يتحدث المفكر الفرنسي، غوستاف لوبون، عن أحد الأسباب الرئيسية، التي تسببت في انهيار الحضارة العربية في كتابه "حضارة العرب" إلى جمود النظم الإسلامية السياسية التي لم تتطور مع مرور الزمن، فأبقت بفعل النصوص الدينية جميع السلطات الدينية والمدنية والعسكرية بقبضة ولي أمر واحد، ثم يضيف: قد تسهم هذه النظم في تأسيس الدولة بسهولة، ولكنها لا يمكن أن تكون صالحة لبقائها: (والدول الكبرى المطلقة التي تكون جميع السلطات فيها قبضة رجل واحد، وإن كانت ذات قدرة عظيمة على الفتح، لا ترتقي إلا إذا كان على رأسها رجال عظماء، فإذا افتقدتهم تداعى كل شيء دفعة واحدة).
ومن المهم الإشارة إلى أن تحليلات لوبون تتحدث عن واقع معيش رصده من خلال بحوثه ودراساته في الحضارة العربية، وهو معذور إن لم يكن يدرك أن الإسلام لم يؤسس لأي نظم استبدادية شمولية، وأن النصوص تم ليّ كثير منها من المؤسسات الدينية الرسمية، أو وعاظ السلاطين وكهنتهم لتعطي القداسة لتلك الممارسات المارقة عن الأخلاق فضلاً عن الدين الذي جاء ليخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، في حين أن النصوص المقدسة في القرآن والسنة قدمت قواعد ومبادئ وأسساً عامة للحكم، ولم تفصل في شكل ذلك الحكم، أو آلياته، بمعنى أن الأمر يدخل في باب الاجتهاد والإبداع الإنساني بحسب متطلبات العصر، سواء كان شكل النظام ملكياً أم جمهورياً، كما ترك آليات اختيار ذلك الحاكم، أيضاً، للاجتهادات البشرية.
ولعل واقع ما حصل في الحضارة الإسلامية، منذ الخلاف السياسي الكبير في زمن الصحابة، تسبب في انحراف النظم السياسية الذي أسس للاستبداد، كما أشار إلى ذلك فيلسوف الحضارة مالك بن نبي.
وذلك الانحراف دعمه الفقه الإسلامي السياسي الذي هو في أساسه فقه تكيف مع واقع، وليس فقه اجتهاد، فيه العديد من الأفكار المرهقة التي باتت تشكل عبئاً كبيراً على وعي الجيل المسلم اليوم، حيث تتبادر العديد من الأسئلة المتضاربة حول الحاكم أو الخليفة، وشكل الدولة، وإننا نظلم الإسلام حينما ندعو إلى تطبيقه في أنظمة الحكم، وفي ذهننا صورة مشوهة لذلك التطبيق المحصور بين جلد ورجم وقطع وتعزير وقتل، في حين أن المسألة أكبر من ذلك بكثير، وقد لاحظ سلمان العودة، أن آليات الحكم لدى الغرب أقرب في تطبيقها للإسلام من الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي، كما أشار إلى ذلك في كتاب أسئلة الثورة، ويضيف أحمد الريسوني، الفقيه المقاصدي في كتاب فقه الثورة مراجعات في الفقه السياسي الإسلامي فيقول: (أما الفقه السياسي على وجه الخصوص، فهو يشتغل ويجتهد في مساحات وأقضية، هي دوماً متحركة متغيرة، ثم هو يخضع لمؤثرات إضافية، هي مؤثرات أشد وطأة مما في المجالات الفقهية الأخرى.
في جانب الأدلة الشرعية، نجد أن النصوص والأحكام المتعلقة بهذا المجال قليلة، أكثرها يتسم بالعمومية والكلية، ويشمل هذا المجال وغيره؛ كالنصوص الآمرة بالشورى، وبالعدل والإحسان، والحكم بما أنزل الله، والرد إلى الله ورسوله عند التنازع، وطاعة أولي الأمر، ولزوم الجماعة، والوفاء بالعهود...إلخ، ولذلك قال الإمام الجويني: "ومعظم مسائل الإمامة عارية عن مسالك القطع، وخالية عن مدارك اليقين". ومن هنا تكون المراجعة الدائمة والاجتهاد المتجدد للفقه السياسي أمراً واجباً، وليس سائغاً مقبولاً).
ومثل هذه التساؤلات والمجالات بحاجة إلى الكثير من تسليط الضوء من أجل توضيح رؤية شوهاء قادت العديد من الشباب المسلم إلى تبني تنظيمات تدعي تطبيقها الشريعة، فكانت محرقة لهم ولمجتمعاتهم الإسلامية، أو باتت تمثل عجزاً في إسقاط صورة تاريخية على حاضر معيش اليوم.
(البحرين)
ومن المهم الإشارة إلى أن تحليلات لوبون تتحدث عن واقع معيش رصده من خلال بحوثه ودراساته في الحضارة العربية، وهو معذور إن لم يكن يدرك أن الإسلام لم يؤسس لأي نظم استبدادية شمولية، وأن النصوص تم ليّ كثير منها من المؤسسات الدينية الرسمية، أو وعاظ السلاطين وكهنتهم لتعطي القداسة لتلك الممارسات المارقة عن الأخلاق فضلاً عن الدين الذي جاء ليخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، في حين أن النصوص المقدسة في القرآن والسنة قدمت قواعد ومبادئ وأسساً عامة للحكم، ولم تفصل في شكل ذلك الحكم، أو آلياته، بمعنى أن الأمر يدخل في باب الاجتهاد والإبداع الإنساني بحسب متطلبات العصر، سواء كان شكل النظام ملكياً أم جمهورياً، كما ترك آليات اختيار ذلك الحاكم، أيضاً، للاجتهادات البشرية.
ولعل واقع ما حصل في الحضارة الإسلامية، منذ الخلاف السياسي الكبير في زمن الصحابة، تسبب في انحراف النظم السياسية الذي أسس للاستبداد، كما أشار إلى ذلك فيلسوف الحضارة مالك بن نبي.
وذلك الانحراف دعمه الفقه الإسلامي السياسي الذي هو في أساسه فقه تكيف مع واقع، وليس فقه اجتهاد، فيه العديد من الأفكار المرهقة التي باتت تشكل عبئاً كبيراً على وعي الجيل المسلم اليوم، حيث تتبادر العديد من الأسئلة المتضاربة حول الحاكم أو الخليفة، وشكل الدولة، وإننا نظلم الإسلام حينما ندعو إلى تطبيقه في أنظمة الحكم، وفي ذهننا صورة مشوهة لذلك التطبيق المحصور بين جلد ورجم وقطع وتعزير وقتل، في حين أن المسألة أكبر من ذلك بكثير، وقد لاحظ سلمان العودة، أن آليات الحكم لدى الغرب أقرب في تطبيقها للإسلام من الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي، كما أشار إلى ذلك في كتاب أسئلة الثورة، ويضيف أحمد الريسوني، الفقيه المقاصدي في كتاب فقه الثورة مراجعات في الفقه السياسي الإسلامي فيقول: (أما الفقه السياسي على وجه الخصوص، فهو يشتغل ويجتهد في مساحات وأقضية، هي دوماً متحركة متغيرة، ثم هو يخضع لمؤثرات إضافية، هي مؤثرات أشد وطأة مما في المجالات الفقهية الأخرى.
في جانب الأدلة الشرعية، نجد أن النصوص والأحكام المتعلقة بهذا المجال قليلة، أكثرها يتسم بالعمومية والكلية، ويشمل هذا المجال وغيره؛ كالنصوص الآمرة بالشورى، وبالعدل والإحسان، والحكم بما أنزل الله، والرد إلى الله ورسوله عند التنازع، وطاعة أولي الأمر، ولزوم الجماعة، والوفاء بالعهود...إلخ، ولذلك قال الإمام الجويني: "ومعظم مسائل الإمامة عارية عن مسالك القطع، وخالية عن مدارك اليقين". ومن هنا تكون المراجعة الدائمة والاجتهاد المتجدد للفقه السياسي أمراً واجباً، وليس سائغاً مقبولاً).
ومثل هذه التساؤلات والمجالات بحاجة إلى الكثير من تسليط الضوء من أجل توضيح رؤية شوهاء قادت العديد من الشباب المسلم إلى تبني تنظيمات تدعي تطبيقها الشريعة، فكانت محرقة لهم ولمجتمعاتهم الإسلامية، أو باتت تمثل عجزاً في إسقاط صورة تاريخية على حاضر معيش اليوم.
(البحرين)