بين الإلحاد والاستبداد

22 مايو 2015
انشغل الجمهور بالوشم رغم كلّ المشاكل الأخرى (الأناضول)
+ الخط -
تحوّلت صورة نشرت على نطاق واسع دون سبب، ودون ذكر تاريخها، أو تفسير أسباب ما جاء فيها؛ إلى أزمة حقيقية يتحدث فيها كثيرون ويعكف على تحليلها محلّلون، ويعيد ويزيد البعض في تأثيراتها وتداعيات انتشارها.

نتحدث عن صورة لمطربة الفلكلور المصرية دنيا مسعود، التي وشمت على ظهرها بوضوح كلمات "خصومة قلبي مع الله"، وهي الكلمات التي اتهمت بسببها بالإلحاد والفجور، في حين اعتبر البعض الأمر جزءاً من مخطط كبير مزعوم يحاك للإسلام من هؤلاء الذين يتهمون بأنهم أعداؤه، ولم ينس البعض وضع السياسة في القصة وتوليف قصص تليق بدور السلطة في الأزمة.

ولك أن تعرف أن ما وشمته مسعود على ظهرها شطر بيت شعر من قصيدة "مرثية اليمامة" لشاعر الرفض العربي الأشهر أمل دنقل، ولا بد أن تعرف أيضاً أن المطربة المعروفة لدى المهتمين بالفلكلور المصري، وشمت هذا النص على ظهرها قبل ثورة يناير 2011، وقت أن كانت غاضبة من وقائع قتل وانتهاك حول العالم.

كما لا بد أن تعرف أن نشر الوشم ليس جديداً، وإنما أعادت مسعود نشر صورة وشمها عبر "فيسبوك" في فبراير/ شباط الماضي، قبل نحو ثلاثة أشهر.

لكل ما سبق، يبدو تفجير الأمر، الثلاثاء الماضي، باعتباره أزمة ينشغل بها الناس مدبرا، وفرضية التدبير لا يمكن تجاهلها بالتأكيد، حيث إن كثيراً من الوقائع المشابهة سابقاً تدلل على إمكانية حدوثها، والمصريون نحتوا لتلك الفرضية مصطلحاً معبراً هو "بص العصفورة"، كناية عن محاولات الإلهاء المدبرة التي تعرضوا للآلاف منها على مدار تاريخهم، وهي للأسف لا زالت محاولات ناجعة ضمن نظرية "الكذب أفيون الحكام" في التعامل مع الشعوب التي تقبل ما يقوله الحاكم دون جدال.

وللأسف فإن كثيرين ممن شنوا الهجوم لم يبحثوا عن النص قبل إطلاق اتهاماتهم وقذف صواريخ ألسنتهم، فالواقعة باتت ملء السمع والبصر، واستحالت مادة لتبادل الاتهامات وردود الأفعال دون سبب واضح، ودون أن يعرف أحد المسؤول عن إطلاقها كقنبلة دخان في وطن يعجُّ بمشكلات أكثر أهمية، ويسبح حكامه يوميا في دماء ضحايا من تيارات عدة.

يبقى أن إعادة فتح ملف انتشار الإلحاد في العالم العربي، والإسلامي، أمر هام، فكثير من شباب المسلمين خرجوا على التديّن المألوف بسبب قسوة الظروف، بسبب فقر وقمع وبطالة وانعدام مساواة الفرص، بسبب غياب الحرية والديمقراطية والعدالة.

غالبية المسلمين لا تريد أن يصبح الإلحاد مشروعا، لكن ليس مقبولاً تجريم ومطاردة الملحدين، بل الأهم دراسة أسباب هذا النوع من التحول المجتمعي الحاد، والبدء بوقف استبداد وفساد وتسلط الحكام.

إقرأ أيضاً: منطق المستبد
المساهمون