"طوابير العيش (الخبز) رجعت تاني زي ما كانت في عهد مبارك... يعني مش كفاية على الناس نقص السلع التموينية، وغلاء الأسعار... هاتوصل كمان للعيش". بهذه الكلمات انتقد النائب محمود بدر، دور الحكومة الغائب بشأن أزمات الخبز، وعدم توافره في المحافظات والأقاليم المصرية، خلال جلسات المجلس النيابي الأسبوع الماضي. "عشان الاقتصاد انهار، ورغيف العيش بكرة هايبقى بالدولار... مش عايزينك". بهذه الكلمات خط بدر استمارة "تمرد"، الداعية للإطاحة بالرئيس المعزول، محمد مرسي، بعد أن أسس حركته، بإيعاز من أجهزة الاستخبارات، تمهيداً لانقلاب الجيش على أول رئيس مُنتخب، في الثالث من يوليو/تموز 2013. بدر نموذج لمجموعة من النواب، تُحاول أن تُصدر للرأي العام لعبها لدور المعارضة، ببرلمان شكله ويُشرف على إدارته، وقراراته، الدائرة الاستخباراتية للرئيس عبد الفتاح السيسي، التي يقودها مدير مكتبه، اللواء عباس كامل، وصنعت ائتلافاً للغالبية، تحت اسم "دعم مصر"، واختارت من بين أعضائه، رئيساً شكلياً للبرلمان.
وتتزامن الذكرى السادسة لثورة 25 يناير/كانون الثاني، مع مرور عام و15 يوماً على انعقاد برلمان "الثورة المضادة"، الذي يوافق ويؤيد كل ما تمرره حكومة السيسي من قوانين واتفاقات قروض دولية، ويضم عدداً من المحسوبين سابقاً على ثورة يناير، الذين خانوا مبادئها، ويسعون لإيهام المصريين بأنهم معارضون للسلطة التي أتت بهم إلى مقاعدهم النيابية. وجاء اختيار اسم تكتل "25 – 30"، الذي يضم 16 نائباً فقط من مجموع 595 نائباً، ليُعبر عما يُعرف بـ"تيار 25 يناير/ 30 يونيو"، الذي يدعي ولاءه لثورة يناير، وفي الوقت ذاته يدعم الإجراءات القمعية التي صاحبت استيلاء السلطة العسكرية على الحكم، ولم يحرك ساكناً بشأن قتل واعتقال آلاف المعارضين.
وقبل عام، خرج أحد أبرز رموز التكتل، هيثم الحريري، ليوجه التحية للشعب المصري، لعدم استجابته لدعوات المعارضين للتظاهر في الذكرى الخامسة للثورة. وقال، عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، "قطعتم الطريق على من يدعمون الإرهاب... ومن المؤكد أننا جميعاً سنحتفل بانتصار ثورة يناير، بمزيد من العمل، والمشاركة الإيجابية، والاندماج مع المواطنين!". "لولا 25 يناير، ما كان للسيسي أن يُصبح رئيساً للبلاد"، تصريحات مُتلفزة نُسبت أخيراً إلى المخرج السينمائي خالد يوسف، الذي أوكله الجيش مهمة تصوير تظاهرات 30 يونيو/حزيران، وكافأه الأخير بمقعده البرلماني، الذي يستغله في انتقاد حكومته، برئاسة شريف إسماعيل، من دون التعرض لشخص الرئيس، على غرار بقية زملائه في تكتل "المعارضة الشكلية". ويضم التكتل البرلماني بعض الوجوه التي نزلت إلى ميادين يناير، دفاعاً عن الحرية والعدالة الاجتماعية، ثم انقلبت عليها تأييداً وموالاة للسلطة، مثل محمد عبد الغني، شقيق الإعلامي السابق في فضائية "الجزيرة"، حسين عبد الغني، وخالد عبد العزيز، نجل اليساري الراحل عبد العزيز شعبان، والصحافي الناصري أحمد الطنطاوي، والمحاميين ضياء داوود، وأحمد الشرقاوي. وفي المقابل، عبر المتحدث السابق لحركة شباب 6 إبريل، طارق الخولي، والنائب المعارض للإسلاميين في برلمان 2012، محمد أبو حامد، عن التصاقهما بالسلطة، من خلال انضمامهما إلى ائتلاف "دعم مصر"، وتوليهما مهمة الدفاع عن السيسي، وحكومته، تحت القبة، مع تجنب الحديث عن ثورة يناير، ومبادئها. ويسعى النظام لاستغلال حالة الغضب الشعبي، والمعارضة الصورية بالبرلمان تجاه قضية تيران وصنافير، لتمرير مجموعة تشريعات تمس حياة المصريين، تلبية لشروط صندوق النقد الدولي، لتعزيز القطاع الخاص في مرافق حيوية على حساب المؤسسات الحكومية، في إطار خصخصة القطاعات العامة، الأكثر التصاقاً بمصالح محدودي الدخل.
تثبيت دولة الاستبداد
وعمد نظام السيسي إلى تغييب المعارضة الحقيقية داخل البرلمان، الذي صنعته الأجهزة الأمنية (الاستخباراتية) بالتنسيق مع رجال الأعمال من رموز نظام الرئيس الأسبق، حسني مبارك، ليُقر جميع القوانين فور انعقاده، ثم ليُخالف الدستور، مرات ومرات، في سبيل تثبيت أوضاع دولة القمع والاستبداد. ومرر البرلمان 340 تشريعاً، أصدرها السيسي، وسلفه عدلي منصور، تُرسخ في غالبيتها المزيد من الامتيازات للقوات المسلحة والشرطة، وتواجه المعارضين عبر منع التظاهر، والكيانات الإرهابية، وتُقيد الجهات الرقابية، بمنح رئيس الجمهورية سلطة عزل رؤسائها، للإطاحة برئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، بعد كشفه فساداً بجهاز الدولة يُقدر بـ 600 مليار جنيه، وقوننة الفساد برفض الطعن على عقود الدولة.
انحياز للسلطة
وفور تولي علي عبد العال رئاسة المجلس النيابي، أعلن بوجه فاضح عن انحيازه للسلطة، وأوقف البث المباشر للجلسات، لتمرير القوانين من دون صخب إعلامي، بعد رفض مرتضى منصور أداء نص اليمين الدستورية، وإضافته كلمة "مواد الدستور"، رغم عدم وجودها في القسم، لرفضه الاعتراف بثورة 25 يناير، التي وردت في ديباجة الدستور. وبات غياب النواب عن الجلسات، أمراً مُعتاداً، طيلة الأشهر الماضية. ولطالما صوت عبد العال، على تشريعات هامة من دون اكتمال النصاب القانوني، إذ عمد إلى عدم وضع عقوبة مُشددة في اللائحة بشأن تغيب الأعضاء، ارتباطاً بعدم تفرغ النواب لأعمال المجلس، وانشغالهم بأعمالهم الخاصة عوضاً عن الحضور إلى البرلمان، وهو ما يخالف الدستور.
انتهاكات متواصلة
وخالف البرلمان، الدستور، في مواضع كثيرة، تارة بعدم إصدار قانون للعدالة الانتقالية، وأخرى بتلقي الحكومة للدفعة الأولى من اتفاقية صندوق النقد الدولي، من دون عرض الاتفاقية على البرلمان، وثالثة بمد حالة الطوارئ في محافظة شمال سيناء، لتسع مرات متتالية، منذ فرضها للمرة الأولى في أكتوبر/تشرين الأول 2014، رغم نص الدستور على مدة 6 أشهر كحد أقصى. كما أقر المجلس النيابي موازنة غير دستورية عن العام الحالي، إذ لم تهتم الحكومة بما جاء بنصوص المواد 18 و19 و238 من الدستور، بشأن "التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي، لا تقل عن 3 في المائة من الناتج القومي الإجمالي للصحة، و4 في المائة للتعليم"، واقتطعت من مخصصاتهما لصالح زيادة الأجور في مخصصات الجيش والشرطة والقضاء. كما تغافل المجلس عن إصدار غالبية القوانين المكملة للدستور، بالمخالفة لنصوص المواد 121 و235 و241 من الدستور بوجوب إصدارها في دور الانعقاد الأول، والمتعلقة بالتشريعات المنظمة للحقوق والحريات، والسلطة القضائية، والهيئة الوطنية للانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، والإدارة المحلية. وفي سابقة برلمانية، لم يُناقش المجلس أي استجواب ضد رئيس الحكومة، أو أحد الوزراء، منذ انعقاده، بالمخالفة للمادة 130 من الدستور، التي نصت على مناقشة الاستجواب بعد 7 أيام من تاريخ تقديمه، وبحد أقصى 60 يوماً، نتيجة تعطيل عبد العال للاستجوابات المقدمة من النواب بحق وزراء التعليم والصحة والزراعة والتموين.
وأثار اختيار عبد العال عاصفة من التساؤلات عن خبرة الرجل المعدومة في مجال الإدارة أو السياسة، فهو أستاذ جامعي غير معروف، لديه أخطاء كارثية عند التحدث أمام وسائل الإعلام، إذ رصد مختصون 165 خطأ نحوياً في كلمته خلال احتفالية لمناسبة مرور 150 عاماً على إنشاء البرلمان، في أكتوبر الماضي، بحضور 19 رئيس برلمان ومنظمة برلمانية دولية. واستقال القاضي المُعين، سري صيام، من عضويته البرلمانية، في فبراير/شباط 2016، نتيجة تعنت عبد العال في إعطائه الكلمة أثناء الجلسات الأولى، واستبعاده من لجنة وضع لائحة المجلس، عقاباً على فضحه لجهل رئيس البرلمان القانوني في مواضع عدة. وأسقط المجلس عضوية الإعلامي توفيق عكاشة في مارس/آذار 2016، بالمخالفة لنصوص اللائحة، بدعوى استقباله للسفير الإسرائيلي في القاهرة في منزله، ومناقشة أمور تمس الأمن القومي المصري، رغم حالة التطبيع الصريحة التي ينتهجها نظام السيسي، وإبداء رئيس لجنة الأمن القومي، اللواء السابق في الاستخبارات كمال عامر، ترحيب البرلمان باستقبال سفير الكيان الصهيوني.