من صُور الأقمار الاصطناعيَّة، يرى المرءُ في منتصفِ حوض مائيّ ضخم، في غرب أفريقيا الوسطى، وتحديدًا على الحافّة الجنوبيَّة لصحراء التشاد، نقطة زرقاء صغيرة، إنّها بحيرة التشاد. تشكُّل البحيرة، وما يرتبطُ بها من الأنظمة المائيَّة المتّصلة بالأنهار، والمجهّزة حديثاً، مصدراً مائيًا مهمًا، وتقريبًا وحيدًا، لأكثر من حوالي 30 مليون إنسان في المنطقة. لكن، تظهِرُ الأقمار الصناعيَّة لنا أنَّ بحيرة التشاد قد تقلّصت بشكل دراماتيكي، وإلى حد كبير. إذْ فقدت البحيرة في السنوات الخمسين الأخيرة، الجزء الأكبر من ثروتها المائيَّة، الأمرُ الذي يشكّل تهديدًا حقيقيًا وجديًا، لأنّها نبعُ المياه لكتل هائلة من البشر.
يبلغُ عمق المياه الحلوة، وهي المياه القابلة للشرب، أو التي يسهل تحويلها إلى مياه قابلة للشرب، حوالي 7 أمتار فقط. ومع موجة الجفاف القاسية التي تغزو أفريقيا، تجفّ وتتبخّر المياه الحلوة بشكلٍ أسرع من تبخّر المياه العميقة، لأنَّ الأخيرة بحاجة إلى طاقة أكثر للتبخّر والجفاف، بسبب عمقها ووجود بعض الأملاح. ولأنّ القارّة الأفريقية تشتهر بالأمطار الموسميَّة الغزيرة، فإنّ تلك الأمطار قادرة فعلاً على تجديد البحيرة، وهذا ما حصل بين شهري يونيو/ حزيران وآب/ أغسطس من العام الماضي. وعلى الرغم من ذلك، أظهرت الإحصائيات التي أجراها المركز الألماني العالمي للأمن المائي في برلين، أنَّ حدّة التدفّق والجريان في البحيرة قد تقلّصت إلى حد كبير في العقود الأخيرة. ويرجع ذلك إلى عدم التوازن بين أمرين، موجة الجفاف القاحلة من جهة، وارتفاع مستويات الطلب على المياه بسبب الزيادة السكانيّة من جهة أخرى.
وتظهرُ صور الأقمار الاصطناعيَّة الأولى المُلْتقطَة في ستينيات القرن الماضي، بحيرة التشاد، وهي تمتدُ على مساحة 22 ألف كيلومتر مربّع. لكن، في السنوات العشر الفاصلة بين الستينيات إلى السبعينيات، تقلّصت مياه البحيرة إلى حد كبير، لتصبح المساحة الإجماليّة للبحيرة في بدايات الثمانينيات، 300 كيلومتر مربّع فقط! لدرجة أنَّ العلماء أرادوا إعادة تسميتها ببحيرة تشاد الصغيرة الجافة!
في عام 1999، حصل تحوُّل غامضٌ ومُفاجئ، إذْ إنَّ القسم الشمالي من البحيرة، والذي كان قد جفّ تمامًا، وتحوّل إلى أرض قاحلةٍ، انتعشَ وامتلأ بالمياه مرّة أخرى! السبب العميق ما زال غامضاً حتّى يومنا هذا، ولكن، يخمِّن العلماء الألمان أنَّ الاختلافات في درجات الحرارة في المنطقة شمال الأطلسي، من الممكن أن تكون مسؤولة عن هذا التحوُّل. إذْ إنّ درجات الحرارة تتقلَّب وتنوسُ بشكلٍ مُنتظم في دورات باردة وحارّة. ويخمّن العلماء أنّ لحظة امتلاء القسم الشمالي من بحيرة التشاد، في نهاية التسعينيات، هي لحظة بدء الدورة الحارّة والرطبة، حيث تذوب المياه.
ولكن على الرغم من ذلك، ترمّم البحيرة نفسها بشكل بطيء جدًا، لأنّ موسم الجفاف أقسى من موسم الرطوبة. هذا الأمر كشفته بوضوح صور الأقمار الصناعية المنشورة عن البحيرة. وتعتبر الصور دقيقة جدًا، إذْ إنّ العلماء يقومون ببرمجة الأجهزة، بحيث يربطون كلّ مادة، حسب ثقلها وخواصها، بلون معيّن يميّزها عن المادة الأخرى، الأمر الذي يجعلهم يميّزون الأرض من اليابسة من النباتات بشكل دقيق، وحتّى المياه الحلوة من المياه المالحة.
في السنوات الماضية القريبة، بقى مستوى المياه في بحيرة التشاد مستقرًا تقريبًا، ولم تتقلّص وتجفّ أكثر. ويخمّن العلماء من جامعة "ماربوغ" في ألمانيا، بعد إجرائهم بحثاً ميدانياً في بحيرة التشاد، أنّ البحيرة قادرة على النمو والتمدد مستقبلاً، لأنَّ هنالك، في قاع البحيرة، الكثير من خزّانات المياه الجوفيّة التي لم تتفجّر بعد، والتي ستكون قادرةً على ملء البحيرة من جديد. ولكن، أشارت الجامعة إلى أنَّ الأبحاث الميدانيّة الدقيقة والأكيدة، هي صعبة جدًا وغير ممكنة الآن في منطقة بحيرة التشاد، لأنّ المنطقة مصنّفة كمنطقة خطرة وغير آمنة، وهي تقع تحت التهديدات المسلحة لمنظّمة "بوكو حرام" المتشدّدة.
من خلال الجفاف المستمر، في هذه المناطق المهملة بالفعل، من كل العالم، فإنَّ الاقتصاد المحلي والزراعة البسيطة التي يقوم بها السكان، مُهدّدة تقريبًا بالانهيار الكامل قريبًا.
(العربي الجديد)
اقــرأ أيضاً
يبلغُ عمق المياه الحلوة، وهي المياه القابلة للشرب، أو التي يسهل تحويلها إلى مياه قابلة للشرب، حوالي 7 أمتار فقط. ومع موجة الجفاف القاسية التي تغزو أفريقيا، تجفّ وتتبخّر المياه الحلوة بشكلٍ أسرع من تبخّر المياه العميقة، لأنَّ الأخيرة بحاجة إلى طاقة أكثر للتبخّر والجفاف، بسبب عمقها ووجود بعض الأملاح. ولأنّ القارّة الأفريقية تشتهر بالأمطار الموسميَّة الغزيرة، فإنّ تلك الأمطار قادرة فعلاً على تجديد البحيرة، وهذا ما حصل بين شهري يونيو/ حزيران وآب/ أغسطس من العام الماضي. وعلى الرغم من ذلك، أظهرت الإحصائيات التي أجراها المركز الألماني العالمي للأمن المائي في برلين، أنَّ حدّة التدفّق والجريان في البحيرة قد تقلّصت إلى حد كبير في العقود الأخيرة. ويرجع ذلك إلى عدم التوازن بين أمرين، موجة الجفاف القاحلة من جهة، وارتفاع مستويات الطلب على المياه بسبب الزيادة السكانيّة من جهة أخرى.
وتظهرُ صور الأقمار الاصطناعيَّة الأولى المُلْتقطَة في ستينيات القرن الماضي، بحيرة التشاد، وهي تمتدُ على مساحة 22 ألف كيلومتر مربّع. لكن، في السنوات العشر الفاصلة بين الستينيات إلى السبعينيات، تقلّصت مياه البحيرة إلى حد كبير، لتصبح المساحة الإجماليّة للبحيرة في بدايات الثمانينيات، 300 كيلومتر مربّع فقط! لدرجة أنَّ العلماء أرادوا إعادة تسميتها ببحيرة تشاد الصغيرة الجافة!
في عام 1999، حصل تحوُّل غامضٌ ومُفاجئ، إذْ إنَّ القسم الشمالي من البحيرة، والذي كان قد جفّ تمامًا، وتحوّل إلى أرض قاحلةٍ، انتعشَ وامتلأ بالمياه مرّة أخرى! السبب العميق ما زال غامضاً حتّى يومنا هذا، ولكن، يخمِّن العلماء الألمان أنَّ الاختلافات في درجات الحرارة في المنطقة شمال الأطلسي، من الممكن أن تكون مسؤولة عن هذا التحوُّل. إذْ إنّ درجات الحرارة تتقلَّب وتنوسُ بشكلٍ مُنتظم في دورات باردة وحارّة. ويخمّن العلماء أنّ لحظة امتلاء القسم الشمالي من بحيرة التشاد، في نهاية التسعينيات، هي لحظة بدء الدورة الحارّة والرطبة، حيث تذوب المياه.
ولكن على الرغم من ذلك، ترمّم البحيرة نفسها بشكل بطيء جدًا، لأنّ موسم الجفاف أقسى من موسم الرطوبة. هذا الأمر كشفته بوضوح صور الأقمار الصناعية المنشورة عن البحيرة. وتعتبر الصور دقيقة جدًا، إذْ إنّ العلماء يقومون ببرمجة الأجهزة، بحيث يربطون كلّ مادة، حسب ثقلها وخواصها، بلون معيّن يميّزها عن المادة الأخرى، الأمر الذي يجعلهم يميّزون الأرض من اليابسة من النباتات بشكل دقيق، وحتّى المياه الحلوة من المياه المالحة.
في السنوات الماضية القريبة، بقى مستوى المياه في بحيرة التشاد مستقرًا تقريبًا، ولم تتقلّص وتجفّ أكثر. ويخمّن العلماء من جامعة "ماربوغ" في ألمانيا، بعد إجرائهم بحثاً ميدانياً في بحيرة التشاد، أنّ البحيرة قادرة على النمو والتمدد مستقبلاً، لأنَّ هنالك، في قاع البحيرة، الكثير من خزّانات المياه الجوفيّة التي لم تتفجّر بعد، والتي ستكون قادرةً على ملء البحيرة من جديد. ولكن، أشارت الجامعة إلى أنَّ الأبحاث الميدانيّة الدقيقة والأكيدة، هي صعبة جدًا وغير ممكنة الآن في منطقة بحيرة التشاد، لأنّ المنطقة مصنّفة كمنطقة خطرة وغير آمنة، وهي تقع تحت التهديدات المسلحة لمنظّمة "بوكو حرام" المتشدّدة.
من خلال الجفاف المستمر، في هذه المناطق المهملة بالفعل، من كل العالم، فإنَّ الاقتصاد المحلي والزراعة البسيطة التي يقوم بها السكان، مُهدّدة تقريبًا بالانهيار الكامل قريبًا.
(العربي الجديد)