بان كي مون يُعبّر عن قلقه

22 أكتوبر 2014

بان كي مون في غزة (14أكتوبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

يقول أحد الظرفاء في موقع "فيسبوك": أفضل مهنة في العالم، وظيفة بان كي مون، عمله فقط أن يُعبّر عن قلقه".

قررت أن أتأكد من صحة القول، فوضعت عبر محرك "جوجل" هذه الكلمات: "بان+ كي+ مون+ عبر+ عن+ قلقه"، فعثرت، بالفعل، على عدد هائل لا ينتهي من التصريحات التي يعبر فيها المسؤول الأممي الأكبر عن "قلقه"، من "كل شيء".

فبان كي مون يعبر عن قلقه إزاء أعمال العنف بين الهند وباكستان، وتصاعد القتال في شرق أوكرانيا، وإزاء التوتر في كشمير، والاستيطان الإسرائيلي، وتفاقم الأزمة في العراق، والأوضاع في الموصل، والاعتقالات بالضفة الغربية، وسيطرة "داعش" على الموصل. كما يعرب عن قلقه إزاء ما يجري في مجمع داداب فى كينيا، وعن قلقه العميق (هذه المرة كان عميقا) إثر هجوم "داعش" على بلدة عين العرب.

ويعرب بان كي مون عن قلقه إزاء تصرفات بعض قادة العالم اللاأخلاقية، وإزاء أحكام الإعدام الجماعية في مصر، ومن الوضع الإنساني في كوريا الشمالية، وتدهور الوضع في غزة، وتدهور صحة المعتقلين الإداريين الفلسطينيين، وعدم إحراز تقدم بشأن عملية السلام بين السودان وجنوب السودان، وعن قلقه إزاء احتمال عودة المتشددين للقتال في مالي، وعن قلقه بشأن قطع المياه عن حلب، وعن قلقه إزاء سلاح حزب الله. ويعرب عن قلقه العميق بشأن نزوح السكان من تلعفر وسنجار، وعن قلقه الشديد جراء أعمال العنف التي شهدتها القاهرة. وأعرب عن جزعه (جزعه وليس قلقه) من سيطرة "داعش" على مناطق جديدة في العراق، وعن قلقه من الأوضاع في ليبيا.

ولم ينسَ كي مون أن يعرب عن قلقه من حادثة اختطاف ثلاثة مستوطنين في الضفة الغربية، وإزاء تصاعد العنف في دارفور، وحيال رفض حماس "المبادرة المصرية" لوقف القتال. وعبر عن "قلقه" من دعوات للهجوم على فندق في ساحل العاج، وإزاء التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين، وتجاه أوضاع اللاجئين السوريين في إقليم كردستان.

وحتى حقوق "الشواذ"، لم تسلم من "قلق" السيد كي مون، فقد أعرب عن الصفة السالفة الذكر، إزاء قانون "حظر زواج مثليي الجنس في نيجيريا"، وعبر عن قلقه كذلك من اعتداءاتٍ جنسيةٍ تتعرض لها المتظاهرات في مصر، وعن قلقه بشأن ناشط حقوقي معتقل في البحرين.

زار كي مون قطاع غزة، الأسبوع الماضي، وعبّر، بالطبع، عن قلقه حيال الأوضاع الصعبة في القطاع، وعن قلقه إزاء الاستيطان الإسرائيلي في القدس الشرقية.

بالطبع، لا ينبغي أن نأمل من أي أمين عام للمنظمة الأممية، أكثر من "إبداء القلق"، تجاه ما يتعرض له المستضعفون في الأرض من ظلم وقهر، فهو كبير موظفي المنظمة، وليس مالكها، وهو، بلا شك، مدرك تماماً المطلوب منه، شرطاً لبقائه على رأس وظيفته الرفيعة. لكننا نود أن نذكر السيد كي مون بقصةٍ ليست مسلية، حدثت يوم 1-8-2014، في مدينة رفح، حيث أصدر تصريحاً صحافياً، هاجم فيه حركة حماس، بسبب "خرقها التهدئة" (اعتمد فقط على الرواية الإسرائيلية، حيث نفت حماس ذلك)، في وقت كانت فيه إسرائيل تدك مدينة رفح عشوائياً، مرتكبة مجزرة بشعة، دمرت خلالها البيوت على رؤوس أصحابها، وسفكت دم الأطفال في الشوارع، وقتلت، في ساعات، أكثر من مائة شخص، وجرحت مئات. وقتل في المجزرة عشرة كانوا يحتمون في مدرسةٍ تابعةٍ لوكالة أونروا، إحدى منظماته التي يفترض أنه يشرف عليها.

وربما لهذا السبب، لم يختر كي مون هذه المدرسة بالذات، ليجري فيها مؤتمره الصحافي، واختار مدرسة "أبو حسين"، في شمال قطاع غزة. وقد أكون مخطئا في اعتقادي، فهؤلاء ساسة "بلا ضمير، بلا مشاعر، بلا أخلاق، بلا أحاسيس".

كنت أتمنى أن تستقبله مظاهرة في غزة، تحمل لافتة كبيرة، يكتب عليها: "السيد بان كي مون.. نرجو أن تعبر عن قلقك في مكان آخر".

EE1D3290-7345-4F9B-AA93-6D99CB8315DD
ياسر البنا

كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في قطاع غزة