بين تحوّلات أستانة وجولة ترامب الأوسطية: إحياء سياسة المحاور؟

08 مايو 2017
يكرّس ترامب انقلابه على سياسة أوباما في المنطقة(أليكس وانغ/Getty)
+ الخط -


تتبلور الاصطفافات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط بصورة تجعل منها تبدو وكأنها ساحة لـ"محورين" رئيسيين: روسي-إيراني-تركي، يقابله تحالف أميركي-خليجي-مصري. المحور الأول أخذ جرعة من الزخم بعد بيان أستانة 4، والذي يشكّل خطوة متقدّمة على طريق ترسيخه، خصوصاً إذا ما نجح تطبيق مناطق تخفيف التوتر في سورية الذي دخل حيز التنفيذ يوم السبت في أربع مناطق.
أما المحور الثاني فيأخذ من خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط بعد أسبوعين، دفعة قوية باتجاه تجديده وتفعيله. وتُشكّل جولة ترامب في المنطقة التطور الأبرز، فهي محمّلة بالمدلولات النوعية والرسائل. أهم ما تنطوي عليه، لا سيما في محطتها السعودية ولقاءات ترامب الإقليمية المتعددة فيها، أنها تأتي كترجمة لانقلاب إدارة ترامب على سياسة الرئيس السابق باراك أوباما في المنطقة. وتُعدّ جولته بمثابة إحياء للعلاقات التاريخية مع الحلفاء التقليديين. ولا تخفي إدارة ترامب أن المهمة الرئيسية لهذا التحوّل تتمثل في تعزيز التحالف لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة وتحجيمه، فهذا يشكّل جوهر الاستدارة الأميركية الجديدة. وقد تجلّى ذلك أخيراً في تكثيف تحرك الإدارة على جبهات عدة، ميدانية ودبلوماسية، تتصل بصورة أو بأخرى بهذا الغرض.
في الشق الأول، تجلّى هذا التوجّه في أكثر من ساحة، من اليمن إلى العراق مروراً بسورية. فبعد مسارعة ترامب إلى إزالة القيود التي كانت إدارة أوباما قد وضعتها على تزويد السعودية بالأسلحة اللازمة في حربها باليمن، يجري الحديث في واشنطن عن الاستعدادات القائمة لاستعادة ميناء الحديدة من الحوثيين وعن المساندة الأميركية المطلوبة العسكرية والاستخباراتية لتحقيقها. وفي ذلك، وفق الحسابات الأميركية، دفعة أولى لإضعاف الدور الإيراني في اليمن.
في موازاة ذلك، تُجري واشنطن مباحثات مع الحكومة العراقية لتمديد بقاء القوات الأميركية هناك بعد معركة الموصل. وحسب المتداول، فإن مثل هذا التدبير محسوب في حكم تحصيل الحاصل، لأنه يحقق مصلحة الطرفين، ليس فقط في محاربة فلول تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وغيرها بعد استرجاع الموصل، بل أيضاً في تقليص الدور الإيراني وحضوره الوازن في العراق. فمنذ فترة والدوائر الأميركية المعنية تشير إلى تعاظم هذا الحضور والخشية من تضخمه بعد الموصل بما يستدعي وجود رادع أميركي على الأرض، وذلك خلافاً لتعهدات ترامب بالانسحاب من أي مهمة عسكرية بعد الانتهاء من تحقيق مهمتها في الخارج. يبرر ذلك حسب قراءات أميركية، أن واشنطن استثمرت كثيراً في العراق ولا تجب مغادرته كما جرى في 2011 وترك ساحته للمجموعات المسلحة التي سارعت آنذاك إلى ملء الفراغ، خصوصاً أن الأزمة السياسية ما زالت قائمة بين مكونات الشعب العراقي. يضاف إلى ذلك، وفق هذا التوجّه، أن تطويق النفوذ الإيراني في الإقليم لا يستقيم من غير لجمه في العراق والحيلولة بالتالي دون ترك هذا الأخير ليشكّل جسر العبور الإيراني إلى سورية.



أما في سورية، فإن واشنطن تبدو عازمة على مواجهة التحديات والتعقيدات الإضافية للحد من النفوذ الإيراني هناك. فالتواجد الروسي على الأرض والتنافر الحاد بين أنقرة والأكراد الذين يشكّلون رأس حربة القوات البرية لاقتحام الرقة بالنسبة للأميركيين، يشكّلان عوائق غير موجودة في الساحات الأخرى. ثم جاء اتفاق أستانة الأخير بين روسيا وإيران وتركيا ليزيد من الضغط على واشنطن وإصرارها على حسم معركة الرقة بأسرع ما يمكن وبما يحفظ لها حصة من الكعكة السورية تكون لها وظائف عدة، منها إرباك الدور الإيراني في سورية.

ويبدو ترامب عازماً، حسب خطاب إدارته، على نسج، أو بالأحرى إعادة صياغة، التحالف الذي وضعته إدارة أوباما في الثلاجة طوال ثماني سنوات. فمن الميل الضمني نحو إيران، عادت واشنطن إلى المعادلة السابقة في المنطقة. كما عادت إلى تحريك دورها على صعيد عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، والذي تمثّل بزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى واشنطن، ثم لقائه مع ترامب في رام الله بعد أسبوعين.
ويتوافق ذلك مع استراتيجية ترامب الجديدة لمكافحة الإرهاب، التي كشفت عنها وكالة "رويترز"، وتقوم على "تكثيف العمليات ضد الجماعات الجهادية"، مع خفض الكلفة الأميركية. وتطالب الاستراتيجية بأن يتحمل حلفاء الولايات المتحدة مزيداً من العبء في مكافحة "الإسلاميين المتشددين"، مع الإقرار بأن تهديد الإرهاب لن يتم القضاء عليه نهائياً. لكن ترامب وبدلاً من تقليص التزامات الولايات المتحدة، التزم بشكل كبير حتى الآن بتكثيف العمليات العسكرية ضد الجماعات المتشددة، ومنح وزارة الدفاع (البنتاغون) سلطة أكبر لضرب تلك الجماعات في مناطق مثل اليمن والصومال. وربما يتراجع ترامب قريباً عن عمليات الانسحاب التي أمر بها أوباما في أفغانستان. ويقول مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إن إدارة ترامب تدرس حالياً إرسال قوات إضافية يتراوح عديدها بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف جندي لتعزيز القوات الأميركية التي تساعد القوات الأفغانية. وأشار مسؤول كبير في الإدارة، وفق "رويترز"، إلى أن عدداً صغيراً من الجنود أضيف إلى القوات الأميركية في العراق وسورية في عهد ترامب، وأن ذلك جرى بناء على تقدير قادته العسكريين. وعلاوة على "داعش" أضافت الاستراتيجية أن الولايات المتحدة وحلفاءها عرضة لخطر تنظيم "القاعدة" بعد إعادة تشكيله، وجماعات أخرى مثل "شبكة حقاني" و"حزب الله" فضلاً عن متطرفين محليين نزعوا إلى التطرف عبر الإنترنت.
لكن ذلك لا يلغي التساؤلات حول إمكان الاعتماد على تحوّلات ترامب المعروف بسرعة التقلب في توجّهاته ومواقفه، وهو الذي كان قد قال في وقت سابق إن "السعودية لم تعاملنا بعدالة، لأننا نخسر كمّاً هائلاً من المال للدفاع عنها"، قبل أن يؤكد عند الإعلان عن زيارته إلى السعودية أنه سيبدأ من هناك "تأسيس قواعد جديدة للتعاون والدعم مع حلفائنا المسلمين لمواجهة التطرف والإرهاب والعنف". كذلك تُطرح تساؤلات حول إلى أي مدى يمكن أن يسير الرئيس الأميركي في احتواء الدور الإيراني في المنطقة، في ظل تعامله المزاجي، على الأقل حتى الآن، مع الشؤون الخارجية.