انفراجة في العلاقات الجزائرية السعودية تتوّجها زيارة سلمان

09 ابريل 2016
الأزمات الإقليمية أبرز نقاط الخلاف بين البلدين(زمري محمد بشير/الأناضول)
+ الخط -
تتجه العلاقات بين الجزائر والسعودية إلى الانفراج بعد فترة من التجاذب السياسي والإعلامي نتيجة خلافات طبعت مواقف البلدين إزاء عدد من القضايا السياسية العربية والاقتصادية، وخلّفت صداماً غير معلن بينهما داخل الجامعة العربية، بعدما اعتبرت الرياض المواقف الجزائرية كاستهداف لسياساتها الإقليمية.
ووافق الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز على تلبية دعوة لزيارة الجزائر، يُرجَّح بحسب مصادر دبلوماسية أن تتم بداية شهر مايو/أيار المقبل. وقال الطيب بلعيز مستشار الرئيس الجزائري عبد العزيزي بوتفليقة، الذي زار السعودية مؤخرا، إنه سلّم دعوة من الرئيس بوتفليقة إلى الملك سلمان لزيارة الجزائر في أقرب وقت، مشيراً إلى أن "الزيارة المرتقبة إلى الجزائر فرصة ثمينة للقائدين لتناول أهم المواضيع في الساحتين العربية والإقليمية والتوصل إلى نتائج هامة ستسمح بمد الجسور بين الدول العربية وتصفية الأجواء بينها، بالنظر إلى حنكة وتجربة كل منهما"، كما نقلت وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية عن بلعيز بعد استقباله من قِبل العاهل السعودي في الرياض.
وتأتي دعوة بوتفليقة للملك السعودي بهدف إنهاء الخلافات السياسية المتراكمة بين البلدين، المتعلقة بالموقف من سورية واليمن، إضافة إلى التحالفين العربي والإسلامي، وهي خلافات أدت إلى تداعيات سياسية واقتصادية ارتبطت أيضاً بملف النفط. ودفعت الأزمة السياسية والفتور في العلاقات بين البلدين الرئيس الجزائري إلى إيفاد مستشاره الخاص إلى السعودية لتقديم ما اعتبره بلعيز "رسالة للعاهل السعودي من الرئيس بوتفليقة حملت بعض التوضيحات". وأكد بلعيز بعد استقباله من الملك سلمان، أن "مواقف الجزائر تجاه بعض القضايا الساخنة التي تشهدها الساحة العربية نابع من موروثها التاريخي القاضي بعدم التدخّل في الشأن الداخلي لغيرها من البلدان، وهذا عكس ما قد يبدو للبعض من أنها تخالف من خلال مواقفها بعض شركائها العرب". وأضاف بلعيز: "قد يبدو للبعض خطأ بأن بعض المواقف التي تأخذها الجزائر بشأن عدد من القضايا الساخنة المطروحة على الساحة العربية وحتى الإقليمية تخالف بعض شركائها العرب"، غير أن مواقفها هذه "عائدة في الأساس إلى موروثها التاريخي منذ ثورة التحرير، القاضي بعدم التدخّل في الشأن الداخلي لغيرها من البلدان، ويستند موقف الجزائر أيضاً إلى دستورها الذي يحظّر على قواتها المسلحة أن تتخطى حدود البلاد". وأعلن أن "الجزائر تتقيّد بعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول والشعوب وهي تفضّل دائماً الحلول السياسية السلمية، كما أنها ترفض العنف الذي تؤمن بأنه لا يولّد إلا العنف، والجزائر تجنح دائماً لحل المشاكل المطروحة في إطار القنوات الدولية، على غرار هيئة الأمم المتحدة، وإن كانت تبدو للبعض خطأ بأنها تختلف في بعض مواقفها مع الدول الشقيقة، فهذا لا يعني على الإطلاق أن هذا الاختلاف يمسّ بجوهر علاقاتها الثنائية معها". وعبّر بوتفليقة عبر مستشاره الخاص، للملك السعودي بأنه "يسهر شخصياً على أن تظّل هذه الروابط محفوظة ومصونة لا تشوبها شائبة، مهما حاول بعض الماكرين".

وفي عودة إلى تاريخ الخلافات بين البلدين، فقد كانت العلاقة بين السعودية والجزائر في سبعينيات القرن الماضي، في حالة فتور مستمر، إذ كان النظام السياسي التقدّمي والقومي القائم في الجزائر، ينظر بعين الريبة إلى سياسات السعودية، في صورة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية. وفي بداية التسعينيات تعقّدت العلاقات بين البلدين، إذ كانت السلطات الجزائرية تتهم السعودية بشكل غير رسمي بدعم "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، التي تم حظر نشاطها في مارس/آذار 1992. وكانت هذه الجبهة ذات توجهات سياسية سلفية، وفي منتصف التسعينيات سرّبت الاستخبارات الجزائرية إلى الصحافة معلومات وصورة عن صك مالي قدّمته السعودية إلى "الجبهة الإسلامية للإنقاذ".
وما عقّد العلاقة أكثر، أن المجموعات المسلحة التي بدأت النشاط في العام 1992 في الجزائر كانت تعتمد في مرجعيتها الفكرية على فتاوى علماء من السعودية، وفي العام 1995، وحين كانت الجزائر ترزح تحت أزمة أمنية عنيفة، بسبب تزايد النشاط الإرهابي، وأزمة اقتصادية خانقة بسبب تعطل حركة الإنتاج، زار الرئيس الجزائري حينها اليمين زروال السعودية وفي جعبته ثلاثة مطالب توجّه بها إلى الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز، يتعلق الأول بمنح الجزائر قرضاً مالياً، والثاني طلب التوسّط لدى الولايات المتحدة لرفع الحظر على بيع الأسلحة إلى الجزائر التي كان جيشها يواجه المجموعات الإرهابية، فيما كان مطلب زروال الثالث من الملك السعودي الراحل دعوة كبار علماء الدين في السعودية لإصدار فتاوى تحثّ على السلم ورفض الإرهاب والتطرف، تكون موجّهة إلى عناصر الجماعات المسلحة في الجزائر، وحثّها على وقف نشاطها الإرهابي. وكانت الجزائر قد أصدرت في العام 1994 قانون الرحمة، الذي يسمح للمسلحين بتسليم سلاحهم والاستفادة من تخفيف العقوبات القضائية، لكن الرئيس الجزائري عاد حينها من الرياض خائباً وخالي الوفاض.
مع وصول بوتفليقة إلى سدة الحكم عام 1999، بدأت الجزائر والسعودية مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية سادها انفراج نوعي، طبعته الزيارات واللقاءات العديدة بين بوتفليقة والمسؤولين في السعودية، لكن المواقف السعودية إزاء عدد من القضايا العربية كالحرب على العراق في العام 2003، ظلت محور خلافات بين البلدين، وتعززت هذه الخلافات داخل الجامعة العربية في السنوات الأخيرة في قضايا تخص إسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا وحربي اليمن وسورية. ففيما كانت السعودية تدفع باتجاهات التدخّل العسكري في هذه الدول، كانت الجزائر تعترض في كل مرة وتسجل "فيتو" على هذه القرارات. ومنذ منتصف العام الماضي، وضعت الجزائر نفسها خارج تحالفات عسكرية عربية وإسلامية دعت إليها السعودية، واعترضت بوضوح على التدخّل العسكري في اليمن، وهو الخلاف الذي ترجمته مشاحنات إعلامية في وسائل إعلام البلدين.
كما كان النفط من أبرز نقاط الخلاف بين البلدين، إذ تُتهم السعودية من قِبل الساسة والرأي العام في الجزائر بأنها تقف وراء زيادة مستويات الإنتاج والتسبب في انهيار الأسعار، وتذهب بعض التحليلات إلى أبعد من ذلك، وتعتبر أن هذا الموقف يستهدف الإضرار بالمصالح الاقتصادية للجزائر، التي يرتبط اقتصادها بنسبة 98 في المائة بعائدات النفط، وخسرت الجزائر بسبب ذلك نحو 50 مليار دولار أميركي خلال السنة الماضية من احتياطاتها الأجنبية.


المساهمون