بطاقة حمراء للأداء الاستخباري الفرنسي: قصور وفشل وتضارب أجهزة

06 يوليو 2016
فينيش خلال تفقده ساحة اعتداء 13 نوفمبر(آلان جوكار/فرانس برس)
+ الخط -
أثار التقرير الذي أنجزته لجنة عمل برلمانية برئاسة النائب جورج فينيش حول الأداء الأمني الفرنسي في مواجهة التهديدات الإرهابية بعد اعتداءات 13 نوفمبر/ تشرين الثاني، التي ضربت فرنسا، العديد من التساؤلات حول القصور الكبير الذي يشوب عمل أجهزة الاستخبارات. وأوصى التقرير بإعادة النظر بشكل جذري في أداء الاستخبارات الفرنسية على شاكلة النموذج الأميركي بعد اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، ذلك لأنها ما تزال تعيش على استراتيجية أمنية تعود جذورها إلى فترة الثمانينيات من القرن الماضي، ولم تُكيّف عملها مع المتغيّرات النوعية الهائلة التي أحدثتها التنظيمات المتطرفة في خريطة التهديدات الإرهابية وطبيعتها.

فقد خلص التقرير إلى اعتبار أن "الاستخبارات الفرنسية بأجهزتها المختلفة، عجزت عن أداء مهمتها في مكافحة الإرهاب وتفادي الاعتداءات وصدّها في الوقت المناسب، على الرغم من أنها كانت في حالة استنفار قصوى منذ يناير/ كانون الثاني 2015، بعد الاعتداء المسلّح على طاقم مجلة شارلي إيبدو، وعلى المتجر اليهودي في باريس".

وكشف التقرير أن "العجز الاستخباراتي بدا صارخاً بالنظر إلى أن الفرنسيين المساهمين في هذه الاعتداءات، كانوا جمعيهم معروفين لدى أجهزة الاستخبارات والقضاء ومصلحة السجون. وكانوا مصنفين في خانة (سين) التي تضع فيها أجهزة الاستخبارات الأشخاص المشتبه في تعاطفهم مع التنظيمات الإرهابية المتطرفة واحتمال تخطيطهم لاعتداءات. كما أن هؤلاء سبق أن تم الاستماع إليهم من طرف المحققين وبعضهم خضع للاعتقال أو التنصت". وأضاف التقرير أنه "على الرغم من كل هذا، نجح هؤلاء في تنفيذ الاعتداء الأكثر دموية في فرنسا، وصالوا وجالوا في شوارع باريس مدججين بالأسلحة الرشاشة، من دون أن تفطن لهم الاستخبارات أو تتحرك لصدهم واحباط مخططهم".




وأشار التقرير إلى أن "الأخوين كواشي والأخوين كوليبالي، الذين نفذوا اعتداءات شارلي إيبدو والمتجر اليهودي على التوالي، كانوا وجوهاً معروفة لدى الاستخبارات. مع ذلك أفلتوا من المراقبة ونفذوا اعتداءاتهم بسهولة في قلب العاصمة باريس، من دون عراقيل أمنية".

ويبقى التساؤل الأساسي بالنسبة للّجنة البرلمانية منصبّاً حول طبيعة وأسباب هذا القصور الاستخباراتي، على الرغم من أن كل رؤساء الأجهزة الأمنية، كانوا يخشون سيناريو الرعب الذي وقع في 13 نوفمبر، أي تنفيذ حفنة من الأشخاص لاعتداءات في محلات مزدحمة بالناس وإطلاق النار بشكل عشوائي لإلحاق أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية.

واعتبرت اللجنة أن "عمل الاستخبارات يشوبه التعقيد والبيروقراطية، وأن التنسيق يكاد يكون منعدماً بين أجهزتها المختلفة، التي لا تنجح في تقاسم المعلومات وتحليلها بشكل جماعي وسريع وفعّال". ولمواجهة هذه المعطيات السلبية، أوصت اللجنة بـ"ضرورة إحداث تغيير جذري في هذا المجال، ودمج المصلحة الرئيسية للاستخبارات الداخلية، التي تعمل تحت إمرة الشرطة الوطنية، مع مصلحة إدارة واستباق العمليات، التي تعمل تحت إمرة الدرك".

كما اعتبرت اللجنة أن "ادارة الاستخبارات التابعة لشرطة باريس يجب حلها وإلحاقها بجهاز الاستخبارات الداخلي، الذي يجد نفسه مبعداً عن العمل في باريس ومحيطها، ما يعرقل الأداء الاستخباراتي العام لكون باريس من أشد المناطق حساسية وتعرّضاً للتهديدات الإرهابية".

وبات واضحاً أن "الاستخبارات الداخلية فقدت القدرة على السيطرة في مجال اشتغالها الأساسي، أي التقاط الإشارات ولو الضعيفة، التي تؤشر إلى احتمال وجود مخططات إرهابية وتحليلها في الوقت المناسب، مع اقتراح خطة ناجعة لاحتوائها ونزع فتيلها". ومن هنا تشديد اللجنة البرلمانية على "ضرورة إنشاء شبكة استخباراتية تنشط في السجون والمعتقلات، لأن عدداً كبيراً من المتورطين في الأعمال الإرهابية، يتمّ استقطابهم داخل السجون من طرف عناصر متطرفة، تتحرك بحرية في هذه الفضاءات المغلقة، وتكوّن شبكات أخطبوطية يمتد نشاطها إلى خارج السجن".

أيضاً سجّل تقرير اللجنة القصور الفظيع لجهاز الاستخبارات الخارجية، الذي فشل في استباق اعتداءات 13 نوفمبر، ذلك أن هذه الاعتداءات خُطّط لها من خارج التراب الوطني، في سورية وبلجيكا، وهذا هو تحديداً المجال الذي يتوجب على هذا الجهاز التحرك فيه بفاعلية والتنسيق مع أجهزة الاستخبارات الداخلية بشأنه.

وإذا كان القصور واضحاً في العمل القاعدي لأجهزة الاستخبارات، فإن ثمة قصور آخر لا يقل أهمية يشوب قيادة الدولة والتدبير الاستراتيجي لسياسة مكافحة الإرهاب في قمة الهرم. ومن هنا يمكن فهم تسجيل اللجنة البرلمانية لغياب التنسيق بين الأجهزة الاستخباراتية المرتبطة بوزارة الداخلية وتلك الملحقة بالرئاسة ودعوتها لإنشاء مكتب يشرف على عمل الحكومة والرئاسة وينسق بينهما.

ولعلّ الفكرة الأساسية التي تمخّضت عن عمل اللجنة البرلمانية، تتمثل في ضرورة إنشاء وكالة وطنية لمكافحة الإرهاب وتعيين شخصية قوية على رأس هذا المكتب، تعمل تحت إمرة رئيس الحكومة بشكل مباشر، وتأخذ على عاتقها تحليل التهديدات واقتراح خطط عمل استراتيجية وتأدية دور المنسّق الأعلى بين أجهزة الاستخبارات. وكان من اللافت أن رئيس اللجنة البرلمانية جورج فينيش أسَرَّ لصحيفة "لوموند" بأنه من خلال محادثاته مع مسؤولين أمنيين كبار في تركيا واليونان والولايات المتحدة، سجل أن هؤلاء استغربوا من كونهم لا يعرفون هوية الشخص أو الجهاز الأساسي المكلف بمحاربة الإرهاب فرنسياً.


دلالات
المساهمون