً في اعتداء على مسجد في نيوزيلندا". أما صحيفة جيروزالم بوست، فوصفت تارانت "القاتل المزعوم"، في معرض حديثها عن محاولة أحد المصلين مواجهته. أما عنوان موقع واي نت العبري فكان "اتهام متعصب أبيض بجريمة قتل بإطلاقه النار على مسجد في نيوزيلندا". والحصيلة أنّ ما قام به هذا الرجل، بالمفهوم الإسرائيلي، عمل لا يدخل في إطار الإرهاب والإجرام. ومن المعروف أن الإسرائيلي يستثمر دائماً في أي جريمة ترتكب في الغرب على يد مسلم، لتصوير المقاومة الفلسطينية كمجرمين، ولا ننسى أنه في أحداث "11 سبتمبر" الأميركية عام 2001 استغل شارون هذه الحادثة ليشبه النضال الفلسطيني بما يقوم به زعيم التنظيم الإرهابي، أسامة بن لادن، ورفاق دربه الجهاديين، وأقدم على حصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في مقر المقاطعة في رام الله، باعتباره إرهابياً، وسكت العالم.
وبالعودة إلى المجرم تارانت، من خلال كتاباته وما توعّد به المهاجرين المسلمين، لا يختلف كثيراً عن الإيديولوجيا الإسرائيلية تجاه الفلسطيني "بلادنا لن تكون بلادهم أبداً، وأوطاننا ملكنا". فهل يختلف ما نطق به تارانت عن ممارسات الإسرائيليين، وتوجهاتهم الدينية والفكرية، بل وما صدر أخيرا كقانون القومية اليهودية، والإعلان عن "إسرائيل دولة لليهود فقط"، أليس هذا قمة العنصرية؟
الفارق بين الجريمتين أن الإسرائيلي يقتل ويسرق الأرض، وينكر الهوية الفلسطينية، من محاسبة، فلا قانون دولي، ولا مجلس أمن، ولا محاكم دولية، استطاعت أن توقف هذا الإجرام، بعكس أمثال تارانت الذين نتوقع من دولهم أن تنزل بهم العقاب.
يصح القول هنا إننا أمام إرهاب واحد، وعقوبة مختلفة، فالحقيقة أن عقوبة الإسرائيلي هي السكوت والصمت والشجب الدولي الغربي، الخجول تحديداً، وهي جائزة شجعته دوماً على ارتكاب مزيد من الجرائم، وسوف يشجعه التطبيع مع الدول العربية على ارتكاب مزيد منها، وسوف نواجه إرهابيين إسرائيليين، يتشبهون بعقيدة تارانت، بفعل الغطاء الدولي والعربي.
انتهت هذه المجزرة في نيوزيلندا بسقوط فلسطينيين شهداء أيضًا، وكأن عقيدة القتل الإسرائيلية تلاحق الفلسطينيين، أينما حلّوا، لكن هذه المرة بثوب رجل أسترالي أبيض، وُصف بأنه عنصري.
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)