09 سبتمبر 2019
بين المتعب والممتع
نعلم جيداً أن الإبداع موهبة وتدرّب وتمرّن وممارسة، قبل أن يصير منتجاً قابلاً للاستهلاك من قبل الجماهير. كما أنّ الإبداع طقس يرافق المبدع في حياته، يتحمّل سطوته بلذة تحوله إلى مادة يدمن تعاطيها ليصير مصدر نشوته، متجاوزاً بذلك طلب الشهرة وذيوع الصيت. في المقابل، تجد من يقترف فعل الدخول إلى محراب الإبداع، دون أن يحوز الموهبة الحقيقية، معززاً بهواية حب الظهور، لنكون أمام شخص يريد أن يفرض نفسه على غيره بطريقة، أو بأخرى. وانطلاقاً مما سبق، تجد المبدع الأول يأتيه الإلهام، فيباشر الكتابة مدفوعاً إليها بحاجة روحية ونفسية لا مهرب منها، وبذلك يعيش لذة الفعل، وكأنه يلج إلى الأكل وقد جاع، أو الشرب وقد عطش. إبداعه طبيعي، تشعر وأنت تقرأ قصته أو روايته أو شعره، بأنك في عالم سحري جميل لا تشعر فيه بالتصنع والإكراه للكلمات والعبارات كي تقر بما تستطيع وما لا تستطيع. أما المبدع الثاني، فتجده متصنعاً، يجمع الكلام من هنا وهناك، ثم يعود إلى العبارة فيحذف منها ويزيد عليها. وقد يحذفها كي يبحث عن الأخرى، فتجده كالمسعور معذباً يبحث عما يجعله يخلص إلى كلام يعتقد بكماله وتمامه إبداعياً، ولو بالتصنع الذي لن يخفى على القارئ الخبير بأسرار وخبايا النصوص. الإبداع قدرة خاصة، موهبة، يمر بتدريبات قبل أن يصير بمثابة طبع عند صاحبه، وقبل أن يصير قدرة وميزة تجعلان صاحبه يأتي بالجديد انطلاقاً من خصوصية تعامله مع المعتاد ليأتي ذلك الجديد الفريد الجميل الممتع. الإبداع الطبيعي البعيد عن التصنّع المغرض، يمر بمراحل، وهي مرحلة الإعداد، حيث أنّ القائم على حلّ المشكلة يكتسب معرفة عن المجال، ثم يبدأ في جمع البيانات والبحث عن حلّ للمشكلة بطريقة قد تكون لا إرادية، تليها مرحلة الاختمار، إذ أنّ القائم على الحل يضع المشكلة جانباً، ويقوم بعمل شيء ما آخر، وكأنما اتخذ لنفسه فترة إجازة. وفى هذه المرحلة يتحرّر العقل من كثير من الشوائب والأفكار التي لا صلة لها بالمشكلة، وهي تتضمن هضماً عقلياً شعورياً أو لا شعورياً وامتصاصاً لكل المعلومات والخبرات المكتسبة الملائمة التي تتعلق بالمشكلة. وتلي هذه المرحلة مرحلة الإشراق، وهي الحل إذ يحدث فيها إشراق مفاجئ يشبه الفكرة الموجودة في أفلام الكرتون التي تظهر على شكل مصباح ينير فوق رأس الفرد. وتتضمن انبثاق شرارة الإبداع، أي اللحظة التي تولد فيها الفكرة الجديدة التي تؤدي بدورها إلى حل المشكلة. ولهذا تعتبر هذه المرحلة مرحلة العمل الدقيق والحاسم للعقل في عملية الإبداع، وبعدها تأتي لحظة الإلهام وتشرق الفكرة كاملة في ذهن المبدع، أما مرحلة التحقق ففيها يتم تصحيح الإشراق.
إنها مراحل ضرورية، يمر منها الإبداع الطبيعي، منساقاً يؤدي مهمته الإمتاعية والتثقيفية بلا تصنع ولا مكياجات تخفي ملامحه الأصلية، إن كانت له ملامح فعلاً.
إنها مراحل ضرورية، يمر منها الإبداع الطبيعي، منساقاً يؤدي مهمته الإمتاعية والتثقيفية بلا تصنع ولا مكياجات تخفي ملامحه الأصلية، إن كانت له ملامح فعلاً.
لحسن ملواني
كاتب مغربي. يعبّر عن نفسه بالقول "الإبداع حياة".
لحسن ملواني