بين عرب وارسو وعرب القدس

27 فبراير 2019
+ الخط -
واضح أن المشهد العربي الإسرائيلي في وارسو حمل مشهدا مغايرا عن التجمعات الدولية ومؤتمرات السلام التي شارك فيها العرب والإسرائيليون سابقا، فبعد أن كان التقليد أن يلقي كل طرف خطابا معدا مسبقا من دون نقاشات، تحول مؤتمر وارسو هذه المرة الى جلسة أسئلة ونقاشات ولقاءات بين رئيس الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزراء الخارجية العرب. 
وقد سجل هذا المؤتمر نتائج ضعيفة، نظرا للخلاف في الرؤية حول كيفية التعامل مع إيران بين الأوروبيين والأميركيين، لكن لا نستطيع القول إلا أن نتنياهو سجل انتصارا إعلاميا، كان مطلوبا لترجمته أصواتا انتخابية، عبر لقاءاته مع "عرب التطبيع"، في مشهد مخزٍ، تناوب فيه الوزراء بالعلن التهجم على إيران، والدفاع عن المحتل الإسرائيلي.
وقد مارس نتنياهو هواياته القديمة الجديدة بتسريب معلومات للصحافة الإسرائيلية قبيل انعقاد المؤتمر بزيارته خمس دول عربية، كما تعمد نشر لقاءاته الخاصة مع بعض الوزراء العرب على هامش المؤتمر بحيل متعدّدة، والنتيجة واحدة، أيها الفلسطينييون نجحت في التطبيع مع العرب من غير تقديم أي ثمن لكم.
لكن ما هو الثمن الذي جناه "عرب وارسو" في ما يخص إيران، الجواب لا شيء، لأن الفشل كان ذريعا بربط الملف الفلسطيني بالملف الإيراني، بمعنى تصفية القضية الفلسطينية وفق الرؤية الإسرائيلية، وإجبار الفلسطيني على تلك الرؤية باعتبار أن نتنياهو سيحارب نيابة عنهم "الخطر الإيراني"، وهو لن يقدم جنديا واحدا، وسجلوا فشلا كذلك في إقناع السلطة الفلسطينية لحضور المؤتمر، فظهر الى العلن ما كان سابقا في السر، وسيشكل هذا المؤتمر سابقة علنية ستتكرر لاحقا، عبر زيارات علنية إسرائيلية الى البلاد العربية.
والسؤال الذي أطرحه على "عرب وارسو": ما شأننا كفلسطينيين وخلافاتكم مع إيران، لماذا يجب أن تقحمونا، بل وننساق خلف مشروعكم بالقوة ونسحق قضيتنا من أجل حروبكم العبثية مع إيران، فهل فلسطين أرخص من بلادكم؟ والله إن بلادنا عزيزة علينا، وتستحق منا النضال من أجلها وليست للبيع لا كرمى لعيونكم ولا لنتنياهو.
ماذا يعرض علينا "عرب وارسو" غير الذي نعرفه، ألم يقرأوا تقرير أستاذة العلوم السياسية في "الجامعة المفتوحة في إسرائيل"، تمار هيرمان، والذي نشر في مركز دراسات الشرق الأدنى تحت عنوان "هل قادة المنطقة على توافق مع الرأي العام؟ القضية الإسرائيلة - الفلسطينية" حيث أفاد هذا التقرير أن 6% فقط من المستطلع آراؤهم في التقرير يريدون التوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وكذلك يحمّل 80% من "اليمين" و59% من "الوسط" الفلسطينيين مسؤولية الفشل في التوصل الى اتفاق سلام.
إذا كان الشعب الإسرائيلي المحتل يرفض، بأغلبيته، السلام مع الفلسطيني، ويحمله زورا فشل السلام، وإذا كان التهويد وسرقة الأراضي تسير على قدم وساق، و"حلم الدولة" الفلسطينية ضاع الى لا رجعة، هل المطلوب أن نصفي قضيتنا ونسلم ما تبقى من بلادنا ونعترف للإسرائيلي بالقليل والكثير كرمى لعيون نتنياهو من أجل حربكم العبثية مع إيران؟ خسئتم.
إن هذا النوع الرخيص من العرب لا يمثلنا، وإن عرب القدس هم العرب الأقحاح الذين افتتحوا بابا أغلق على المسجد الأقصى (باب الرحمة) منذ العام 2003 بصدورهم العارية، وأقاموا الصلاة في مصلاه، وأعلنوا قبل كتابة هذا السطور عن تعيين إمام لهذا المصلى، هؤلاء هم "عرب القدس"، الذين يمثلون الضمير الحي لكل حر وعربي. فبين "عرب وارسو" لعرب القدس حكاية خنوع وتخلي، وبين عرب القدس والمحتل الإسرائيلي حكاية صمود وكفاح وتضحية.
مشهد الاجتماع الوزاري العربي التطبيعي مع الاحتلال في وارسو اقتلع بأيدي المقدسيين عبر مشهدية تحطيم السلاسل الحديدية الإسرائيلية لباب الرحمة، وكان لسان حالهم واضحا، معركتنا هنا مع المحتل الإسرائيلي، ولا تعنينا لقاءاتكم مع نتنياهو، فنحن لا نعتمد عليكم، ولا تعنينا حروبكم العبثية مع إيران، التقطوا صورا ما شئتم مع نتنياهو وسنلتقط صورا مع شهدائنا وجرحانا.. هو خيار لا ثالث له إما عرب وارسو أوعرب القدس.
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)