منذ أكثر من شهر، تماطل الحكومة البحرينية في إرجاع عدد كبير من رعاياها العالقين في مدينة مشهد الإيرانية بعد تعليق الكثير من شركات الطيران رحلاتها وإغلاق المطارات، كما لا تربط إيران بالبحرين أي علاقات دبلوماسية وليس هناك طيران مباشر بينهما منذ يناير/ كانون الثاني 2016. وبينما أجلت دول أخرى حول العالم، ومنها دول خليجية، رعاياها من البلدان الموبوءة بفيروس كورونا، لم تأخذ المنامة بعد قراراً مماثلاً بالنسبة لأكثر من 1300 بحريني عالقين في مدينة مشهد الإيرانية، ممن كانوا هناك في رحلات دينية لزيارة الإمام الثامن علي ابن موسى الرضا. "تقع المسؤولية القانونية المباشرة على وزارة الخارجية البحرينية المعنية بمتابعة شؤون المواطنين بالخارج"، وفق تعليق للمستشار القانوني البحريني المقيم في لندن إبراهيم سرحان لموقع "أوريان 21".
كيل بمكيالين
يتعارض هذا التصرف مع قرارات السلطة في الداخل، إذ اتخذت البحرين إجراءات احترازية وتدابير وقائية لاحتواء ومنع انتشار فيروس كورونا بما يساهم في حفظ صحة وسلامة المواطنين والمقيمين، إذ قامت بالتحقيقات الوبائية الموسعة بالإضافة إلى حصر أماكن وجود المصابين والمخالطين ووضع تدابير احترازية لمكافحة العدوى، واستحداث مراكز مخصصة للعزل والعلاج تحت إشراف فريق طبي مختص، وهو ما يعكس مدى التزامها بالبرتوكولات العلاجية المعتمدة وتطبيقها للإجراءات الوقائية والرقابية لتعزيز سبل التصدي لهذا الفيروس، ملتزمة بتطبيق الإرشادات والتعليمات التوعوية الصادرة من منظمة الصحة العالمية، وذلك حسب المكتب الإقليمي لشرق المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية.
وأشاد الدكتور أمجد الخولي، استشاري الوبائيات في وحدة مخاطر العدوى في منظّمة الصحة العالمية، بالإجراءات النوعية التي قامت بها المملكة، ومن ضمنها إجراء فحص فيروس كورونا (كوفيد 19) لآلاف الأشخاص، ورفع القدرة الاستيعابية لمراكز الفحص والحجر والعزل والعلاج، إضافة إلى استحداثها لجنة خاصة باستقصاء المخالطين لحاملي فيروس كورونا، خلال زيارة وفد المكتب الإقليمي للمنظّمة إلى البحرين أخيراً.
كما منعت البحرين التجمّع لأكثر من 5 أفراد في الأماكن العامة، وأعلنت إغلاق كافة المحلات التجارية والاكتفاء بخدمات التوصيل باستثناء المخابز والبرادات والهايبرماركت والبنوك والمصارف. وتجاوز عدد المصابين في البحرين الـ643 شخصاً (وصل العدد إلى أكثر من 700 أمس الإثنين)، فيما سجلت وزارة الصحة البحرينية أربع حالات وفاة بسبب الفيروس، وتعافي 381 شخصاً حتى 3 إبريل/ نيسان.
لم يعرف جميع البحرينيين المغتربين المصير نفسه، إذ أعلنت وزارة الخارجية عن إجلاء 67 بحرينياً كانوا عالقين في المغرب، وارتفعت أصوات بحرينيين في موسكو والقاهرة والعاصمة الأردنية عمان، وتايلند وبريطانيا وألمانيا، لإعادتهم مع تطور الأوضاع للأسوأ في هذه البلدان.
لا هدنة في زمن كورونا
واتهمت السلطات البحرينية الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالسماح بانتقال فيروس خطير للخارج، كشكل من أشكال العدوان البيولوجي المحرم دولياً، واتهمتها بالتضليل في المعلومات وعدم ختم جوازات بعض زائريها لنشر المرض، حسب تصريح الفريق أول ركن الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة وزير الداخلية البحريني.
في الأثناء ووفق بقية الأهالي العالقين في مشهد، توفي 6 أشخاص هناك بسبب المرض وعدم توافر العناية الصحية، جميعهم من الكبار في السن ومن المصابين بأمراض مزمنة.
في 27 مارس/ آذار، وصل 31 مواطناً بحرينياً إلى الدوحة على متن رحلة الخطوط الجوية القطرية القادمة من إيران. وبما أن مملكة البحرين لا تسمح بعبور الطائرات التجارية القطرية لمشاركتها في مقاطعة قطر منذ صيف 2017، تواصل مسؤولون قطريون مع نظرائهم في البحرين للاستفسار عن الطريقة المثلى لعودة البحرينيين إلى وطنهم، وعرضت قطر على الحكومة البحرينية إرجاعهم على متن طائرة خاصة، على نفقة الدوحة، ولكن السلطات البحرينية "رفضت هذا الخيار"، وفق ما جاء في بيان مكتب الاتصال الحكومي القطري.
أم فاطمة، بحرينية كانت عالقة في مشهد، وقد أخذت على عاتقها العودة إلى البحرين مع 76 شخصاً آخرين حجزوا رحلتهم من مشهد إلى طهران إلى الدوحة ثم إلى مسقط ومنها إلى البحرين، إلا إنه في مطار مسقط رفضت شركة طيران الخليج البحرينية أن تحمل القادمين من إيران على متنها رغم شرائهم التذاكر، وتركتهم عالقين هناك دون أن تتدخل السفارة البحرينية في عُمان لمساعدتهم. أخيراً، تمكنوا من العودة على متن طائرة عمانية.
لماذا التلكؤ؟
تتهم جهات حكومية وأخرى معارضة، الحكومة البحرينية بالتعاطي الطائفي مع هذا الملف. ويوضح باقر درويش، رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان، لـ"أوريان 21"، أنه "رصدنا أكثر من 1000 رسالة كراهية وازدراء مهين لمعتقدات المسلمين الشيعة من أطراف محسوبة على السلطة ولديها منصات إعلامية يتم من خلالها نشر المواد في غالبيتها من البحرين، منذ بدء أزمة العالقين، تم تصنيفها وفق المعايير الستة لأشكال التعبير المحظورة جنائياً والمعتمدة في خطة عمل الرباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، وهو ما تسبّب في نشوء أزمة البحرينيين العالقين في إيران عبر التحريض على منع استقبالهم".
وأبدى درويش عدم ثقته في تحقيقات النيابة العامة بعد إعلان إدارة جهاز الجرائم الإلكترونية إحالة 18 بلاغاً لحسابات متهمة بالتحريض الطائفي للنيابة العامة نظراً لكثير من الانتهاكات التي تورطت بها منذ 2011.
وتعالت خلال الفترة الماضية أصوات كتّاب الأعمدة الصحافية ومرتادي وسائل التواصل الاجتماعي من القريبين من السلطة التي تنادي بعدم إرجاع البحرينيين العالقين من إيران، منها الإعلامية سوسن الشاعر، التي قالت صراحة: "أي شكل من أشكال التواصل مع إيران يشكل خطراً لا على أمننا الوطني فحسب بل حتى على بقية الدول التي يستخدم مواطنوها البحرين كمحطة ترانزيت لإيران، وأن منع السفر بتاتاً لهذه الدولة يجب أن يستمر حتى بعد انتهاء موضوع فيروس كورونا، وتنظيم الرحلات من خلال مكاتب السفر في البحرين لهذه الدولة يجب أن يمنع".
العالقون معلقون
بدأ الوضع الصحي في التفاقم في منطقة الخليج منذ الأسبوع الثالث من شهر فبراير/ شباط، عندها كانت عائلة رضا علي، المكوّنة من والده (82 عاماً)، ووالدته (83 عاماً)، وشقيقه (44 عاماً)، قد قضوا أسبوعاً في مشهد، حيث كانوا هناك في زيارة دينية، كما يفعل الكثير من المنتمين للطائفة الشيعية من البحرينيين. يقول رضا: "بعد اكتشاف الحالات في مدينة قم الإيرانية، تفاقم الوضع بسرعة كبيرة وعلّقت خطوط الطيران نشاطها. حاولنا إرجاع العائلة عبر خطوط طيران مختلفة وتواصلنا مع وزارة الخارجية لكن الوضع بقي دون حل، وتعقّد المشهد أكثر مع إخلاء وزارة الخارجية مسؤوليتها ومررتنا لوزارة الصحة، بعدها للأسف الشديد تعرض والدي لوعكة صحية تدهورت خلالها حالته الصحية فتوفي في صباح السابع من مارس/ آذار 2020"، خلال حديث له مع "أوريان 21".
ويؤكد رضا، الذي شكّل لجنة لأهالي العالقين البحرينيين في إيران وأصبح المتحدث باسمها، أنه "لا يزال الحال على ما هو عليه اليوم، دون تجاوب أو تعاطٍ رسمي. المواطن اليوم فاقد للبوصلة، لا يعلم لمن يتجه أو لمن يوجه استفساره".
أما أم فاطمة، فتقول لـ"أوريان 21": "الوضع النفسي للذين بقوا في إيران سيئ، حيث لا يعلمون متى سيعودون إلى البحرين، وقد تواصلت عائلاتهم مع الخارجية لكن دون مجيب. كما أن الوضع الصحي غير مستقر، فالكثيرون نفد دواؤهم للأمراض المزمنة، وبعض الأدوية لا تتوفر. والسبعة الذين توفوا أشاعوا حالة من الذعر والقلق على مصير الباقين، أما بالنسبة للجانب المادي، فالبعض تكفلت الدولة بمصاريفهم عبر الأوقاف الجعفرية [[كلف ملك البحرين إدارة الأوقاف الجعفرية بمتابعة احتياجات البحرينيين الموجودين في الخارج إلى حين عودتهم إلى البحرين، من سكن ومأكل وأدوية]]، إلا أن ذلك لا يشمل الجميع وخصوصاً من لم يسافروا عبر مكاتب السفر والسياحة، وقد اقترضنا المال لتوفير أبسط احتياجاتنا اليومية".
ينشر بالتزامن مع موقع "أوريان 21".