13 يونيو 2021
بين موقف قطر وخطأ "الإخوان"
لعل أزمة الخليج الراهنة، واستهداف قطر بدون سبب حقيقي، إلا وقوفها لدعم الشعوب المقهورة في مواجهة الحكام المستبدين خلال الربيع العربي، عبر نقل نبض هؤلاء من خلال شبكة الجزيرة التي كان أحد أبرز شعاراتها أنها صوت من لا صوت له، لعلها تطرح التساؤل من جديد عن إشكالية جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهل أخطأوا بقبولهم قواعد اللعبة الديمقراطية، ودخولهم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أول انتخابات حرة ونزيهه وشفافة، ربما في المنطقة ككل، شهد لها القاصي والداني. وهل كان الخطأ الرئيسي، كما يقول بعض خصومهم، انتهاجهم النهج الإصلاحي بدل الثوري، بعد تنحّي حسني مبارك في فبراير/ شباط 2011، وأنه كان لا بد من استغلال الحدث والزخم الشبابي المؤيد لهم، من أجل الطرق بيد من حديد على مؤسسات الدولة العميقة، وإقامة محاكم ثورية لرؤوس الفساد في عهد مبارك، بما في ذلك مبارك ذاته؟
خطأ "الإخوان"، في ضوء المشهد الراهن الذي فجرته أزمة الخليج، من البداية ليس في النهج الذي سلكوه خلال الحكم، وهو نهج إصلاحي وليس ثوريا، وإن كانت فترة حكمهم تحتاج مراجعات كثيرة، وإنما ربما يكون في تصدّرهم المشهد السياسي عبر الآليات الديمقراطية في بيئة داخلية، بل وإقليمية ودولية شديدة الاضطراب والتعقيد. صحيحٌ أن هذا من حقهم الديمقراطي، لكن تقديرات الموقف وتعقيداته، لاسيما في مراحل التحول الديمقراطي، كانت
تستوجب غير ذلك، بل وربما هم أدركوا، في بدايات الثورة، أن نهج المشاركة لا المغالبة هو الأساس الذي أشاروا إليه في بيان اللاءات الثلاثة "لا لرئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية والأغلبية البرلمانية". وصحيح أنهم حاولوا تطبيق ذلك من خلال الانتخابات البرلمانية، عبر تحالف عريض قبل الانتخابات، بدأ بـ 43 حزبا، وانتهى بعشرة، على الرغم من أنهم كان بإمكانهم دخولها بصورة منفردة، باعتبارهم أصحاب الشعبية الأولى في البلاد بعد الثورة، كما كانوا من أواخر القوى السياسية التي أعلنت عن مرشح رئاسي، بعد حل البرلمان، وبحثهم عن مرشح يقفون خلفه. لكن يبدو أنهم انجرّوا إلى ذلك، لاسيما بعد فشل حكومة كمال الجنزوري المعينة من المجلس العسكري في التعاون معهم بداية، بل والتهديد الشهير من الجنزوري للمجلس بأنه سيتم حله بحكم قضائي، في حال الإصرار على تغيير حكومته.
لم يكن تحالف الثورة المضادة الذي باتت أركانه واضحة، في ضوء أزمة الخليج الحالية، ليسمح أساسا بنجاح التجربة الديمقراطية في مصر، ولا في غيرها، حتى وإن كان نهج "الإخوان" هو التشاركية وليس المغالبة، فمثلا إذا لم يعلن "الإخوان" تقديم مرشح رئاسي، كانت النتيجة فوز أحمد شفيق، أحد أركان الثورة المضادة والمدعوم إماراتيا في الانتخابات، والقضاء على الثورة بطريقة ديمقراطية في يوليو/ تموز 2012 . ولعل التجربة التونسية خير دليل على ذلك، حيث كم الأموال الخليجية (الإماراتية تحديدا) الضخمة التي قدّمت لأركان الثورة المضادة هناك للحيلولة دون هيمنة حركة النهضة، على الرغم من تشاركيتها من البداية، وتمكين الثورة المضادة من العودة، وهزيمة "النهضة" في أول انتخابات برلمانية بكل السبل، ولا يزال الأمر مستمرا، والمعركة لم تنته من وجهة نظرهم. فما بالنا إذا كانت هذه التجربة
الديمقراطية ستأتي بـ "الإخوان" إلى الحكم في دولة محورية مهمة، تقف إسرائيل على حدودها الشمالية الشرقية. لذا، ربما يكون خطأ "الإخوان" في تصدر المشهد ابتداء، وليس في النهج. تخيل لو أن الرئيس محمد مرسي و"الإخوان" اتخذوا إجراءات ثورية ضد خصوم الثورة. هل كان سيصمت معسكر الثورة المضادة الإقليمي، وهل كانت الدول الكبرى ستقف في موقف المتفرج، أم كانت ستقوم بتطبيق أحد مبادئ القانون الدولي الإنساني التي تم إرساؤها إبّان تولي كوفي أنان سكرتارية الأمم المتحدة، حيث اعتبر، في حينها، أن أي مواطن في أي دولة هو مواطن دولي، قبل أن يكون منتميا لهذه الدولة، وبالتالي، سيكون الاعتداء عليه بمثابة اعتداءٍ، يستوجب التدخل الدولي لحمايته، وستسقط فكرة السيادة الوطنية أمام فكرة التدخل الدولي الإنساني، وما يسبقها من فرض حصار اقتصادي وعزلة دولية.
إذن، من الواضح أمام تعقيدات المشهد الراهن أن الهدف هو قمع الديمقراطية وحق الشعوب في اختيار حكامها بشتى السبل. لذا كان دعم الثورات المضادة في مصر واليمن وليبيا وسورية. ناهيك عن قمع الإسلاميين (الإخوان) من باب أولى، خصوصا إذا كان لديهم مشروع وسطي يهدّد الزعامة الدينية لبعض هذه الدول.
ربما يكون بعض أوجه التشابه، وكذلك التباين بين نهج قطر و"الإخوان"، فكلاهما اختار فكرة الانحياز للشعوب والحريات في مواجهة الاستبداد، وكلاهما يدعم المقاومة الفلسطينية. ولكن مع فارق مهم، هو أن قطر دولة، ولديها من الإمكانات الاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية ما مكّنها من الصمود حتى هذه اللحظة في مواجهة تيار الثورات المضادة، أما الإخوان المسلمون كجماعة، فقد دخلوا المعترك السياسي بدون سند مؤسسي حقيقي داخلي، ما جعلهم فريسة سهلة أمام معسكر الثورة المضادة للنيل منها، بل والسعي إلى القضاء عليها، باعتبارها صاحبة مشروع إصلاحي سياسي شامل، يهدّد، ولو نظريا، عرين قوى الاستبداد في المنطقة.
خطأ "الإخوان"، في ضوء المشهد الراهن الذي فجرته أزمة الخليج، من البداية ليس في النهج الذي سلكوه خلال الحكم، وهو نهج إصلاحي وليس ثوريا، وإن كانت فترة حكمهم تحتاج مراجعات كثيرة، وإنما ربما يكون في تصدّرهم المشهد السياسي عبر الآليات الديمقراطية في بيئة داخلية، بل وإقليمية ودولية شديدة الاضطراب والتعقيد. صحيحٌ أن هذا من حقهم الديمقراطي، لكن تقديرات الموقف وتعقيداته، لاسيما في مراحل التحول الديمقراطي، كانت
لم يكن تحالف الثورة المضادة الذي باتت أركانه واضحة، في ضوء أزمة الخليج الحالية، ليسمح أساسا بنجاح التجربة الديمقراطية في مصر، ولا في غيرها، حتى وإن كان نهج "الإخوان" هو التشاركية وليس المغالبة، فمثلا إذا لم يعلن "الإخوان" تقديم مرشح رئاسي، كانت النتيجة فوز أحمد شفيق، أحد أركان الثورة المضادة والمدعوم إماراتيا في الانتخابات، والقضاء على الثورة بطريقة ديمقراطية في يوليو/ تموز 2012 . ولعل التجربة التونسية خير دليل على ذلك، حيث كم الأموال الخليجية (الإماراتية تحديدا) الضخمة التي قدّمت لأركان الثورة المضادة هناك للحيلولة دون هيمنة حركة النهضة، على الرغم من تشاركيتها من البداية، وتمكين الثورة المضادة من العودة، وهزيمة "النهضة" في أول انتخابات برلمانية بكل السبل، ولا يزال الأمر مستمرا، والمعركة لم تنته من وجهة نظرهم. فما بالنا إذا كانت هذه التجربة
إذن، من الواضح أمام تعقيدات المشهد الراهن أن الهدف هو قمع الديمقراطية وحق الشعوب في اختيار حكامها بشتى السبل. لذا كان دعم الثورات المضادة في مصر واليمن وليبيا وسورية. ناهيك عن قمع الإسلاميين (الإخوان) من باب أولى، خصوصا إذا كان لديهم مشروع وسطي يهدّد الزعامة الدينية لبعض هذه الدول.
ربما يكون بعض أوجه التشابه، وكذلك التباين بين نهج قطر و"الإخوان"، فكلاهما اختار فكرة الانحياز للشعوب والحريات في مواجهة الاستبداد، وكلاهما يدعم المقاومة الفلسطينية. ولكن مع فارق مهم، هو أن قطر دولة، ولديها من الإمكانات الاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية ما مكّنها من الصمود حتى هذه اللحظة في مواجهة تيار الثورات المضادة، أما الإخوان المسلمون كجماعة، فقد دخلوا المعترك السياسي بدون سند مؤسسي حقيقي داخلي، ما جعلهم فريسة سهلة أمام معسكر الثورة المضادة للنيل منها، بل والسعي إلى القضاء عليها، باعتبارها صاحبة مشروع إصلاحي سياسي شامل، يهدّد، ولو نظريا، عرين قوى الاستبداد في المنطقة.