باراك أوباما يرخي بظلاله على معارك الديمقراطيين

12 اغسطس 2019
محاربة إرث أوباما أساسية للديمقراطيين (غريغوري شاموس/Getty)
+ الخط -

حين خرج رونالد ريغان من الرئاسة عام 1989، أصبح رمزاً عند الجمهوريين لأنه كان محورياً في صعود التيار المحافظ وجنوح المجتمع الأميركي نحو اليمين. أما باراك أوباما، وبعد أكثر من عام ونصف على خروجه من الحكم، فقد وصلت شعبيته إلى 60 في المائة بين الأميركيين و90 في المائة بين الديمقراطيين، بحسب استطلاع رأي لمؤسسة "غالوب"، لكن اتجاهاً بدأ في الفترة الأخيرة بين مرشحي الرئاسة الديمقراطيين بالهجوم العلني على إرث أوباما الذي يتجه ليكون جزءاً رئيسياً من الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي، بدلاً من أن يكون رمزاً لوحدة الليبراليين. جلد الذات هذا في الحزب الديمقراطي يعود إلى سببين رئيسيين. أولاً، لأن أوباما كان يجسد يسار الوسط، أي هذه التسوية الأيديولوجية البراغماتية التي ارتاح لها الديمقراطيون، لكن مع نهاية ولايته الرئاسية الثانية بدأ صراع مفتوح لم يُحسم بعد بين الليبراليين. ثانياً، لأن نائب الرئيس السابق جو بايدن يترشح على افتراض أنه امتداد أو يمثل إرث أوباما، وبالتالي هجوم مرشحي الرئاسة الديمقراطيين على بايدن أصبح الطريقة الأمثل لإضعافه.

في انتخابات عام 2016، كانت هناك معركة كسر عظم بين المؤسسة الحاكمة في الحزب التي مثّلتها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وبين التيار اليساري بقيادة السيناتور بيرني ساندرز. كلينتون حينها حصلت على دعم أوباما واستغلت نفوذها لتقويض التيار اليساري، ما أدى إلى انقسام الحزب وربما كان من أبرز الأسباب وراء خسارتها السباق الرئاسي أمام دونالد ترامب. أما الاتجاه في انتخابات عام 2020 فهو مختلف. توسع التيار اليساري ليضم مرشحة الرئاسة السيناتورة إليزابيث وارن المتحالفة ضمنياً مع ساندرز، فيما يتصارع مرشحو التيار الوسطي للتمايز عن بعضهما البعض، ويبقى بايدن الذي يدّعي تمثيل آخر قيادة مرت على الحزب الديمقراطي.

وفيما يركز التيار اليساري على العناوين العريضة وعلى ترامب، اعتمد مرشحو التيار الوسطي خلال المناظرة الرئاسية الأخيرة بين الديمقراطيين نهاية الشهر الماضي، على تكتيك التعرض لسياسات إدارة أوباما في ملفات مثل الرعاية الصحية وترحيله المهاجريين غير الشرعيين والتبادل التجاري. ما دفع بايدن إلى التصريح بعد المناظرة: "آمل أن نتحدث في المناظرة المقبلة عن كيفية إصلاح الأمور التي كسرها ترامب، وليس كيف قام باراك أوباما بكل هذه الأخطاء التي لم يفعلها". المرشح الرئاسي السيناتور كوري بوكر صرح لقناة "أم أس أن بي سي" دفاعاً عن انتقاده لإدارة أوباما: "لا شيء يبقى من دون انتقاد". فيما انتقد المرشح الرئاسي وزير الإسكان الأسبق جوليان كاسترو دفاع بايدن عن سياسات أوباما حيال ترحيل المهاجرين غير الشرعيين بالقول: "أحدنا تعلم من دروس الماضي والآخر لم يتعلم". وترامب، كما هو متوقع، دخل على الخط وقال في مهرجان انتخابي في سينسيناتي: "الديمقراطيون أمضوا وقتاً أطول يهاجمون أوباما من وقت مهاجمتي".

سيل الانتقادات هذا جعل مسؤولين سابقين في إدارة أوباما يخرجون عن صمتهم دفاعاً عنه. وزير الدفاع الأسبق إريك هولدر كتب في تغريدة على "تويتر" للديمقراطيين: "حذاري الهجوم على سجل أوباما. ابنوا عليه، قوموا بتوسيعه. لكن تكسبون قليلاً لنفسكم ولحزبكم من خلال الهجوم على رئيس ديمقراطي ناجح جداً ولا تزال لديه شعبية". هذا الضغط السياسي داخل الحزب أدى إلى تراجع منسوب الانتقادات ضد أوباما وجعل المرشحة الرئاسية السيناتورة كامالا هاريس، التي تشكل أكبر تهديد لبايدن في وراثة أوباما، تبدي ليونة أكثر وتصف أوباما في مقابلة مع قناة "أم أس أن بي سي" بأنه "رئيس استثنائي وربما أفضل رئيس أو أحد أفضل الرؤساء في حياتنا". هذا التراجع في انتقاد أوباما تعزز بعد آخر موجة من حوادث إطلاق النار الجماعي، حين نظر الليبراليون مرة أخرى إلى قائدهم الفعلي ليتحدث باسمهم، فأصدر أوباما بياناً انتقد فيه خطاب ترامب الذي "يغذي مناخ الخوف" وطلب من الأميركيين رفضه لأن هذه اللغة "ليس لديها مكان في سياستنا وفي حياتنا العامة".



لكن طبعاً هذه الإشكالية لن تنتهي وليست هناك ضمانة أن المناظرة الرئاسية المقبلة لن يتخللها تجديد الهجوم على أوباما، في محاولة لتقليص تصدر بايدن لاستطلاعات الرأي في الانتخابات التمهيدية عند الديمقراطيين. على عكس هيلاري كلينتون التي كانت لديها قاعدتها الشعبية، بايدن الذي يتعثّر في السباق الرئاسي لا يملك خياراً سوى التمسك بحبل نجاة أوباما لوقف النزيف البطيء لحملته الرئاسية. لكن أوباما يبدو أنه حسم القرار بعدم التدخّل قولاً أو فعلاً في الانتخابات التمهيدية ليحافظ على مكانته في الحزب الديمقراطي ويتفادى تكرار خطأ دعم كلينتون في انتخابات 2016. أما بالنسبة لفريق أوباما السابق الذي لديه حضور إعلامي وسياسي قوي، يبدو منقسماً في هذه الانتخابات التمهيدية، وهناك على سبيل المثال المستشار السابق المقرب من أوباما، ديفيد إكسلرود، الذي ينتقد أداء بايدن علناً في مقابلاته التلفزيونية ويبدي إعجابه بحملة إليزابيث وارن.

الديمقراطيون أمام مفترق طرق في الأشهر المقبلة مع اقتراب مرحلة الحسم في الانتخابات التمهيدية. إذا لم يتعثر بايدن لوحده، قد يعود خيار تقويض إرث أوباما كحل أمثل لقطع الطريق عليه. هذا يعني معركة كسر عظم حذر منها أولاً كبير موظفي البيت الأبيض في عهد أوباما، رام إيمانويل، كي لا يكرر الديمقراطيون خطأ انتخابات الرئاسة عام 1968. حينها كان صعود اليمين وريتشارد نيكسون في مرحلة طبعتها حرب فييتنام في ظل انقسام الديمقراطيين بين ثلاثة تيارات: الطبقة العاملة البيضاء، الليبراليين في شمال الولايات المتحدة المعترضين على حرب فييتنام، والقيادة التقليدية التي فقدت في ذلك الوقت قدرتها على توحيد الحزب. والنتيجة كانت ليس فقط فوز نيكسون بل صعود موجة المحافظين التي أوصلت رونالد ريغان وجورج بوش الابن ودونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ولم يحصل أي رئيس ديمقراطي منذ فرانكلين روزفلت في انتخابات عام 1944 على تجديد ولايته سوى باراك أوباما وبيل كلينتون.

لا يُعرف بعد ما هو حكم التاريخ النهائي على آخر ديمقراطي تولى الرئاسة، لا سيما أن دونالد ترامب لا يزال يسعى جاهداً لإلغاء مفاعيل إرث سلفه. وعلى الرغم أن هذه المحاولات فشلت حتى الآن، لكن ترامب أضعف ركائز إرث أوباما، لا سيما قانون الرعاية الصحية واتفاق التغير المناخي والاتفاق النووي مع إيران، لكنه يستفيد من الاقتصاد القوي الذي ورثه من أوباما والذي كان أفضل بكثير من الركود الذي تركه الرئيس الأسبق جورج بوش الابن. إذا كانت الانتخابات العامة استفتاءً على رئاسة ترامب، يبدو أن الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي تتجه لتكون استفتاءً على إرث أوباما.


المساهمون