تشتغل الفنانة المصرية بتول الحناوي بشكل أساسي على فكرة التوثيق، وكيف تُبنى السرديات، سوءً أكانت سياسية أم فنية أم أكاديمية أم تاريخية، ثم كيف تُبنى شبكة من السرديات من العلاقة التي تتكون بين هذه السياقات المختلفة، وذلك بهدف فهم سلطة المعنى على أي عملية إنتاج ثقافي، ومقارنتها بالحرف التي لا تحتاج إلى معنى يعيش تحت أبويته من يقومون بإنتاج هذه الحرفة، من ذلك عمل البنائين على سبيل المثال.
تتناول الحناوي ذلك ضمن ورشة تحت عنوان "حظ الحياة للروح" تقام حالياً في "دارة الفنون" وتتواصل حتى يوم غدٍ الأحد، ضمن فعاليات "المختبر" التي تستكشف أفكاراً جديدة لدى الفنانين المشاركين حول الثقافة والفن والمجتمع المحيط.
تختار الفنانة لورشتها، التي ستُنتج عنها قصصاً بحثية قصيرة مكتوبة ومصورة، عنوان دور قدمه الفنان المصري صالح عبد الحي. وعن ذلك تقول لـ "العربي الجديد": "من خلال الأغنية أستكشف إن كان الحظ شيئاً مادياً يمكن إمساكه، وهو يستخدم في الأغنية زمن المبني للمجهول. شعرت أن في ذلك شيئاً من الفروسية، وهو ما يحيل إلى علاقة ذات خصوصية بالمهنة أو الحرفة، وهي في هذه الحالة الغناء".
وتضيف: "لدراسة السرديات وتأثر الأعمال بالسياق، اخترعت عدة نماذج مثل أغنية عبد الحي، أو الإصلاح الزراعي في مصر، ثم الانفتاح، وهجرة العمال المصريين، والصور وبعض الأفلام، وقبل كل شيء فكرت في علاقة الماء بالإسمنت، علاقة ذلك الطبيعي المنساب بالصلب والمصنّع وما ينتج عنها من بناء".
اشتغلت الحناوي على فكرتها من خلال فيلم قصير مدته ست دقائق تحت عنوان "تقرير التربة"، بالتعاون مع الفنانين منى ليزا علي وأحمد سلامة وناديا جوهر، وفيه محاولة لبناء سردية فيلمية حول الماء ومنطق الماء من خلال عرض شخصيات لا يتمكن أي منها من أن يتحول إلى شخصية أساسية، يتحدث الجميع عن الماء والإسمنت والشكل، وكيف يفصح الشكل عن شيء ما.
تقول إنها مهتمة بفعل التوثيق وترى أنه فعل يأخذ شيئاً متحركاً وحياً ويحوله إلى شيء جامد في صورة مثلما يفعل الإسمنت بالماء، وفي الوقت نفسه تتحرك الصورة، وبالتالي يجري خلق معنى ما يؤدي إلى خلق بناء، أي تكوين سرديات ومعنى ما، وحول هذا المعنى تتأسس علاقات تعيش على نشأته واستمراريته وفقدانه.
الورشة مقسمة إلى ست جلسات؛ كل جلسة لها موضوع مختلف؛ بعضها يتناول موسيقى الطقطوقة من منظورين مختلفين؛ شخصي وأكاديمي، ثم تنتقل إلى قراءة الفيلم ثم الصورة وفلسفة الصورة، وكل مرة من خلال منظورين، وكأن الفنانة تؤسس لبناء لولبي يتكون من سرديتين كل مرة.
من الأمور التي تتطرق إليها أيضاً في السياق السياسي، الإصلاح الزراعي في مصر، ثم الانفتاح، وكيف أدى ذلك إلى علاقة تصفها بـ "الغريبة" بين حرفتي البناء والزراعة (المزيف والطبيعي)، وخلق نوعاً من "الاستدامة غير الواقعية" نتجت عن "فشل تشريعي وتنفيذي من الحكومة".
تدرس الفنانة أيضاً هجرة العمالة المصرية إلى الأردن بشكل خاص، ثم إلى العراق وليبيا، معتبرة أن هناك "الكثير مما يمكننا أن نتعلمه كفنانين من الحرف التي لا يوجد لها سردية مكتوبة أو مسموعة، فالحرفة تعيش وحدها وليس تحت مظلة أبوية تتعلق بمعناها بالنسبة إلى المجموعة التي أنتجتها، بعكس الفن".