باولو سورينتينو: شخصيات تقفز من شبابها

13 مارس 2016
(الممثل البريطاني مايكل كين في لقطة من الفيلم)
+ الخط -

يبدو أن معاندة لجان تحكيم مهرجان "كان السينمائي" لأفلام المخرج الإيطالي باولو سورينتينو (1970)، صارت فألاً حسناً له؛ فبعدما مرّ فيلمه "الجمال العظيم" من دورة 2013، من دون أن ينال سعفته، حاز الفيلم بعدها على جائزة غولدن غلوب وجائزة أوسكار، لأحسن فيلم أجنبي، ووصفه النقاد بالتحفة السينمائية.

أما فيلمه الأخير "شباب" فلم يقنع هو الآخر لجنة تحكيم الأخوان كوين، ومرّ من دورة "كان" الماضية من دون سعفة أيضاً، لكن سورينتينو حصل بعدها على جائزة أفضل فيلم أوروبي لسنة 2015.

ينأى المخرج الإيطالي في "شباب" عن الخط الإخراجي الذي عُرف به، والذي يمكن أن نُرجع كثيراً من تفاصيله إلى ميراث سينما فليني، خصوصا فيلم "الجمال العظيم" (2013) الذي يتردّد فيه صدى "الحياة الحلوة" (1960) لمعلمه. السينما التي يصنعها هنا تخفي مرجعيتها الواقعية التي انتسب إليها هو ومجايلوه.

يدعو فيلم "شباب" إلى الكثير من التأمل، فالتأمل هو صانع الدراما هنا، حيث تجتمع العديد من الشخصيات في منتجع استشفائي في جبال الألب؛ يلتقي الموسيقار المتقاعد فريد بالينجر وصديقه المخرج مايك بويل (أداء هارفي كيتيل). في نفس المكان نجد أيضاً الممثل الشاب جيمي تريي المحبط الذي لا يذكره الجمهور إلا من خلال فيلم تجاري خيالي ولا يذكر أفلامه الأخرى الجميلة.

قصد هؤلاء المكان نفسه للتخلص من إحباط قديم، بالينجر يحاول تجاوز فترات سيئة من حياته، مع ابنته التي لا تقدّر ما بذله من أجل إسعادها ويفتقد زوجته التي تعاني من مرض لا شفاء منه، يرفض طلب لمبعوث الملكة إليزابيث كي يحيي حفل عيد ميلاد الأمير فيليب بقيادة أوركسترا تعزف واحدة من سيمفونياته.

أما صديقه هارفي فيحاول برفقة طاقمه أن ينهي سيناريو فيلمه الجديد الواحد والعشرين الذي يحلم أن يجد فيه ذاته، فيلم يكون الأخير والعظيم؛ يصفه بأنه إنجيله الخاص ووصيته الأخيرة للعالم، يتصل بالممثلة الهوليودية بريندا موريل (تمثيل جين فوندا) التي لم تأتِ لمناقشة الفيلم الجديد، بل لتخبر هارفي أن أفلامه صارت مثيرة للشفقة وأنه يعيش في الماضي، وأنها لن تشارك في عمله الجديد لأنها ارتبطت بعقد للعمل في التلفزيون، هذه المصارحة عذّبت هارفي الذي شعر أنه لم يعد يرغب في شيء، وفجأة أثناء حديثه مع بالينجر، يقصد الشرفة ويقفز واضعاً حداً لحياته.

يستمر سورينتينو هنا في رثائه الشاعري للفن، وجعله محرّكاً لأغلب حوارات الفيلم، الفنّان يخاف من النهاية أكثر من غيره. نجح المخرج الإيطالي في الوصول بنا للعيش مع الشخصيات داخل عالمهم الفارغ والمفزع؛ زوايا تصوير واسعة تؤطّر أحياناً شخصيات ثانوية، فيظهر الكل مرتعباً رغم جمال المكان.

ولع المخرج بالكرة وبفريق نابولي مسقط رأسه ظهر أكثر في فيلم "شباب"، فبعدما عبّر أثناء فوزه بالأوسكار عن امتنانه لأسطورة الأرجنتين دييغو مارادونا الذي أصبح جزءاً من تاريخ نابولي، ها هو الآن يجعله شخصية من شخصيات الفيلم حيث يظهر بديناً ويحاول التخلص من مشاكل التنفس، في مشهد يلعب بكرة تنس ويفعل بها ما يعجز عن فعله بالكرة لاعبو اليوم. لكن لا شيء يدوم فحياة الشباب لا تعود.

ينتهي الفيلم بتشكيل من النهايات، بالينجر يقبل دعوة الملكة ويقود الأوركسترا، ابتنه تتخلص من خوفها وتتعلم تسلق الجبال، وهارفي ينتحر ولا يستطيع إخراج فيلمه الحلم. أي أنها خاتمة تنتصر لحق النهاية أن تأخذ مكانها الطبيعي في نهاية المطاف.


اقرأ أيضاً: "المريخيّ": لا جديد بين المجرّات

المساهمون