بقايا عالم اختفى

04 نوفمبر 2014
+ الخط -
حسنًا فعل المغربي مزوار الإدريسي حين أقدم مؤخرًا على ترجمة مجموعة "لكي نعيش هنا" للكاتب الإسباني خوان غويتسولو (منشورات سليكي أخوين، طنجة).

صاحب "خوان بلا أرض" مشهورٌ على نطاقٍ واسعٍ بوصفه روائيًا وصحافيًا وناقدًا ومفكّرًا ورحالة، وكذا باعتباره مدافعًا ملتزمًا عن قضايا المستضعفين شعوبًا وأفرادًا، لكنّه غير معروف إلاّ لدى المتخصصين بكونِه استهلّ حياته الإبداعية كاتبًا للقصّة القصيرة.

تشمل الأضمومة ثماني قصص متفاوتة من حيث مساحتها وحبكاتها، غير أنها جميعًا مشوّقة بتنوع فضاءاتها وأحداثها، ممتعة بغنى تجاربها وثراء لغتها، وتعدّد أساليبها وتقنياتها، حيث الرؤية النقديّة غير المهادنة، والحوار الجريء مع الجسد والجغرافيا، والاحتجاج الذي لا يُغفل شرطَه الجمالي على مثالبِ السلطة والبؤس والكبت، فضلًا عن اهتمامٍ لافتٍ للمهمّش والمنبوذِ والمقصي في إسبانيا الخمسينيات والستينيات من القرن الفائت.

كان غويتسولو على الدوام "منشقًّا" وكاتبًا إشكاليًا، يسيرًا ومستعصيًا في الآن ذاته، يجوس الموضوعات الساخنة، التي تقفُ وقائعها على مفترق طرقات مدوّخة لا يسهل على غيره خوض غمارها.

وبلا ريب ، لقد كان هذا الاختيار سببًا رئيسًا لمنع رقابة فرانكو هذه المجموعة إبّان صدورها، ما دفع المؤلّف إلى نشرها لدى دار نشر في العاصمة الأرجنتينية.

وضع غويتسولو تصديرًا مسهبًا، أشبه بتقييم فنّي لنصوصِها، على ضوء الزمن والذاكرة ونضوج التجربة وصدى السيرة الذاتية. قصصُ "الوجه والقفا" و"ضواح" و"الخريف، في الميناء، و"بينما يهطل الرّذاذ" و"الأصدقاء" قصيرةُ النفس وبسيطة البنية، ذات ميسمٍ واقعي صِرف.

تستحضر مشاهدات الكاتب اليوميّة، والبدايات الأولى لاندلاع شرارة وعيه اليساري. ونجد كثيرًا من تفاصيلها كشظايا وأطياف عائدة إلى سيرته الذاتية.

نتعرّف ها هنا إلى منصةِ انطلاق الموهبة الفذّة للأديب الإسباني الكبير الذي فتح آفاقًا جديدةً في الكتابة الروائية العالمية، وصرح ذات حوار بأنه يحاول أن يكون على الدوام "غائبًا" لأنّ ما يشغل باله هو "الأدب لا الحياة الأدبية".


المساهمون