بؤس المدرسة... "لا تكن مدرساً في المغرب يا بني"

01 ابريل 2019
+ الخط -
ليست هذه بوصية لقمان الحكيم، ولكنها وصية الشارع المغربي التي التقطها جيل الغد. إنها لغة الشارع والحياة عندما تبدع في إفشال مخططاتنا، هكذا أردت التفاعل مع بؤس أولوية التعليم ببلادنا. فتذكرت يوما وأنا أكتب على جداري في الفيسبوك ما مفاده أن: "آخر ما بات يحلم به الشاب المغربي هو أن يكون مدرسا".

كانت تتطلب هذه الجملة بالنسبة إلي شجاعة لنشرها على جداري، خصوصا وأنا على يقين بأن عددا لا بأس به من التلاميذ وأصدقاء العمل سيقرؤونها.. ولتجنب إساءة الفهم أريد القول إن هذا القول لم يكن خيانة للمهنة التي آمنت بها وما زلت، ولا هي وعد وتهديد بالخيانة أو انتقام من الذات احتجاجا على بؤس الواقع، وإنما نوع من المصارحة والقول الصريح في الظروف التاريخية للإفشال والتواطؤ والضرب في رمزية الأستاذ والنيل من التعليم ببلادنا.

الحقيقة المخيفة التي لا يريد أن يعرفها أحد هي أن لا أحد من الشباب يريد أن يكون ذلك الأستاذ المغربي الذي بات يلهم المخيال الشعبي في النكتة. فالأستاذ المغربي يحضر في المجالس الشعبية كمهرج الشعب حتى لا أقول مهرج الملك..


فغالبا ما كنت أسمع أن الأساتذة شحيحون، ويضربون ألف حساب للدرهم قبل إخراجه، وأصحاب المقاهي يكرهون الأساتذة لكونهم يجتمعون بعشرة على "براد" من الشاي، والوكيل العقاري يتفادى التعامل مع الأساتذة لأنهم ليسوا كرماء ويكثرون من الحساب، وأبدع المخيال الشعبي في حبك نكت كثيرة بهذا الصدد..

ومرة صرح لي أحد الأصدقاء بأنه ما كان ليستمر في الدراسة وأكل الأوراق مثل الفأر ليكون في الأخير أستاذا يفطر ويتغذى بالطباشير، يقول هذا وهو يتذكر قولي ضاحكا، ويسألني: هل ما زلت على قولك أيام الجامعة: "إن الفكر لا يملأ الجيوب، بل العقول".. هكذا استمرت حكايتنا مع التحول الذي عرفته رمزية الأستاذ في المخيال الشعبي، ومعها حكايتنا مع أعطاب واقع التعليم بالمغرب.

وبما أن واقعنا بارع في السخرية، فمرة خلال نهاية السنة الدراسية أردت سؤال التلاميذ عن طموحاتهم في ما يخص الوظائف، وبدأت بأول الصف فراحت التلميذة تفكر، وأردت مساعدتها فقلت لها: ألا تريدين مثلا أن تكوني أستاذة؟.. فانتفضت قائلة "الله ينجيني"!..

هكذا ومن أمثلة كثيرة عرفت أن الله ما عاد يتلقى طلبات من الشباب معبرين له عن رغبتهم في أن يصيروا أساتذة، بل صار يتلقى طلبات جديدة رائجة اليوم في عالم الشباب المغربي، في طليعتها أن ينجيهم وينقذهم من أن يكونوا مدرسين.

وبهذا صرت أتصور مع كثرة الدعاية والحديث عن إصلاح التعليم بالمغرب، أنه لا إصلاح دون معالجة هذه النفسية المأزومة للأساتذة اليوم!. وتتم خطوة تجاه المصالحة، والمصالحة عندي مصالحات: مصالحة إرادية للدولة مع التعليم والمعلمين، مصالحة رجل التعليم مع ذاته، مصالحة التلاميذ مع المدرسة.. وبدون هذه المصالحات ستظل تلك التجهيزات والبنايات والمقررات مهما بلغت من الجودة مجرد جسد بدون روح، قابعا هناك في المضنون به على غير أهله.

ولكن، رغم ظن الأنظمة وتحكمها في السياسة التعليمية خدمة لمصالحها الأيديولوجية، ورغم قدم هذه الفكرة وانكشافها فإنها ما زالت تحظى براهنية. ولكن الفكرة الغبية القائمة خلف هذه العبقرية هي أن ربح الأنظمة قد يكون أكبر لو اهتم كل نظام بالتربية والتعليم والشأن الثقافي بالبلاد، لأن العصف الذي قد يأتي عبر التجهيل والتفقير يكون مدمرا وتراجيديا، وثمن التجهيل أغلى من ثمن التعليم.