21 سبتمبر 2023
انكشاف إماراتي في اليمن
شهدت مدينة عَتَق، مركز محافظة شبوة اليمنية، الأسبوع الماضي، انقلاباً فاشلاً على السلطة الشرعية، قادته قوات النخبة الشبوانية التي تُعد أقوى التشكيلات المسلحة الخاضعة، قيادياً ومالياً، للحاكم الإماراتي في عدن، وتخضع شكلياً لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، الذي ينادي بانفصال جنوب اليمن عن شماله، وفي الوقت نفسه ترسم سياساته وتوجهاته دولة الإمارات، بوصفه البديل المرضي عنه، في الجنوب، بعد إزاحة السلطة الشرعية برئاسة عبد ربه هادي.
ليست محاولة الانقلاب هذه الأولى في المحافظات الجنوبية، منذ وصول قوات التحالف الإماراتي - السعودي؛ فقد سبقتها عدة محاولات نفذتها خلال العام الماضي وقبله، في عدن، قوات الحزام الأمني الخاضع للإمارات، والتي تصدّت لها ألوية الحماية الرئاسية؛ وهي قواتٌ ضاربة تتبع، مالياً، وزارة الدفاع، وعملياتياً رئاسة الجمهورية. ولكن الفرق بين الانقلابات السابقة والانقلاب الحالي أن الإمارات، هذه المرة، لم تسند قوات النخبة الشبوانية بطائرات الأباتشي، مثلما فعلت من قبل، على الرغم من أن النتيجة واحدة، وهي الفشل.
نبه كاتب هذه السطور في مقال سابق في "العربي الجديد" (10/5/2019) إلى أن مساعٍ إماراتية حثيثة تدفع إلى تنفيذ انقلاب دموي في مدينة عدن، يكون طرفاه المجلس الانتقالي
الجنوبي والسلطة الشرعية بقيادة الرئيس هادي، وتكون أدوات التصادم فيه وحدات الحزام الأمني (الإماراتي - الانتقالي)، وألوية الحماية الرئاسية في السلطة الشرعية، وأن نسخة جديدة من سيناريو أحداث يناير/كانون الثاني الدموية لعام 1986 ستقع. ويبدو أن الخطة نُقلت إلى مدينة عتق، لمبرّرات تكتيكية موضوعية، فرضتها المواقف الناشئة، فالرئيس هادي، لم يعد إلى عدن في عيد الفطر، كما كان متوقعاً، بل غادر الرياض إلى الولايات المتحدة، في رحلة قصيرة، قيل إنها علاجية. ومن هنا، فإن أي عملية خاطفة تستهدف قواته في عدن، من دون استهدافه شخصياً، لن تكون ذات قيمة موجبة في عملية الانقلاب على السلطة ككل.
ولكن لماذا عتق تحديداً؟ لماذا لا يكون الانقلاب في سيئون، مركز محافظة حضرموت (الوادي والصحراء)؛ بحيث يمهد لوجود قوات خاضعة للإمارات فيها، ولتلحق بعدن، وشبوة، وحضرموت (الساحل) التي مركزها مدينة (ميناء) المكلا؛ حيث لا تزال حضرموت (الوادي والصحراء) تحت سيطرة السلطة الشرعية؟ الملاحظ أن هنالك خطة انقلابية تنفذ مرحلياً، وتعتمد أولوية الأهم على المهم، فمحافظة شبوة تكاد تكون تحت السيطرة الإماراتية، من الساحل إلى العمق الصحراوي؛ إذ لم يتبق للسلطة الشرعية فيها، من المناطق الحيوية المهمة، سوى مديريتي عتق وبيحان، الأقرب إلى مدينة مأرب، حيث المركز السياسي الشرعي المتفلت من القبضة الإماراتية، فضلاً عن أن السيطرة على مدينة عتق، ومن ثم مدينة بيحان، تعني قطع خطوط الإمداد القادمة من مأرب، عن ألوية الحماية الرئاسية المرابطة في مدينة عدن، والقوات الأخرى المساندة لها، والتي تعمل نسقا ثانيا، في مناطق ساحلية من محافظة أبين المجاورة لمحافظة شبوة.
إلى ذلك، هنالك لواء مشاة مدرع، يرابط على الطريق الساحلي الدولي، في الحدود بين
محافظتي شبوة وحضرموت، ويخضع للقيادة الإماراتية المتمركزة في منطقة بلحاف؛ حيث مشروع غاز بلحاف المسال الاستراتيجي، وسبق أن حاولت الإمارات، قبل تسعة أشهر، الدفع بهذا اللواء، للانتشار في مناطق من حضرموت (الساحل)، إلا أن ذلك واجه رفضاً رسمياً ومحلياً؛ لأن كل مجنديه ينتمون إلى محافظات لحج والضالع وعدن.
لم يكن تموضع كتائب هذا اللواء، في هذه المنطقة عبثياً؛ بل إن هدفه قطع الطريق الدولي الساحلي الرابط بين حضرموت (الساحل والوادي) وشبوة، وأبين (مسقط رأس هادي)، وعدن؛ لإحداث تكامل تكتيكي بين أي عملية عسكرية تستهدف إسقاط السلطة الشرعية، في عمق شبوة (عتق وبيحان)، أو في عمق حضرموت (الوادي والصحراء- سيئون وتريم)، علاوة على أهمية هذه المنطقة اقتصادياً، ورفع يد السلطة الشرعية عنها وعن مواردها.
يأتي انقلاب شبوة الفاشل، ليؤكد النوايا الإماراتية المبيتة إزاء وحدة اليمن، وإثارة النزعات المذهبية والمناطقية الضيقة، وليكشف جلياً أنها لم تعد شريكاً مؤتمناً في ما يسمّى "التحالف العربي"، الذي استنجد به الرئيس هادي، للحفاظ على وحدة اليمن من التمزق، الجغرافي والمذهبي. ومما يزيد هذا الانكشاف وضوحاً، المحاولة نصف الانقلابية الفاشلة التي استهدفت، في الأسبوع الماضي نفسه، محافظ أرخبيل سقطرى، في المحيط الهندي (300 ميل عن رأس فرتك في محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عُمان)، الذي ضاق ذرعاً بالوجود الإماراتي القائم على الهيمنة، ومحاولة صهر الهوية السقطرية العريقة في الهوية الإماراتية الطارئة، بل وسعي الإمارات إلى جعل سقطرى جغرافيا منفصلة سياسياً عن اليمن، وربما ملجأ سياسياً لحكام الإمارات، في حال غرقت الإمارات في دوامة الحرب الأميركية الإيرانية المحتملة.
بعد هذا كله، لم يعد هنالك ما يبرّر للسلطة الشرعية اليمنية التمسك بدولة الإمارات، أو دولة الانقلابات، العربية المتحدة، شريكاً في التحالف العربي، وقد انكشفت نواياها تجاه هذه السلطة ووحدة اليمن. ولو استمر هذا الوضع على نمطه، فإن هذه السلطة ستغادر المشهد، ولكن لن يقر للإمارات قرار؛ فليست في القوة بقدر ما كانت عليه بريطانيا، ولا بالرجال بقدر ما كان عليه جمال عبد الناصر؛ فاليمن كبير، وعصي على أن يبتلعه صغير.
ليست محاولة الانقلاب هذه الأولى في المحافظات الجنوبية، منذ وصول قوات التحالف الإماراتي - السعودي؛ فقد سبقتها عدة محاولات نفذتها خلال العام الماضي وقبله، في عدن، قوات الحزام الأمني الخاضع للإمارات، والتي تصدّت لها ألوية الحماية الرئاسية؛ وهي قواتٌ ضاربة تتبع، مالياً، وزارة الدفاع، وعملياتياً رئاسة الجمهورية. ولكن الفرق بين الانقلابات السابقة والانقلاب الحالي أن الإمارات، هذه المرة، لم تسند قوات النخبة الشبوانية بطائرات الأباتشي، مثلما فعلت من قبل، على الرغم من أن النتيجة واحدة، وهي الفشل.
نبه كاتب هذه السطور في مقال سابق في "العربي الجديد" (10/5/2019) إلى أن مساعٍ إماراتية حثيثة تدفع إلى تنفيذ انقلاب دموي في مدينة عدن، يكون طرفاه المجلس الانتقالي
ولكن لماذا عتق تحديداً؟ لماذا لا يكون الانقلاب في سيئون، مركز محافظة حضرموت (الوادي والصحراء)؛ بحيث يمهد لوجود قوات خاضعة للإمارات فيها، ولتلحق بعدن، وشبوة، وحضرموت (الساحل) التي مركزها مدينة (ميناء) المكلا؛ حيث لا تزال حضرموت (الوادي والصحراء) تحت سيطرة السلطة الشرعية؟ الملاحظ أن هنالك خطة انقلابية تنفذ مرحلياً، وتعتمد أولوية الأهم على المهم، فمحافظة شبوة تكاد تكون تحت السيطرة الإماراتية، من الساحل إلى العمق الصحراوي؛ إذ لم يتبق للسلطة الشرعية فيها، من المناطق الحيوية المهمة، سوى مديريتي عتق وبيحان، الأقرب إلى مدينة مأرب، حيث المركز السياسي الشرعي المتفلت من القبضة الإماراتية، فضلاً عن أن السيطرة على مدينة عتق، ومن ثم مدينة بيحان، تعني قطع خطوط الإمداد القادمة من مأرب، عن ألوية الحماية الرئاسية المرابطة في مدينة عدن، والقوات الأخرى المساندة لها، والتي تعمل نسقا ثانيا، في مناطق ساحلية من محافظة أبين المجاورة لمحافظة شبوة.
إلى ذلك، هنالك لواء مشاة مدرع، يرابط على الطريق الساحلي الدولي، في الحدود بين
لم يكن تموضع كتائب هذا اللواء، في هذه المنطقة عبثياً؛ بل إن هدفه قطع الطريق الدولي الساحلي الرابط بين حضرموت (الساحل والوادي) وشبوة، وأبين (مسقط رأس هادي)، وعدن؛ لإحداث تكامل تكتيكي بين أي عملية عسكرية تستهدف إسقاط السلطة الشرعية، في عمق شبوة (عتق وبيحان)، أو في عمق حضرموت (الوادي والصحراء- سيئون وتريم)، علاوة على أهمية هذه المنطقة اقتصادياً، ورفع يد السلطة الشرعية عنها وعن مواردها.
يأتي انقلاب شبوة الفاشل، ليؤكد النوايا الإماراتية المبيتة إزاء وحدة اليمن، وإثارة النزعات المذهبية والمناطقية الضيقة، وليكشف جلياً أنها لم تعد شريكاً مؤتمناً في ما يسمّى "التحالف العربي"، الذي استنجد به الرئيس هادي، للحفاظ على وحدة اليمن من التمزق، الجغرافي والمذهبي. ومما يزيد هذا الانكشاف وضوحاً، المحاولة نصف الانقلابية الفاشلة التي استهدفت، في الأسبوع الماضي نفسه، محافظ أرخبيل سقطرى، في المحيط الهندي (300 ميل عن رأس فرتك في محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عُمان)، الذي ضاق ذرعاً بالوجود الإماراتي القائم على الهيمنة، ومحاولة صهر الهوية السقطرية العريقة في الهوية الإماراتية الطارئة، بل وسعي الإمارات إلى جعل سقطرى جغرافيا منفصلة سياسياً عن اليمن، وربما ملجأ سياسياً لحكام الإمارات، في حال غرقت الإمارات في دوامة الحرب الأميركية الإيرانية المحتملة.
بعد هذا كله، لم يعد هنالك ما يبرّر للسلطة الشرعية اليمنية التمسك بدولة الإمارات، أو دولة الانقلابات، العربية المتحدة، شريكاً في التحالف العربي، وقد انكشفت نواياها تجاه هذه السلطة ووحدة اليمن. ولو استمر هذا الوضع على نمطه، فإن هذه السلطة ستغادر المشهد، ولكن لن يقر للإمارات قرار؛ فليست في القوة بقدر ما كانت عليه بريطانيا، ولا بالرجال بقدر ما كان عليه جمال عبد الناصر؛ فاليمن كبير، وعصي على أن يبتلعه صغير.