مجموعة من الصور الصادمة يظهر فيها النائب العراقي المعتقل، أحمد العلواني، يتداولها العراقيون، يبدو العلواني في الصور مصاباً بهزال وشحوب شديدين، بعد فقدانه أكثر من نصف وزنه عقب سنة واحدة في السجن الذي أكسبه الأمراض بأنواعها، خصوصاً في مثل هذا الطقس البارد الذي يعد الأقسى على السجناء والمفضل للمحققين القائمين على نزع الاعترافات.
المعتقل السابق، ياسين عفتان اللهيبي، يرى في وضع النائب العلواني حالة اعتيادية ومثالاً بسيطاً على حجم المعاناة في السجون العراقية، مضيفاً أنه شخصي فقد 55 كيلوغراماً من وزنه وأصيب بعدوى الجرب الجلدي بعد 8 أشهر قضاها في سجون تتبع وزارة الدفاع في بغداد.
أمضى اللهيبي أقسى فترة في اعتقاله ضمن سجن سري يسمى (معسكر الشرف) داخل المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، حيث وضع مع خمسة سجناء في زنزانة بقياس متر ونصف في مترين، صرفت لهم بطانية واحدة يتم فرشها على الأرضية الإسمنتية في حين كان طعامهم الوحيد صحناً من الرز وصمونة "رغيف" واحدة، في اليوم، مع انعدام أي أدوية أو رعاية طبية.
بعد 246 يوماً قضاها اللهيبي في سجون عدة في بغداد وجدته المحكمة المختصة بريئاً من تهمة الإرهاب بسبب انعدام الأدلة على التهمة، يروي اللهيبي لـ"العربي الجديد": "أنه منذ يومه الأول في السجن، تعرض لأساليب تعذيب عديدة، في مقدمتها التعليق في السقف، الصعق بالكهرباء، فضلاً عن الضرب وإطفاء السجائر في الجسد، ولكنه يرى في أسلوب الإغراق بالماء في الأجواء الشتوية الباردة الأكثر قسوة ووحشية والمسبب الرئيس لأكثر حالات الوفاة في السجون العراقية".
سجون العراق في الشتاء
يعكف مدير مركز بغداد لحقوق الإنسان، مهند العيساوي، منذ أسابيع على وضع تقرير عن مجمل الأحوال في السجون العراقية خلال فصل الشتاء، يشير العيساوي -السجين السابق(قضى عامين في سجن الكاظمية في عهد المالكي) من واقع خبرته إلى اسلوب مفضل لدى المحققين في فصل الشتاء، يسمى (نشر السجين)، يتلخص في وضع السجين العاري في أرض مكشوفة ومغرقة بالمياة، "يطلب من السجين الوقوف على رجل واحدة، فيما يتناوب مجموعة الحراس على مراقبتة لضمان بقائه في هذا الوضع الذي يستمر طوال ساعات الليل" يقول العيساوي لـ"العربي الجديد".
العيساوي أكد أن أسوأ السجون حاليّاً هو مجمع مطار بغداد الذي يضم 5 سجون ومطار المثنى ومجمع الشعبة الخامسة في منطقة الكاظمية بالإضافة الى سجن الناصرية، لافتاً إلى أن الازدحام هو القاسم المشترك بين هذه السجون إذ يوضع أكثر من 25 سجيناً في غرفة مخصصة لــ10 سجناء ويحشر 250 سجيناً في قاعة مصممة لاستيعاب 100 سجين كحد أقصى.
يكشف العيساوي عن مكان احتجاز في القسم رقم 13 داخل مجمع سجون الرصافات في بغداد ويسمى بــ(المحاجرالحديدية)، يتألف مكان الاحتجاز من 60 خزاناً حديديّاً لا تتجاوز مساحة الواحد منها المتر وربع، وتتواجد داخله دورة مياه، فيما يسمح للسجين بالخروج منه لمدة أقل من ساعة يومياً، ويقضي بقية الوقت داخل المحجر الذي يتحول في فصل الشتاء الى ما يشبه الثلاجة بسبب جدرانه المكشوفة والمصنوعة من المعدن.
فريق الرصد التابع لمركز بغداد لحقوق الإنسان وبحسب العيساوي سجل غياب وسائل التدفئة في سجون عراقية عدة، بينما كانت الأغطية لا تتعدى البطانية الواحدة للسجين ومن النوع الصغير والقذرالذي أصاب السجناء مما أدى إلى انتشار أمراض الجرب الجلدي والتدرن سريعاً بين المعتقلين، وخصوصاً في سجون الرصافة، الأول والثاني والثالث والرابع وسجن الناصرية "جنوب العراق".
مخالفة القانون العراقي
المحامي والناشط الحقوقي الدكتور، محمد الشيخلي، مدير المركز الوطني للعدالة ومقره لندن، يؤكد أن القانون العراقي نص صراحةً على واجب جهة الاحتجاز في توفير كل المستلزمات الإنسانية للمعتقل، ومنها أماكن احتجاز معلنة، خاضعة للرقابة الصحية، تتوافر فيها أماكن النوم والحمامات الصحية والتدفئة والتبريد وأماكن الفسحة الشمسية مع مركز طبي وأماكن خصوصاً لممارسة الرياضة، منوهاً إلى أن السجون المخصصة للمدانين بفترات حبس أو سجن طويلة يجب أن تتوفر فيها أماكن للعمل الطوعي وغير القسري مقابل أجور تدفع للمعتقل او المحتجز.
ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن مؤسسات الدولة العراقية ذات العلاقة مثل وزارة العدل ملزمة بالمحافظة على حياة المعتقل أو المحتجز أو المتهم أو المدان وتلتزم بعدم تعريضه لأي من ممارسات التعذيب أو الإكراه أو التهديد والوعيد. ويشدد على أن القانون صريح وينص بعدم جواز إنشاء أو تأسيس أماكن احتجاز سرية مطلقآ وتعتبر هذه الأماكن إن وجدت مخالفة للقانون ويخضع المسؤولون عنها، في حالة كشفها، الى المساءلة القانونية.
يجيب الشيخلي عن سؤال لـ"العربي الجديد" حول الحقوق الطبية للسجين، أن النص القانوني يلزم الدولة ومؤسساتها القضائية بأن تقوم بمعالجة المحتجز والسجين على نفقة الدولة ونقله إلى المستشفيات التخصصية لمعالجة حالاتهم المرضية، منوهاً إلى أن "مسؤول السجن يفترض محاسبته في حالة التعمد بالإهمال الطبي".
تدمير صحة المعتقلين
يؤكد دكتور الأمراض الجلدية، إحسان عزيز بهنام، أن تكرار الحالات المعروضة عليه باتت تمكنه من معرفة أن هذا المريض كان في السجون وأفرج عنه أخيراً، موضحاً أن الأمراض الجلدية تكاد تكون القاسم المشترك بين جميع السجناء وفي المقدمة منها مرض الجرب الناجم عن انعدام النظافة.
أخصائي الأمراض الجلدية يشرح لـ"العربي الجديد" إن "الإصابة بمرض الجرب يمكن السيطرة عليها بعزل المصاب وتوفير أسباب النظافة مع أدوية بسيطة مؤلفة من حبوب وكريمات، ولكنه يستدرك أن انعدام هذه الأشياء في السجون يؤدي إلى إصابة الجميع الذين يتشاركون المساحة الضيقة من الزنزانة والبطانية في الشتاء بسبب البرد الشديد وعدم توفير العدد الكافي من البطاطين أو حتى الملابس ومنها الداخلية، مشيراً إلى أن هذه البيئة تعتبر مثالية لازدهار الأمراض الجلدية وغيرها.
ومع أن الدكتور بهنام مختص في الأمراض الجلدية إلا أنه يميز أمراض أخرى لدى مراجعة المفرج عنهم، ومنها أمراض سوء التغذية والجهاز التنفسي والذبحات الصدرية ومشاكل الكلى وحتى المفاصل بالنسبة لكبار السن، مؤكداً أن الافتقار إلى الطعام الحقيقي والأجواء الدافئة والمياة النظيفة في السجون تؤدي إلى الإصابة بهذه الأمراض، فيما يساهم انعدام العلاج في تطور المشاكل الصحية البسيطة وتحولها الى أمراض مستعصية.
عام انتهاك حقوق الإنسان
تدعو مجموعة من المنظمات والجمعيات الحقوقية المختصة إلى اعتبار 2014 عام انتهاك حقوق الإنسان في العراق في وقت وثقت منظمة السلام لحقوق الإنسان خلال تقريرها الختامي للعام المنصرم 439 حالة وفاة لمعتقلين عراقيين وعرب قضوا جراء التعذيب والحرمان من الطعام والشراب في سجون تابعة لوزارات الداخلية والدفاع والعدل العراقية.
يقول رئيس منظمة السلام، علي القيسي، إنهم وثقوا حالات الوفاة من خلال جمع تقارير طبية وأمنية وشهادات ذوي الضحايا بينت جميعها أن حالات الوفاة حصلت بسبب التعذيب في المعتقلات الحكومية الخاضعة لوزارات العدل والدفاع والداخلية، وقسم منهم في مراكز احتجاز معروفة في بغداد تشرف عليها مليشيات متطرفة تساند قوات الجيش في حربها ضد "داعش".
وساقت المنظمة طرق تعذيب عدة يتم اتباعها مع السجناء في العراق، ومنها التعذيب بتعريض المعتقل للأجواء الباردة مع صب الماء عليه.
ونوهت المنظمة الى أنه وعلى العكس تماماً من أسباب الوفاة الحقيقية فإن لجاناً طبية حكومية كانت تصر ومن خلال الوثائق الرسمية التي تصدرها بأن حالات الوفاة حصلت بسبب عجز كلوي وسكتة قلبية، حتى أن بعضها سجل انتحاراً من بعض المعتقلين، فضلاً عن أسباب أخرى مضحكة ومبكية في الوقت نفسه.