بين إدارة ترامب وشركاته: فساد في رداء رسمي

09 سبتمبر 2019
ترامب أثناء زيارته تورنبيري العام الماضي (ليون نيل/Getty)
+ الخط -

أصبحت الإدارة الأميركية في خدمة شركات واستثمارات الرئيس دونالد ترامب الذي يسوّق لها في أسفاره وتصريحاته، لتكاد تكون بوابة العبور للوصول إلى البيت الأبيض. هذه الاستفادة غير العادلة لشركات الرئيس الأميركي تثير مرة أخرى تساؤلات إذا كان ترامب يفرّق في حساباته السياسية والمالية بين إدارته وشركاته. من جهته، فتح مجلس النواب ذات الأغلبية الديمقراطية هذه المعركة، في ظل تساؤلات عن تضارب محتمل في المصالح بين ترامب الرئيس وترامب تاجر العقارات. وهناك مؤشرات عدة استوجبت فتح تحقيق تشريعي، حتى لو أن هذه المسألة أصبحت ضمن الجدال الدائر بين الديمقراطيين والجمهوريين. فقد فتحت لجنة الإشراف والإصلاح في مجلس النواب تحقيقاً في قضية منتجع الغولف تورنبيري الذي يملكه ترامب ويبعد نحو 37 كيلومتراً عن مطار بريستويك في اسكتلندا. فخلال رحلة روتينية من الولايات المتحدة إلى الكويت في شهر إبريل/نيسان الماضي، توقفت طائرة نقل معدات عسكرية "سي 17" التابعة لـ"الحرس الوطني الجوي" ذهاباً وإياباً في منتجع ترامب في اسكتلندا. هذه الطائرة تتوقف عادة في ألمانيا أو إسبانيا لإعادة التزوّد بالوقود، قبل استكمال طريقها إلى الشرق الأوسط. في عهد ترامب توقفت في غلاسكو، علماً أن لا قاعدة عسكرية أميركية هناك.

في السياق، وجّه مجلس النواب، في شهر يونيو/حزيران الماضي، رسالة إلى وزارة الدفاع (البنتاغون) متعلقة بالنفقات العسكرية التي وصلت إلى 11 مليون دولار، خلال عبور الطائرات الأميركية في مطار بريستويك منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول 2017، لكن البنتاغون لم يردّ بعد. بدورها، ذكرت القوات الجوية الأميركية في بيان أنها تحقق في هذه النفقات، لكنها لفتت إلى أنه ليس هناك أمر غير عادي خارج توجيهات البنتاغون فيما يتعلق بالنفقات العسكرية. مع العلم أن المطار ومنتجع الغولف يمران بضائقة مالية، وهناك تساؤلات حول ما إذا كان توقف الطائرة العسكرية محاولة لتعويم استثمارات ترامب الخارجية، لا سيما مع تحول عجز 4.5 ملايين دولار لمنتجع تورنبيري عام 2017 إلى إيرادات وصلت إلى 3 ملايين دولار عام 2018. كما تُجدر الإشارة إلى أن الحكومة الاسكتلندية عرضت المطار للبيع منذ الصيف الماضي ولم تحصل أي صفقة لبيعه حتى الآن، كما تعرّضت الحكومة نفسها لانتقادات كثيرة العام الماضي بعد تقارير عن منحها خصما ضريبيا لمنتجع ترامب، ما اضطرها إلى التراجع عن الخصم.


كما تبرز مسألة أخرى، متعلقة بقرار نائب الرئيس مايك بنس بالبقاء في منتجع يملكه ترامب في دونبينغ خلال زيارته إلى إيرلندا مطلع الشهر الحالي، ويبعد المنتجع نحو 290 كيلومتراً عن العاصمة دبلن، فاضطر بنس إلى الاستعانة بالطائرات العمودية يومياً لمتابعة لقاءاته في دبلن. كما أصبحت إقامة المسؤولين الأجانب في فندق "ترامب تاور" في واشنطن بوابة عبور رئيسية للتأثير على الرئيس، الذي يسكن على بعد أمتار قليلة في البيت الأبيض. وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد كان هناك مرور لـ 110 مسؤولين أجانب على ممتلكات ترامب منذ عام 2017. كما ينظر ترامب أيضاً في احتمال استضافة قمة مجموعة السبع العام المقبل في منتجع دورال الذي يملكه في ولاية فلوريدا. وبحسب سجلات الانتخابات الفيدرالية فقد تجاوز الإنفاق في ممتلكات ترامب مبلغ 5.6 ملايين دولار من قبل مرشحين سياسيين أو منظمات تحاول التأثير على الرئيس.

الفارق الأساسي بين ملف تورنبيري وكل القضايا الأخرى، هو دخول أو إدخال الجيش الأميركي في مثل هذه الأمور خدمة لمصالح الرئيس، لا سيما أن البنتاغون حريص تقليدياً على التقشف في نفقات السفر. وهذه السابقة لتوريط العسكر في قضايا تناقض المعايير الأخلاقية تتكرر في إدارة ترامب، وآخرها كان إبلاغ وزير الدفاع مارك إسبر الكونغرس بأنه سيستخدم 3.6 مليارات دولار من مشاريع البناء العسكرية، لبناء جدار مثير للجدل بطول حوالي 280 كيلومتراً من الحدود مع المكسيك. ويستند البنتاغون في قراره إلى حالة الطوارئ التي أعلنها ترامب في شهر فبراير/شباط الماضي على هذه الحدود، لكن هناك دعاوى قانونية مستمرة حول مدى شرعية حالة الطوارئ بالذات. وقد أنفق البنتاغون حتى الآن حوالي 6.1 مليارات دولار على هذا الجدار بطريقة تتجاوز أو تلتف حول الضوابط التشريعية التي وضعها الكونغرس.

قضية تورنبيري ستكون واحدة من التحديات الداخلية التي ستواجهها إدارة ترامب خلال المرحلة المقبلة. وتجدر الإشارة إلى أن الدستور الأميركي يحظر على الرئيس تلقّي أي تعويض من الحكومة الفيدرالية سوى راتبه، ومن هنا تراهن لجنة مجلس النواب على القول إن ترامب استفاد مالياً من هذه الشركات بطريقة تتعارض مع الدستور. وكان ترامب قد رفض منذ انتخابه التنازل كلياً عن مصالحه التجارية، بل قرر وضع شركاته في صندوق ائتماني يمكن للرئيس أن يسحب المال منه في أي وقت يريد. كما يحلو لترامب إعطاء صورة بأنه يخسر أكثر مما يكسب في رئاسته، مردداً أن هذه الخسائر تتراوح بين 3 و5 مليارات دولار، وهي بطبيعة الحال أرقام مضخّمة، لأن كل ثروة ترامب تبلغ 3.1 مليارات دولار، بحسب مجلة "فوربس".

المساهمون