بيت أبو نضال

25 اغسطس 2014
تنام بعيون مفتوحة مثل السمك (بوروت فورلان/Getty)
+ الخط -

راقني أن أرى الصحافي الدنماركي توم هنسن محبَطاً. هنسن يعلق على الرفاهية الزائدة عن الحدّ، فيقول: لم يعد لدينا شيء نناضل من أجله.
الحاصل في حيّ راقٍ من أحياء كوبنهاغن، أن ثم أولاداً يفضّلون النوم على المدرسة أو يصلونها، لكنّ متأخرين. زيادة في ترفيه المواطن أخذت البلدية على عاتقها أن يذهب موظفون منها إلى الأولاد النائمين، ويوقظوهم إذا ما تأخروا عن باص المدرسة. موظفون تختارهم البلدية بعناية. لا يجوز أن يكون صوت الموظف غليظاً ولا أن تكون تقاسيم وجهه قاسية، وإلا فِإن مشكلة الولد المدلّع قد تصبح اثنتين: التأخر عن المدرسة، والتبوّل في الفراش من الرعب.

لكنّ الحقيقة أن توم ينسن المحبط معه حق: لم يعد لديه شيء يناضل من أجله. فتعال يا هنسن أعلّمك النضال. نحن في الرصيفة في الجبل الشمالي شارع البتراء، منزل رقم 16، قبل مدرسة مصعب بن عمير بمائة متر، يوجد لدينا كرّاسة حفظناها عن ظهر قلب ابن قلب. نستيقظ في بيتنا مع العصافير، عصافير لا تعشش في البيت، بل تزقزق بعض الوقت ثم تفر إلى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم. لدينا ما نناضل من أجله منذ طلوع الشمس. تكون نائماً على الفرشة، ومن غامضِ علمِ الله تأتي الستّ الوالدة وبيديها الكريمتين الطيبتين تنعفك نعفاً: "قوم قامت قيامتك" فيصبح اللحاف فجأة تحتك والفرشة والمخدّة فوقك، ويكون صوت الوالدة مثل سرب ديوك رومية غاضبة.
وأنت بسبب هول المفاجأة تجد نفسك واقفاً مثل زنبرك، مع أن الأطباء ينصحون بألا تنهض بسرعة من فراشك حتى لا تصاب بالجلطة. هؤلاء أطباء مخصصون للناس المايصة غير المدربة على الوقوف المباغت. خلال ثانيتين تستوعب الظرف الصباحي، وتنطلق إلى سطل الزبالة لتكبّه في الشارع، ثم تشتري فولاً وفلافل، أو تشتري فولاً وفلافل ثم تكبّ الزبالة، أيهما أسبق. بعد ذلك تتذكر أن تغسل وجهك وتلمّ الكتب ودفاتر غوث اللاجئين الفلسطينيين وتنطلق إلى المدرسة مثل السهم. هناك في المدرسة تحاول النوم بعينين مفتوحتين مثل السمك. غير أن مربّي الصف الفاضل يريد مصلحتك، فيسلخك بالمسطرة على رأسك ويقول لك: "قوم قامت قيامتك".
القيامة يا هنسن كانت عندنا تقوم مرّتين في النهار الواحد، وأنا أعلم أن عينك ضيّقة وبتِحْسد.

 

دلالات
المساهمون