بعيداً عن وسط بيروت

13 أكتوبر 2015
نموذج عن مناطق أخرى في لبنان (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
الخميس الماضي، الواحدة ظهراً، كان موعداً ماطراً في بيروت وضواحيها. على دراجتي النارية كنت في منطقة خلدة الساحلية وبدأت الأمطار وحبّات البرد. لم أكمل طريقي على الخط السريع والتففت إلى ناحية الشويفات. ومع هدوء الأمطار وازدحام السير المتزايد، كان الطريق المؤدي من هناك إلى حائط المطار الشرقي بمثابة المنجى من استكمال الطريق إلى الحدث فبيروت.

في منتصف الطريق أشغال استفاقت همّة البلدية عليها مع بداية الأمطار والمدارس. التفاف مجدداً إلى منطقة "الأجنحة الخمسة" بالقرب من معمل النفايات. نهر الغدير هناك الذي تتلون مياهه بألوان غريبة بعيدة عن شفافية الماء، لم يفض بعد، لكنّ الشوارع الضيقة فاضت بدورها، فلم تعد تظهر الحفر فيها. ولا بدّ من وقوع الإطار ومعه الدراجة أكثر من مرة.

السير في اتجاه حيّ السلّم في جنوب الضاحية الجنوبية لبيروت. كئيب المشهد بشوارعه وناسه وفوضاه، ولو أنّه الطريق الرئيسي المؤدي إلى ساحة المنطقة أو ما يطلق عليه اسم "الموقف الجديد".

مجدداً أشغال وحفر للطريق في منتصف الشارع، قبل الوصول إلى سوق الخضار. هذه المرة لا تتولاه جهة رسمية بل مواطنون قرروا أنّهم الجهة الرسمية الأعلى في الشارع.. قرروا أنّهم رؤساء جمهورية الشارع في هامش وطن لم ينتخب منذ سنة ونصف رئيس جمهورية جديداً. هنا لا يشعر الناس بالفراغ، بل يبادرون بأنفسهم إلى تولي الأعمال مع ما في ذلك من زيادة للفوضى.

التففت مجدداً، هذه المرة في زواريب لم أعرفها أبداً، وأنا الذي أعرف الضاحية الجنوبية وحيّ السلّم جيداً. طرقات ضيقة جداً لا تتسع لمشاة إلى جانب سيارات النقل الكبيرة والصغيرة، خصوصاً تلك التي توصل الأطفال المحظوظين من مدارسهم.

ينزلون إلى الشارع فتنال أحذيتهم نصيبها من الوحل قبل أن يصلوا إلى بيوتهم. عمركم رأيتم مداخل منازل تسدها حجارة بارتفاع نصف متر؟ المنازل الأرضية هناك كذلك، فالخوف من الفيضان، المتكرر عاماً بعد عام يحمل أوساخاً وأمراضاً، واقع.

المنازل تختلط بالمحال التجارية الصغيرة والبسطات بمختلف بضائعها. المولدات الكهربائية تملأ المكان بالدخان. والنفايات في كلّ زاوية. وكلّ الأصوات والروائح تختلط لتشكل مزيجاً يصعب احتماله، ومع ذلك، يعتاد عليه الناس.

هذه المنطقة، البعيدة عن وسط بيروت الراقي والراضي بالفساد القائم، نموذج عن مناطق أخرى في لبنان تتعدد هوياتها الطائفية وانتماءاتها الحزبية ويعيش أهلها في فوضى من كلّ النواحي. فوضى لا يغيب عنها الفقر المدقع في كثير من الأحيان.

هذه المنطقة وغيرها، مما يضمّ معظم سكان لبنان، لا تطالب، كذلك، بمحاربة الفساد. هل من غرابة في هذا؟

إقرأ أيضاً: حقوق لبنانية فاسدة
دلالات
المساهمون