بفضلكم تنام إسرائيل آمنة
"حبل المودة اتوصل وبقينا سمن وعسل"، هذا ليس مطلع خطاب للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بل مطلع أغنيةٍ لفرقة إسكندريلا المصرية، اسمها "بالعبري الفصيح". لكن، يبدو أن السلطة الفلسطينية استدخلت هذه الكلمات، ليس طرباً، بل شعاراً للمرحلة. وهي، أي السلطة، تمثل الجهاز الناتج عن اتفاقيات أوسلو التي ألغت وجود منظمة التحرير الفلسطينية، وفعلها وتأثيرها، بما كانت تمثل من حركة تحرير وطني، للأرض والإنسان.
أثيرت أخيراً موجات انتقادية عديدة، عبر أثير الشبكة العنكبوتية، وعبر شوارع الضفة الغربية، ضد السلطة الفلسطينية، ورأس الهرم فيها، محمود عباس، وسياساته في التعاطي مع طوارئ الأمور، ومع الكيان العبري ككل. ولا تحمل حادثة خطف المستوطنين الثلاثة التي لا نعلم الجهة التي تقف خلفها، ولا علم لنا بما سيحمل المستقبل من كشف لحيثيات هذه القضية، جديداً في مواقف السلطة الفلسطينية، وهي التي أبدعت في التنسيق الأمني على مراحل عدة، سواء في انتفاضة النفق 1996، أو انتفاضة الأقصى، ثم بعد تدخل الأميركيين في تدريب الأجهزة الأمنية، وحادثة اختطاف قادة المقاومة من سجن أريحا في 2004 بتسهيلات وتعاون من الأجهزة الأمنية الموكل لها حمياتهم، وصولاً إلى يومنا هذا.
لكن، على افتراض أن المقاومة الفلسطينية، أو إحدى المنظمات المقاومة، أو المجاهدة في فلسطين، هي التي قامت بعملية الاختطاف الأخيرة، فإن هذا لا يشكل إلا مصدر سعادة، أو من دون مبالغة، يمكن القول إنه لا يشكل أي إزعاج للفلسطينيين، فأكثر من خمسة آلاف فلسطيني تختطفهم آلة الدمار والحرب الصهيونية، هم مغيبون في سجون دولة الكيان، أغلبهم في أحكام تطول مدتها، أو لأسباب اعتباطية انتقامية، بذريعة التقارير السرية للمخابرات الصهيونية والاعتقال الإداري، وما إلى ذلك.
هل يَقلَق الفلسطينيون، أو تثار حفيظتهم، إذا اختفى أو قُتل، أي من جنود جيش الاحتلال؟ هذا السؤال نفسه يجب توجيهه إلى القيادة الفلسطينية التي سارعت إلى النفي والشجب والاستنكار، في محاولة منها إثبات حسن النوايا، وهذا بتكثيف التنسيق الأمني مع الصهاينة، من أجل استيضاح الحقائق عن موضوع خطف فتية جيش الاحتلال. فلماذا فزعت السلطة الفلسطينية من عملية الخطف؟ وما الذي يهددها في ذلك، أو يزعجها؟ يبقى هذا السؤال برسم الشارع الفلسطيني، إذ من شأن إجابته تقديم إيضاحات أكثر عن مجريات المواقف القيادية.
هذه ليست أول المرات، ولا يبدو أنها آخرها، فيما يتعلق بموضوع التنسيق الأمني، وهذا بسبب أن الفلسطينيين، بكل تأكيد، لن يتوقفوا عن مناصبة العداء لإسرائيل، ما دامت موجودة، ولن يتوقفوا عن الحلم بوطنٍ يحملهم، ويحملوه بحرية وكرامة، على الرغم من إرادة الدول الاستعمارية المتنفذة، وعلى الرغم من إرادة الكيان الصهيوني، وهذا ما أثبته الشعب الفلسطيني في ستة عقود من مجابهة هذا الاستعمار الاستيطاني. لكن، هل سيكون للسلطة الموقف نفسه في كل مرة يقوم الفلسطينيون بمبادرةٍ نحو تنشيط المقاومة، وإعادة الروح إليها، كم من الوقت سيحتمل الفلسطينيون مواقف مشابهة من محمود عباس؟!
لم تكن هذه المرة الأولى التي خرج فيها عباس على الشعب العربي والفلسطيني في الإعلام، صريحاً مصرحاً بقداسة التنسيق الأمني عنده، ولا بنواياه الحسنة اتجاه إسرائيل. لكن، الشعب الفلسطيني يعرف طريقه، وهو واعٍ بما يضره وما ينفعه، بدليل كثافة الحضور الفلسطيني في شوارع الضفة الغربية في مواجهة حملة الدهم والاعتقال والتنكيل لكل ما تقع عين جيش الاحتلال عليه في الضفة الغربية، بالإضافة إلى مناورات قصف قطاع غزة، إلا أننا نرى الفلسطينيين يخرجون إلى الشوارع، يواجهون محتلهم بالحجارة، وبعد انسحاب المحتل تحت زخات حجارتهم، ورشقات بعض رصاصات منهم على هذا الحاجز العسكري، أو تلك المستوطنة، فإنهم لا ينسون موقف السلطة ورئيسها، الداعي الى التنسيق الأمني مع إسرائيل. رأينا الشباب الفلسطيني يتوجهون إلى مقرات الأجهزة الأمنية الفلسطينية، واضحة الممارسة لتعليمات التنسيق الأمني بحذافيرها، متظاهرين ومحطمين سيارات الأمن، ومتوعدين من يمارسون شبهة التنسيق الأمني، وهذا مبعث أمل أن يكون قادم الأيام أجمل.
وما حصل في المسجد الأقصى يشكل دليلاً على أن ما هو قادم خطير على مصير المنسقين أمنياً، فقد حاصر المصلون وزير الأوقاف ومفتي السلطة الفلسطينية، الذي كان من قادة حماس، ثم انتقل إلى صف محمود عباس، الوزير محمود هباش، حاصروه في إحدى زوايا المسجد، ورموا عليه أحذية وحجارة، مع كيل سبابٍ وشتائم له، حتى تم تخليصه على يد قوات التدخل السريع الإسرائيلية، التي لا تفارق ساحات المسجد الأقصى، والعبرة لمن اعتبر.