بحثاً عن الشرق الضائع

18 نوفمبر 2014
+ الخط -
"بحثًا عن الشرق الضائع" كتاب رْوا الأخير عبارة عن حوارات مطوّلة. وتشغل أفغانستان فيه حيّزًا واسعًا، إذ ذهب الكاتب إليها حين كانَ شابًا: "كنتُ أريد ارتياد أماكن لم تطأها أبدًا قدَم "الرجل الأبيض".

ثمّ قرّر سنة 1980 تغييرَ نمط حياته والسفر من جديد إليها: "كنتُ أعرفُ أنّ الغزو الروسي حدثٌ كبير. وبغض النظر عن نوايا البلدان الغربية وسياساتها، فقد كانت بحاجةٍ إلى متابعة الوضع وإدراكه. إلا أن قلائل كانوا يعرفون هذا البلد. وكان يجب توفرّ خبراء فيه، وكنتُ واحدًا منهم".

استمّر روا بالسفر سنويًا إلى أفغانستان من وقتها وحتّى عام 1988 (خلا عام 1986) فعدّها: "مغامرة وأرضًا لأبحاث رائعة، لأنّي كنتُ على اتصالٍ مُباشر بالمجاهدين، لم أكن أستطيع التحدّث إليهم فحسب، بل كنتُ قادِرًا على فهم حيواتهم وخياراتهم وتدوينها". لم تكنْ أفغانستان "نزهةً بحثيةً" لرْوا، بل كانت تجربةً إنسانيةً مؤلمة: "كنّا شهودٌ مباشرون على صراعات بين أفغانيين تنتهي بقتلى... صديقي الكبير بهاء الدين مجروح، الشاعر والفيلسوف، تمّ اغتياله في بيشاور سنة 1980".

وساعد وجوده في أفغانستان، في فهمه لكثيرٍ من الأشياء ولدراسة ظواهر بعينها؛ طريقة إدارة المجاهدين للمناطق القروية، والعلاقات المعقّدة مع الوجهاء التقليديين، وتغيّرات الزعامة المحليّة، وتوزيع السلاح، والإثنيات والقبائل، وغيرها. 

في الكتاب فصلٌ معنونٌ بـ "فشل الإسلام السياسي"، وهو عنوان أحد كتب رْوا الشهيرة. ويقرّ الكاتب أن العنوان أسيء فهمه: "كما لو أنّي أُعلنُ اختفاء المرجعية الإسلامية في الحياة السياسية، أو استحالة عودة الإسلاميين إلى السلطة.

وهو شيءٌ عبثي. إنه في الحقيقة كِتابٌ يفسّر الفشل البنيوي للإيديولوجية الإسلامية لسببين: إمّا أن الدين يُدمّر الدولة، وإمّا أن الدولة تُدمّر الدين". ويعرّج الكاتب على ما حصل معه في قمّ أثناء إلقاء محاضرة عام 1995، وكان الجمهور من الملالي، وطُلب منه تبرير العنوان إيّاه: "وكان جوابهم على المأزق الفكري الذي وضعتُهُم فيه، أن الشيعة خِلافًا للسُنّة، لديهم مفهوم "آية الله العظمى"، وبمعنى واسع "القائد الأعلى"، وهو ما يَحُلّ التناقض بين السلطتين. سألتهم: "ولكن من الذي يقرّر من يكون المرشد؟" عمّ الصمت.

فقام أحد الملالي الشباب من القاعة وصاح: كلاشينكوف! غرقتْ نصف القاعة بالضحك بينما احتجّ نصفها الثاني". استند رْوا إلى الربيع العربي، ليؤكّد أنه "ما زال راضيًا عن كتابه وعنوانه. وأضاف "حزب النهضة الذي وصل إلى السلطة بعد الربيع التونسي، انتهى به الأمر إلى التصويت على الدستور الأكثر علمانية في العالم العربي، الذي لا يكتفي بعدم أسلمة أي شيء، بل يطرح مبدأ حرية الضمير، أي الحق في تغيير الديانة أو الإلحاد.

وفي ما يخص مصر، فنحن نرى كيف أن "الليبراليين" العلمانيين لم يكونوا ديمقراطيين أبدًا، وبدلًا من أن يتركوا الإسلامويين يغرقون في "سوء" إدارة السلطة، منحوهم فرصة الشفاء في المعارضة". 

تصعبُ جدًا الإشارة لكلّ ما يتضمّنه الكتاب، لكن نختم بقراءته لتنظيم القاعدة: "كنتُ من أوائل من أكّد أن مسألة معتنقي الإسلام الجدد هي مفتاح القاعدة.... ومن خلال مقارنة القاعدة بمنظمات كاليسار البروليتاري في فرنسا في سبعينيات القرن الماضي، كنتُ أرى فعلًا منطق التجذّر والجنون الذي يسود في أوساط شباب ضائعين".

المساهمون