15 نوفمبر 2024
بلادنا والخواجات
يعيش في مدينة الأقصر المصرية أوروبيون كثيرون. أزواج متقاعدون، في نهاية الستينات وما فوق، ومن مختلف الجنسيات. يستأجرون شققا، ويعيشون معظم العام في الأقصر، ويعودون في الأشهر شديدة الحرارة إلى أوروبا، للتمتع بالطقس المعتدل. منهم، كما سمعت، من اشترى أرضا، وبنى عليها بيتا خاصا به. تنتشر الظاهرة في المدن السياحية المصرية، كشرم الشيخ والغردقة، وغالبا في معظم المدن السياحية العربية، حيث يعيش أوروبيون متقاعدون في مدن المغرب العربي. وأعرف شعراء فرنسيين اشتروا بيوتا في المغرب وتونس واستقروا فيها.
لا تبدو الظاهرة مستغربة، فبلادنا تتمتع بمناخ دافئ، وبطقس واضح. نادرا ما تختفي الشمس. وفي الليل، يمكن دائما رؤية صفاء السماء بقمرها ونجومها ومجرّاتها، حتى في أيام الشتاء، يبتعد اللون الرمادي الذي يميّز غالبية أيام أوروبا عن بلادنا، ويبتعد عنها أيضا البرد الأبيض الذي يطغى على كل الألوان. إضافة إلى أن ثمة متعةً في العيش في مدن لها هذا العمق بالغ القدم، والتي تمتلئ بالآثار، كالأقصر التي يشعر زائرها أنه يعيش في مدينة فرعونية حتى اللحظة، فعدا عن النيل، وأنه تحت كل حجر أثرٌ مدفونٌ يتم اكتشافه، أخذت المدينة من ألوان المقابر والمعابد الفرعونية ألوانها. يلوّن السكان بيوتهم الحديثة بالأزرق والزهر الفاتح، ويبنونها بحجارةٍ ترابية، وهي الألوان التي استخدمها الفراعنة في تسجيل تاريخهم وأحداثهم المصوّرة! حتى أشكال البشر في الأقصر تُشعرك بأنهم وحدهم الذين ينتمون إلى الفراعنة، بأجسادهم السمراء والممشوقة، ليست بالغة الطول، لكنه الطول الذي يميّز أهل هذه المدينة، ويشبه، إلى حد كبير، طول ملوك الفراعنة وملكاتهم، وقوامهم المصوّر على جدران المدافن والمعابد في كل مكان هنا.
ثمّة ما يجذب الأوروبيين إذا للعيش في هذه المدينة، حيث تشدّهم أيضا كلفة الحياة البسيطة، فالراتب التقاعدي لأي أوروبي يمكّنه من العيش بدون أي خوفٍ من ضغط مادي في مدينة كالأقصر. وهي مدينة سياحية للسائح، فيما هي زهيدة لمن يعيش فيها. لا إغراءات استهلاكية فيها، لا يوجد فيها مولات كبيرة، ولا أماكن للسهر الصاخب. يعيش غالبية أهلها على السياحة، وعلى تأمين عيش البعثات الأثرية الأوروبية الموجودة بشكل دائم. تصلح المدينة، إذا، لأن يعيش فيها متقاعد أوروبي، يحلم ببلاد الدفء والشمس الدائمة مع حضارة عمرها آلاف السنين، وباقية كما لو أنها كانت في الأمس القريب.
يتحدث الجميع عن ظاهرة زواج الأوروبيات المسنات بشبان صغار من أهل الأقصر، حيث يمكن للزائر أن يرى سيدة منهن تجاوزت الستين ترافق شابا أسمر في ثلاثينياته، ليكتشف بعد قليل أنها زوجته، وتعيش معه في المدينة. سيقول من يسمع قصص هؤلاء النساء إن هؤلاء الشبان يستغلونهن ماديا، وأنهم يرتبطون بهن بغرض تأمين مصدر دخل دائم، أو تأمين تأشيرة إلى البلاد الأوروبية. ينظر بعضهم إلى الأوروبيات المتزوجات بهؤلاء الشبان نظرة الشفقة، حيث يعتقدون أن الشبان العرب يغرّرون بهن، ويأخذون أموالهن. ولكن بحسبةٍ بشرية، ولنقل مادية، هي صفقةٌ يستفيد منها الطرفان، هي تعيش مع شاب في بلاد الشمس والآثار من أهل هذه البلاد، يتكلم لغة البلد ويساعدها في تدبير شؤون حياتها، وهو يعيش مع امرأة أوروبية، يمكن أن تعلّمه لغة أجنبية، وأن تساعده على تأمين مستقبله وحياته.. حسبة رياضية بحتة، ومعادلة بشرية لا يمكن الاعتراض عليها، طالما الطرفان مقتنعان بما يفعلان، وإن ثمّة حسبة أكثر إنسانيةً، يمكن أن تؤخذ بالاعتبار أيضا:
تختلط المشاعر الإنسانية ببعضها، العواطف مع الرغبات مع الاحتياجات مع الأحلام. يضيّع هذا الاختلاط المعايير الاجتماعية الوضعية، أو لنقل إنه ينتج معايير أكثر رأفةً ورحمة وأريحية، فالمعايير الاجتماعية الوضعية صارمة غالبا، أو هي دائما صارمة. والإنسان يميل، بطبيعته، إلى الانفلات والحرية في سلوكه.
للأمر وجه آخر، هو السلطة. السلطة التي تملكها المرأة الأوروبية في بلادنا، لكونها بيضاء تملك عملة خضراء، (خواجية في اللهجة المصرية الدارجة). تتيح لها هذه السلطة الخروج عن المعايير الاجتماعية الخاصة بالمجتمع العربي، وطبعا هذا الخروج متاح للشاب بصفته الجندرية! هل يمكن لسيدةٍ عربية تجاوزت الستين أن تعيش مع شاب صغير من الأقصر، بوصفها زوجته، من دون مضايقات من كل الأنواع؟ لا أظن.
لا تبدو الظاهرة مستغربة، فبلادنا تتمتع بمناخ دافئ، وبطقس واضح. نادرا ما تختفي الشمس. وفي الليل، يمكن دائما رؤية صفاء السماء بقمرها ونجومها ومجرّاتها، حتى في أيام الشتاء، يبتعد اللون الرمادي الذي يميّز غالبية أيام أوروبا عن بلادنا، ويبتعد عنها أيضا البرد الأبيض الذي يطغى على كل الألوان. إضافة إلى أن ثمة متعةً في العيش في مدن لها هذا العمق بالغ القدم، والتي تمتلئ بالآثار، كالأقصر التي يشعر زائرها أنه يعيش في مدينة فرعونية حتى اللحظة، فعدا عن النيل، وأنه تحت كل حجر أثرٌ مدفونٌ يتم اكتشافه، أخذت المدينة من ألوان المقابر والمعابد الفرعونية ألوانها. يلوّن السكان بيوتهم الحديثة بالأزرق والزهر الفاتح، ويبنونها بحجارةٍ ترابية، وهي الألوان التي استخدمها الفراعنة في تسجيل تاريخهم وأحداثهم المصوّرة! حتى أشكال البشر في الأقصر تُشعرك بأنهم وحدهم الذين ينتمون إلى الفراعنة، بأجسادهم السمراء والممشوقة، ليست بالغة الطول، لكنه الطول الذي يميّز أهل هذه المدينة، ويشبه، إلى حد كبير، طول ملوك الفراعنة وملكاتهم، وقوامهم المصوّر على جدران المدافن والمعابد في كل مكان هنا.
ثمّة ما يجذب الأوروبيين إذا للعيش في هذه المدينة، حيث تشدّهم أيضا كلفة الحياة البسيطة، فالراتب التقاعدي لأي أوروبي يمكّنه من العيش بدون أي خوفٍ من ضغط مادي في مدينة كالأقصر. وهي مدينة سياحية للسائح، فيما هي زهيدة لمن يعيش فيها. لا إغراءات استهلاكية فيها، لا يوجد فيها مولات كبيرة، ولا أماكن للسهر الصاخب. يعيش غالبية أهلها على السياحة، وعلى تأمين عيش البعثات الأثرية الأوروبية الموجودة بشكل دائم. تصلح المدينة، إذا، لأن يعيش فيها متقاعد أوروبي، يحلم ببلاد الدفء والشمس الدائمة مع حضارة عمرها آلاف السنين، وباقية كما لو أنها كانت في الأمس القريب.
يتحدث الجميع عن ظاهرة زواج الأوروبيات المسنات بشبان صغار من أهل الأقصر، حيث يمكن للزائر أن يرى سيدة منهن تجاوزت الستين ترافق شابا أسمر في ثلاثينياته، ليكتشف بعد قليل أنها زوجته، وتعيش معه في المدينة. سيقول من يسمع قصص هؤلاء النساء إن هؤلاء الشبان يستغلونهن ماديا، وأنهم يرتبطون بهن بغرض تأمين مصدر دخل دائم، أو تأمين تأشيرة إلى البلاد الأوروبية. ينظر بعضهم إلى الأوروبيات المتزوجات بهؤلاء الشبان نظرة الشفقة، حيث يعتقدون أن الشبان العرب يغرّرون بهن، ويأخذون أموالهن. ولكن بحسبةٍ بشرية، ولنقل مادية، هي صفقةٌ يستفيد منها الطرفان، هي تعيش مع شاب في بلاد الشمس والآثار من أهل هذه البلاد، يتكلم لغة البلد ويساعدها في تدبير شؤون حياتها، وهو يعيش مع امرأة أوروبية، يمكن أن تعلّمه لغة أجنبية، وأن تساعده على تأمين مستقبله وحياته.. حسبة رياضية بحتة، ومعادلة بشرية لا يمكن الاعتراض عليها، طالما الطرفان مقتنعان بما يفعلان، وإن ثمّة حسبة أكثر إنسانيةً، يمكن أن تؤخذ بالاعتبار أيضا:
تختلط المشاعر الإنسانية ببعضها، العواطف مع الرغبات مع الاحتياجات مع الأحلام. يضيّع هذا الاختلاط المعايير الاجتماعية الوضعية، أو لنقل إنه ينتج معايير أكثر رأفةً ورحمة وأريحية، فالمعايير الاجتماعية الوضعية صارمة غالبا، أو هي دائما صارمة. والإنسان يميل، بطبيعته، إلى الانفلات والحرية في سلوكه.
للأمر وجه آخر، هو السلطة. السلطة التي تملكها المرأة الأوروبية في بلادنا، لكونها بيضاء تملك عملة خضراء، (خواجية في اللهجة المصرية الدارجة). تتيح لها هذه السلطة الخروج عن المعايير الاجتماعية الخاصة بالمجتمع العربي، وطبعا هذا الخروج متاح للشاب بصفته الجندرية! هل يمكن لسيدةٍ عربية تجاوزت الستين أن تعيش مع شاب صغير من الأقصر، بوصفها زوجته، من دون مضايقات من كل الأنواع؟ لا أظن.