برامج التشغيل التونسية: مسكّنات مع غياب الحلول الجذريّة للبطالة

18 يناير 2016
شاب مُعطل في تحرك في تونس(فتحي بلايد/فرانس برس)
+ الخط -
انطلق منذ فترة برنامج فرصتي للتشغيل الذي أعلنت عنه الحكومة التونسية منذ شهرين، كآلية جديدة لتسهيل إدماج الشباب في سوق الشغل. وقد تمّ فتح باب التسجيل أمام المعطّلين عن العمل. حتّى هذه اللحظة، لا يبدو الإقبال كبيراً على التسجيل في البرنامج، بل اختار المعطّلون عن العمل الشارع لفرض حقّهم في التشغيل، والتي كان آخرها إضراب المعطّلين عن العمل المفروزين أمنياً الذين دخلوا في إضراب عن الطعام منذ 23 يوماً بعدما ملّوا من الوعود والبرامج وسياسة التسويف التي تنتهجها الحكومة تجاه أكبر معضلة يعاني منها الاقتصاد التونسيّ، في بلد بلغ عدد معطّليه ما يناهز المليون نسمة.

يشرح الإطار في الوكالة الوطنية للتشغيل، مصطفى الرياحي، تفاصيل البرنامج مشدّداً على أنّ هذه الآلية الجديدة تمثّل مقاربة جديدة في علاقة طالب الشغل مع هياكل التشغيل بحيث يصبح طالب الشغل عنصراً فاعلاً في عمليّة الوساطة من خلال علاقة تعاقدية بين مستشار التشغيل وطالب الشغل. أما الهدف فهو تدعيم القدرة التشغيلية لطالب الشغل من أجل بناء مشروع مهني. ويضيف الرياحي أنّ المنتفع بالبرنامج يتمتّع بمرافقة شخصيّة من قبل مستشارين ومختصّين في المجال يعملون على تنمية قدرات المنخرطين على المستوى اللغوي والتقنيّ، إضافة إلى تقديم المساعدة والتأطير اللازم لفهم سوق الشغل وسرعة الاستجابة لحاجيّاته. كما ينتفع هذا الأخير بمنحة شهرية تقدّر بـ50 دولاراً لتغطية مصاريفه الأساسية مع التمتع بتغطية صحية مقابل الالتزام الكلي بالمواظبة على تنفيذ مكونات البرنامج. ويتمّ صرف المنحة شهرياً لكل منتفع بعد التعاقد بينه وبين مصالح التشغيل.
كما يشير الرياحي إلى أنّ التوقعات تقول إنّ البرنامج سيشمل سنة 2016 ما يناهز 50 ألف منتفع ليرتفع العدد إلى 120 ألفاً نهاية سنة 2017. وقد تمّ رصد 150 مليون دولار لتنفيذه وسيستهدف بالأساس أبناء المناطق الحدوديّة والمهمّشة والفئات الضعيفة.
في المقابل، يعلّق عضو اتحاد أصحاب الشهادات العليا المعطّلين عن العمل، شكري الطبوبي، أنّ هذه الآلية الجديدة ليست سوى استمرار لسياسة التسكين والهروب إلى الأمام في ظلّ غياب حلول حقيقيّة لحلّ معضلة البطالة في تونس بشكل جذريّ وفعّال.
يضيف أنّ الماضي القريب شهد إطلاق العديد من البرامج والآليات لتسهيل إدماج الشباب في سوق الشغل، ولم تسفر سوى عن استغلال عشرات الآلاف من الشباب ليجدوا أنفسهم مرّة أخرى يعانون من البطالة. أمّا بالنسبة للبرنامج الجديد، فهو لم يتضمن في بنوده إيجاد فرص عمل في الخارج أو داخل الوطن أو مساعدات ماليّة لبعث المشاريع الخاصّة. إذ يقتصر دوره على تلقين المنتفع بعض الدروس النظريّة أو بشكل آخر ملء وقت فراغه وكسر الروتين عن حياته دون تقديم حلّ حقيقيّ لمشكلته.

أمّا الملاحظة الثانية، بحسب السيّد شكري، فتكمن في الروتين الإداري وكثرة الوثائق المطلوبة للتسجيل إضافة إلى قوائم الانتظار الطويلة. طول الإجراءات وتعقيداتها تشكّل بدورها منفّراً للشباب عن هذا البرنامج، زد على ذلك تكاليف استخراج الوثائق والتنقّل لمكاتب التسجيل وغيرها والتي تزيد من أعباء الشاب المعطّل عن العمل وتعمّق من يأسه.
ويقول إنّ ما تمّ إقراره من قبل وزارة التشغيل لا يعدّ سوى ضحك على الذقون، فالبنية التحتيّة وعدد مكاتب التشغيل وأطقم المرافقة والتأطير لا تكفي لاستيعاب مئات الآلاف من المعطّلين، وحتّى الرقم المعلن عنه المقدّر بـ50 ألفاً كمرحلة أولى يفوق طاقة الوزارة وقدرتها على الإحاطة.
من جهته، يؤكّد الخبير الاقتصادي والاجتماعي ناصف العمدوني، أنّ ما تطرحه الدولة من برامج للإدماج وإعداد الشباب لسوق الشغل هي خطوات عقيمة ما دامت سوق الشغل بحدّ ذاتها تعيش حالة من الانكماش. ليستطرد قائلاً إنّ الوضع الاقتصاديّ الراهن الذي تعكسه المؤشّرات المتدهورة على صعيد عجز الموازنات العموميّة بنسبة 6%، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة في أغلب الشريط الغربي للبلاد لتناهز 35%، يضيّق من هامش الحركة والحلول الممكنة للحكومة الحاليّة، حيث لا تمتلك الدولة في الوقت الراهن أيّ سيولة للاستثمار العموميّ كما استنفدت كل الأساليب الممكنة لتشجيع الاستثمار الخاصّ، وهو ما تبوح به نسبة نمو الاستثمار خلال سنة 2015 والتي لم تتجاوز 2% رغم الاستقرار السياسي النسبيّ.
كما يستغرب الخبير ناصف الدعاية الحكوميّة والوعود التي يطلقها المسؤولون في حين تضمّنت ميزانيّة سنة 2016 قراراً بتجميد الانتدابات والتوظيف في القطاع العام، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول جديّة مثل هذه البرامج. ويضيف أن سوق الشغل التونسيّة تعاني من مشاكل هيكليّة ترجع بالأساس إلى الأعداد الهائلة من خريجي الجامعات التي تبلغ سنوياً 100ألف خرّيج جديد في ظلّ حالة الاكتفاء والتخمة التي تشهدها سوق العمل، وهو ما أدّى إلى ظهور أزمة في عدم التطابق بين عدد الطالبين للشغل وبين سوق التشغيل.

اقرأ أيضاً: خلف كثبان تونس: السياحة الصحراوية واجهة تخفي وجع السكان
دلالات
المساهمون