انهيار الهدنة السورية... النظام يستأنف قصف حلب

19 سبتمبر 2016
DEDCB0A1-C01F-4195-B28D-F4DCFF6BC137
+ الخط -
كما كان متوقعاً، لم تصمد الهدنة في سورية أكثر من أسبوع، بعدما شكلت الأيام السبعة الماضية، منذ تاريخ دخول الهدنة السورية التي اتفق عليها بين الولايات المتحدة وروسيا وحتى يوم أمس الأحد، حيز التنفيذ، فرصة جديدة لتأكيد عدم جدية النظام السوري وحليفه الأبرز روسيا في الالتزام بأي اتفاق. الإعلان عن انهيار الهدنة تولته روسيا والنظام السوري بالتزامن. وبينما كانت وزارة الدفاع الروسية تتهم "الجانب الأميركي بأنه لم يقدم حتى الآن بيانات دقيقة حول المعارضة المعتدلة في سورية"، و"الفصائل المسلحة بأنها تستخدم الهدنة لإعادة تجميع قدراتها استعداداً لهجمات واسعة"، وتقول إن "التوتر يتصاعد في مدينة حلب وحولها مع استعداد المتشددين لشن عمليات عسكرية واسعة، كان النظام يستأنف قصفه المدفعي على بلدة حريتان شمال حلب.

وبالتزامن استهدفت غارات جوية الأحياء الشرقية في مدينة حلب السورية للمرة الأولى منذ بدء الهدنة وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. وبحسب المرصد السوري "استهدفت طائرات حربية أحياء كرم الجبل وكرم البيك والصاخور وحي الشيخ خضر في مدينة حلب بأربعة صواريخ، ما أسفر عن سقوط جرحى". ولم يتمكن المرصد السوري من تحديد ما إذا كانت الطائرات روسية أو سورية. 

وكانت الشكوك في إمكانية صمود وقف إطلاق النار قد بدأت منذ اليوم الأول للهدنة التي أعلنها الروس والأميركيون في سورية، الإثنين الماضي، على وقع خروقات متلاحقة من قوات النظام وحلفائه، بغطاء روسي، الأمر الذي أدى إلى مقتل وإصابة مدنيين بينهم أطفال في مناطق خاضعة للمعارضة السورية، فضلاً عن عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة.
كما جاء تصاعد وتيرة الاتهامات المتبادلة بين روسيا والولايات المتحدة، أمس الأحد، على خلفية غارة نفذها طيران التحالف الدولي، يوم السبت، عن طريق الخطأ على مواقع لقوات النظام في شرق سورية، ليزيد الشكوك في إمكانية صمود الهدنة لفترة أطول.
كما تعزز هذا الاحتمال بعد تصريحات وزارة الدفاع الروسية أمس التي شكلت استكمالاً لمحاولة تحميل واشنطن والمعارضة السورية مسؤولية انهيار الاتفاق، فضلاً عما تعكسه من تمهيد لاستئناف المعارك في حلب تحديداً، وهو ما تم بالفعل.
ويهدد انهيار الهدنة بسقوط كامل الاتفاق الأميركي الروسي، والذي تشكل الهدنة أحد بنوده فقط. ووسط استمرار تمسك الولايات المتحدة بعدم نشر كامل بنوده، واصلت روسيا سياسة ابتزاز الإدارة الأميركية من خلال تسريبات حول مضمون الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف في جنيف قبل أسبوع.


ضمن هذا السياق، نقل موقع "روسيا اليوم" عن صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" نشرها بنود الاتفاق. وإلى جانب ما بات معروفاً عن مسألة الهدنة التي بدأت لفترة يومين ثم تم تمديدها لفترة 48 ساعة آخرين، فإن الاتفاق نص وفقاً للصحيفة على أنه "إذا استمرت الأطراف المتنازعة في مراعاة الهدنة ستمدد لأسبوع، وتبدأ مرحلة جديدة". وأضافت التسريبات أنه "بعدها تبدأ الهدنة بإيصال المساعدات الإنسانية إلى حلب وبقية المدن والقرى المحاصرة". وبحسب الصحيفة أيضاً فإن "المساعدات إلى حلب تصل بشاحنات مختومة وتقوم بهذه المهمة منظمة الهلال الأحمر السورية. وفي الطريق إلى حلب يقيم الجيش السوري نقاط تفتيش للتأكد من سلامة الأختام. بعد ذلك تنتقل هذه المسؤولية إلى مراقبي هيئة الأمم المتحدة. وسيسمح بوصول الملابس والمواد الغذائية فقط". كما أنه، بموجب الاتفاق، "يحقّ لمواطني سورية، ومن بينهم المسلحون مغادرة المدينة بحرية من دون أي عائق والذهاب إلى الجهة التي يريدونها"، على حد قولها.

أما الأبرز، وفقاً للتسريبات الروسية فهو أن "روسيا والولايات المتحدة تشكلان بعد ثبات الهدنة، مركزاً تنفيذياً مشتركاً، للفصل بين مواقع المتطرفين: جبهة النصرة (جبهة فتح الشام) وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبين المعارضة المعتدلة. على أن يتم تبادل المعلومات بشأن هذه المواقع، ثم تبدأ عمليات قصف شاملة لمواقع المتطرفين من دون المساس بمواقع المعارضة المعتدلة". وكانت الإدارة الأميركية قد أكدت أن الخطوة التالية في الاتفاق، التي تتضمن تنسيقاً أوثق مع روسيا، سيتطلب تنفيذها "7 أيام متواصلة من الهدوء والوصول المستمر للمعونات الإنسانية إلى مستحقيها"، وهو ما لم يتم الالتزام به حتى الآن.

وأضافت التسريبات أن "الاتفاقية تتضمن تحديد منطقة لا يحقّ لطائرات القوات الجوية السورية الإغارة عليها. ولكن هذا لا يعني أنه لا يحق لها التحليق فوقها، وكل ما عليها هو التنسيق مع الجانب الروسي بهذا الشأن. وبحسب "روسيا اليوم" فإن الحديث "لا يدور عن كامل الأجواء السورية كما أراد الجانب الأميركي، بل فقط عن منطقة محددة". 



وعلى الرغم من كل ذلك، لم يلتزم النظام وحلفاؤه بالاتفاق، بل واصلوا استهداف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، كما واصلوا إعاقة وصول مساعدات إنسانية نصّ عليها الاتفاق الروسي الأميركي إلى مناطق تحاصرها قواته.

في هذا الإطار، وثّق الائتلاف السوري المعارض، 220 خرقاً من قوات النظام ومليشيات تساندها في محافظات سورية عدّة، موضحاً في بيان له أمس الأحد، أنّ "التوثيق لم يشمل المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش"، مشيراً إلى أنّه "اعتمد في الإحصائية على معلومات من ناشطين معتمدين من المناطق المستهدفة".

وأشار البيان إلى أنّ "القصف استهدف في معظمه مناطق مدنية، وجبهات خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة، وتنوع بين القصف المدفعي والجوي"، لافتاً إلى أنّ "عدد المناطق التي تم خرق الهدنة فيها، خلال اليوم السادس، بلغ 39 منطقة، في محافظات حمص، وحلب، وحماة، وإدلب، وريف دمشق، ودرعا، والقنيطرة".

ولم يلتزم نظام الأسد وحليفه الروسي باتفاق الهدنة، وشنّا غارات جوية على العديد من مناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وكان أبرزها يوم السبت، حين قُتل مدنيون، بينهم أطفال في ريف حمص الشمالي، من جراء قصف مدفعية النظام مدينة تلبيسة. كما أكد ناشطون أن طيران النظام، ومقاتلات روسية شنّت غارات استهدفت بلدتي تيرمعلة، والزعفرانة، ما أدى إلى احتراق منازل مدنيين.

وشنّت قوات النظام هجمات على بلدات عدة في محافظة إدلب، ما أدى إلى مقتل وإصابة مدنيين. وحاولت هذه القوات التقدم في أكثر من محور شرق العاصمة دمشق في الغوطة، وعلى جبهة جوبر، ولكنها لقيت مقاومة من قوات المعارضة، ما أدى إلى تكبّدها خسائر في الأرواح، وعودتها إلى مواقعها السابقة.

كما سُجّل الخرق في محافظة درعا، وفي محافظة القنيطرة جنوب غربي دمشق، وفي وادي بردى، وبلدة مضايا شمال غربي دمشق، وفي محافظة حماة، وسط البلاد. وأكدت حركة أحرار الشام، يوم الخميس، أنها تراقب عن كثب حشوداً لقوات النظام، شمال غربي سورية، لمهاجمة مدينة جسر الشغور، القريبة من الحدود السورية التركية، والتابعة لمحافظة إدلب.

من جهتها، أكدت مصادر في "الائتلاف الوطني السوري"، أن "حزب الله يواصل سياسة التغيير الديمغرافي في ريف دمشق، متحدياً بذلك اتفاق الهدنة المعلن". وأكدت المصادر أن "الحزب أنذر سكان كروم مضايا، البالغ عددهم حوالى ألف نسمة بإخلاء منازلهم"، مشيرة إلى أن "الأمر يندرج تحت سياسة التغيير الديمغرافي للمنطقة، ويأتي استكمالاً منه للسياسة الاستيطانية الاحتلالية الهادفة إلى تأمين الشريط الحدودي (مع لبنان) وتأمين مخازن الأسلحة التي أنشأها في مناطق غرب الزبداني، تحديداً عطيب، وكفر عامر، والشعرة".

وتُعدّ مسألة إدخال مساعدات إنسانية إلى مناطق تحاصرها قوات النظام ومليشيات موالية، هي العقدة التي لم تجد حلاً لها طوال أيام الهدنة بسبب مماطلة النظام في منح تصاريح للأمم المتحدة لإدخال قوافل مساعدات انسانية عالقة منذ أيام على الحدود السورية التركية إلى الأحياء الشرقية من مدينة حلب، التي تقع تحت سيطرة فصائل معارضة. ويهدد عدم تنفيذ بند إدخال المساعدات إلى المحاصرين بنسف الاتفاق برمته، خصوصاً أن واشنطن ربطت التزامها ببقية التفاهمات مع موسكو لجهة تفعيل مركز التنسيق العسكري.

وجاءت غارة طيران التحالف الدولي على مواقع لقوات النظام في دير الزور لتضيف تعقيداً آخر يهدد بانتهاء اتفاق الهدنة، ويقضي على الآمال بتمديدها من أجل عودة المعارضة والنظام إلى طاولة مفاوضات جنيف مرة أخرى. ولا يبدو أن "الأسف الأميركي" سيؤدي دوراً في تخفيف حدة التوتر بين واشنطن وموسكو، بعد تبادل الطرفان اتهامات وُصفت بـ"الحادة" في مجلس الأمن الدولي، ما يؤكد أن اتفاق وزيري خارجية البلدين، الروسي سيرغي لافروف، والأميركي جون كيري، لم يسهم في ردم هوة عدم الثقة بين روسيا والولايات المتحدة.



واعتبر المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي فيتالي تشوركين أن "الضربة الجوية نُفذت من أجل عرقلة اتفاق الهدنة"، متهماً الولايات المتحدة بـ"محاولة حماية جماعات إرهابية في سورية"، فيما اتهمت المندوبة الأميركية لدى مجلس الأمن سامانثا باور روسيا بـ"النفاق"، وبأنها "تدافع عن الأنظمة المستبدة في العالم"، مشيرة إلى أن "ممارسات موسكو في سورية لا تساعد على إنجاح اتفاق التهدئة".

من جهتها، ردّت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، على باور، قائلة إن "على الأخيرة زيارة سورية لمعرفة المعنى الحقيقي لكلمة خجل". و"نصحت" زاخاروفا في تدوينة لها على صفحتها على موقع "فيسبوك"، باور بـ"الذهاب لسورية وإمضاء وقت مع الناس هناك، ليس مع المعارضة المعتدلة، بل مع الناس العاديين، وتحدثي معهم عن إيصال المساعدات الإنسانية، وهو الموضوع الذي يقلق الولايات المتحدة للغاية".

وأضافت: "أنا ألتقي مع السوريين بصورة معتادة، ومع ممثلين عن الجماعات المعارضة في المدن إلى جانب الأطفال اليتامى ممن قدموا إلى روسيا لإعادة التأهيل، ومع الصحافيين أيضاً، لنذهب سوية (إلى سورية). سأتكفل بالتكاليف. لا تخافي لن يؤذيك أحد وأنت معي، طالما لا تخطئون (في إشارة إلى الغارات في دير الزور)".

بدورهم، اعتبر مراقبون أن "اتفاق كيري لافروف وُلد ميتاً، وأن قوات النظام خرقته منذ ساعاته الأولى، ما يؤكد عدم جدية هذا الاتفاق في الحد من العنف الذي يستخدمه النظام، وحليفه الروسي ضد المدنيين، وضد مواقع تابعة للمعارضة المسلحة".

وفي هذا الصدد، اعتبر المحلل العسكري العميد أحمد رحال، أن "طيران النظام ومدفعية جيشه، والمقاتلات الروسية لم تهدأ طيلة أيام الهدنة المفترضة، ما يؤكد أن اتفاق كيري لافروف هش، وغير قادر على الصمود". ولفت في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن "قوات النظام حاولت التقدم في العديد من المواقع، غير آبهة بالاتفاق".

وذكر رحال أن "ما جرى في دير الزور سببه سوء تقدير من قبل طيران التحالف الدولي"، ناقلاً رواية عما حدث عن مصادر داخل المدينة، تشير إلى أن "طيران التحالف لاحظ تقدم داعش من جبل الثردة، الذي يضمّ مخزوناً للنظام من غاز الخردل، فخشي من استحواذ التنظيم على هذا السلاح المحرّم دوليا، فنفذ ضربة مستعجلة على مواقع استعادتها قوات النظام من التنظيم فسقط هذا العدد الكبير من القتلى والمصابين". وأشار رحال الى أن الطيران الروسي "ارتكب خلال عام تقريباً عشرات المجازر بحق المدنيين السوريين، ولم تطلب واشنطن عقد جلسة واحدة لمجلس الأمن الدولي، ما يؤكد التخاذل الأميركي تجاه قضية الشعب السوري".

ذات صلة

الصورة
النازح السوري محمد كدرو، نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

أُصيب النازح السوري أيمن كدرو البالغ 37 عاماً بالعمى نتيجة خطأ طبي بعد ظهور ضمور عينيه بسبب حمى أصابته عندما كان في سن الـ 13 في بلدة الدير الشرقي.
الصورة
فك الاشتباك جندي إسرائيلي عند حاجز في القنيطرة، 11 أغسطس 2020 (جلاء مرعي/فرانس برس)

سياسة

تمضي إسرائيل في التوغل والتحصينات في المنطقة منزوعة السلاح بين الأراضي السورية ومرتفعات الجولان المحتلة، في انتهاك لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974.
الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
آثار قصف روسي على إدلب، 23 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

شنت الطائرات الحربية الروسية، بعد عصر اليوم الأربعاء، غارات جديدة على مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمال غربيّ سورية، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين.