برامج مرشحي الرئاسة التركية بين التقاطع والاختلاف

21 يوليو 2014
ثلاثة مرشحين ببرامج مختلفة للرئاسة التركية (أرشيف/الأناضول/Getty)
+ الخط -

تبدو تركيا سائرة في طريق اللاعودة عن الديمقراطية، بعد عملية صعبة ومعقّدة للغاية التخلص من سيطرة العسكر. وبدا هذا الأمر جلياً من خلال الأسئلة والنقاط التي طرحتها برامج المرشحين الثلاثة للرئاسة التركية؛ فرغم التقاطعات الواضحة، هناك اختلافات رئيسية بين أجندة كل من رئيس الوزراء الحالي رجب طيب أردوغان، والمرشح المشترك لحزبي"الشعب الجمهوري" و"الحركة القومية"، أكمل الدين إحسان أوغلو، والرئيس المشترك لحزب "الشعوب الديمقراطية"، أحد الأجنحة السياسية لحزب "العمال الكردستاني"، صلاح الدين ديميرتاش، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

إن حملة إحسان أوغلو قائمة على أساس التوافق والاعتدال، وليس على أساس التحدي والمواجهة، الأمر الذي كان واضحاً في جوابه على السؤال الذي وُجّه إليه عن الطريقة التي سيتعامل بها مع أردوغان في حال فاز بمنصب الرئاسة، إذ أكد بأنه لا يرى عقبات في وجه التعاون بين الطرفين، خاصة وأنه يمتلك علاقة "ممتازة" مع رئيس الحكومة. أما ديميرتاش، وعلى الرغم من التعاون الوثيق مع أردوغان في ما يخص حل القضية الكردية في تركيا، فقد أبدى تحدٍ كبير لرئيس الحكومة، إذ أكد في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه عن برنامجه الانتخابي، ردّاً على سؤال أحد الصحفيين عن موقفه من أردوغان في حال فاز بالانتخابات الرئاسية، أنّه "إذا فزت وأصبحت رئيساً وبقي أردوغان رئيساً للوزراء، فليساعده الله، إذ أن عليه أن يعتاد على الديمقراطية والتعددية، لأنه لن يكون قادراً أن يقول لي: "هيا إننا راحلون، في أي من الاجتماعات"، وذلك في إشارة لما حصل في العاشر من مايو/أيار، عندما قاطع أردوغان خطاباً في أنقرة لرئيس الاتحاد التركي لنقابات المحامين متين فايز أوغلو، ودعا الرئيس الحالي عبد الله غول للمغادرة معه.

أما حملة أردوغان فلا تتناسب مع صلاحيات رئيس الجمهورية التركي وفق الدستور الحالي، لأنها حملة "فوق رئاسية" تشبه حملات الانتخابات البرلمانية، بحسب محللين، إذ تروج لمشروع ضخم يطلق عليه "تركيا الجديدة"، يتكوّن من 4 بنود أساسية وهي حل المسألة الكردية، وتغيير الدستور نحو نظام رئاسي، والانضمام للاتحاد الأوروبي، إذ أعلن هذا العام "عاماً للاتحاد الأوروبي" ستتسارع فيه الإصلاحات تلبية لشروط العضوية، إضافة إلى الاستمرار في النمو الاقتصادي السريع الذي يعتبر هاجس أردوغان الأول؛ فحملته الدعائية تعتمد على أساس الأرقام والإحصائيات، وهو لا يوقف الحديث عن إنجازات حزبه، مقارناً حال البلاد بما كانت عليه قبل وصول "العدالة والتنمية" الى السلطة من أعداد المطارات والمدارس والطرقات ومستوى دخل الفرد وغير ذلك، مما دفع الكثير من المراقبين الى وصفها بالحملة "المفرطة بالواقعية" مقارنة بحملة ديميرتاش "الرومانسية" التي احتوت على قدرٍ عالٍ من التنظير تحت شعار "نداء من أجل حياة جديدة".

وإضافة إلى المهمة الأساسية لحزب "الشعوب الديمقراطية" بوصفه "حزب مهمة" كما يطلق عليه أعضاؤه، وهي حل المسألة الكردية، دعا برنامج ديميرتاش إلى نقطة أساسية وهي تغيير الذهنية التركية التقليدية بمزيد من الانفتاح على الحريات وبالأخص حقوق الأقليات والمرأة، وحتى حقوق المثليين، وكل هذا تحت مسمى "الديمقراطية الجذرية"، في حين أن برنامج إحسان أوغلو، بحسب مراقبين، ضعيف لا يزال كأحزاب المعارضة التي تدعمه، عالق في مشروع "معاداة الأردوغانية" دون القدرة على طرح أي مشروع بديل.

وفي حين دعم إحسان أوغلو تطوير النظام البرلماني الحالي، عندما قال "إننا بحاجة إلى تطوير النظام البرلماني الحالي وليس تغييره"، يسعى أردوغان إلى دستور يضمن نظاماً مركزياً رئاسياً يمنح منصب الرئاسة صلاحيات أوسع، وفي الوقت نفسه يزيد من صلاحيات الإدارة المحلية في الولايات، الأمر الذي يطالب به ديميرتاش أيضاً في إطار مشروع "الديمقراطية الجذرية"، لكن مع تقليص صلاحيات الدولة المركزية أكثر ما يكون لصالح المواطن؛ فلا تتم إدارة الدولة من قبل شخص واحد، على حدّ تعبيره، مطالباً بسرعة تغيير الدستور الحالي، والذي، بحسب ديميرتاش، يبارك الدولة ويتجاهل الناس.

يدعم إحسان أوغلو عملية السلام مع حزب "العمال الكردستاني"، غير أنّه يطالب بوضع العملية تحت رقابة البرلمان التركي لمزيد من الشفافية، مؤكّداً على الخطأ الكبير الذي ارتكبته الجمهورية التركية، إذ منعت الأكراد من استخدام اللغة الكردية، فيما يحاول أردوغان أن يُبقي مفاوضات عملية السلام بعيداً عن التداول الإعلامي والشعبي لضمان استمرارها وتجنب المهاترات والمزايدات السياسية، وتحت إدارة المخابرات التركية، كما هي الآن، وبمساعدة الجناح السياسي لحزب "الكردستاني"، والذي يشكل ديميرتاش أحد أهم صقوره.

فيما يخص السياسة الخارجية، يرى إحسان أوغلو أن تركيا بمخالفتها المبدأ الذي وضعه مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، والقائل بـ"السلام في الوطن والسلام في العالم"، خسرت الكثير من أوراقها ومصداقيتها، داعياً إلى إجراء مراجعة شاملة للسياسة الخارجية. فيما يرى أردوغان أن سياسته في كل من سورية والعراق كانت وقفة ضدّ الظلم تتناسب وتضمن المصالح التركية، خاصة فيما يخص دعم إقليم كردستان ضدّ الحكومة العراقية المركزية، ودعم المعارضة السورية ضدّ نظام بشار الأسد، والتعامل مع الأكراد بطريقة تتبنى رؤية الدولة العثمانية لهم بتحويلهم إلى عصا وصف أول في الدفاع عن الدولة التركية في وجه الدولة الإيرانية، بينما يختلف ديميرتاش معه بتأكيده على أهمية إيقاف ما يُطلق عليه "سياسة دعم تركيا للمتطرفين" في سورية، والذين يهاجمون قوات "الاتحاد الديمقراطي"، جناح "الكردستاني" في سورية، والتي أدت إلى توسع الرقعة التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، ليجتمع المرشحون الثلاثة على أهمية الاستمرار في تلبية متطلبات عضوية الاتحاد الأوروبي.