تشهد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، شرق ليبيا، خلافات في ما بينها، اتخذت خلال الأيام الماضية، طابعاً أكثر جدية، وأكثر علانية. وبينما أدت الانشقاقات العسكرية في بنغازي إلى انقسامها بين الكتائب الموالية لحفتر وتلك المناوئة له، تحاول أبرز كتائب اللواء المتقاعد، لا سيما "كتيبة طارق بن زياد"، المعروفة باسم "الكتيبة 106"، وأد هذه الخلافات والصراعات، التي لم تشتد حدّتها في بنغازي فقط، بل في درنة أيضاً.
أما سياسياً، فيشتد الصراع داخل معسكر الشرق بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وحفتر. وتجلّت آخر مظاهر هذا الصراع، في قرارٍ أصدره الأول يوم السبت الماضي، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويقضي بإلغاء منصب عبد الرزاق الناظوري كـ"حاكمٍ عسكري" للمنطقة الواقعة من درنة شرقاً وحتى بن جواد على تخوم منطقة الهلال النفطي غرباً، بعد تكليفه بهذا المنصب في يونيو/حزيران 2016.
وفيما أرجع صالح قراره إلى "عدم الحاجة لهذا المنصب بعد تحرر المنطقة من الإرهاب"، يرى مراقبون أن القرار يسعى إلى تجريد أبرز قادة حفتر من صلاحياته، ما يعكس استمرار الخلافات، بل تزايدها، بين حفتر وصالح.
وقوبل قرار عقيلة صالح برفضٍ ضمني من قبل عدد من المسؤولين المقربين من حفتر، على رأسهم نوابٌ في البرلمان أكدوا استمرار سريان قرارات الناظوري، وذلك في بيان أصدروه يوم الأحد الماضي، مطالبين الأخير بالاستمرار في منصبه، لتلحق بهم "حكومة البرلمان" التي تتخذ من مدينة البيضاء مقراً لها، ببيان أصدرته أمس، تؤكد فيه استمرار العمداء العسكريين المكلفين من الناظوري بإدارة البلديات شرق البلاد، وهو قرار كان اتخذه الناظوري في العامين الماضيين، ويقضي بتكليف عدد من العسكريين بعمادة البلديات بدلاً من العمداء المنتخبين، في خطوة لتكريس عسكرة البلاد.
درنة وبنغازي
وفيما يعكس قرار صالح، وردود الفعل الرافضة له، حجم الخلافات الداخلية المستعرة في معسكر الشرق، والتي وصلت إلى المناصب العليا، فقد تمكنت "كتيبة طارق بن زياد" خلال اليومين الماضيين من نزع فتيل صدام عسكري كان على وشك الاندلاع في درنة.
فبحسب مصادر مطلعة من المدينة التي سيطر عليها حفتر أخيراً، تمكنت "كتيبة طارق بن زياد" التي يقودها سليمان السعيطي، وهو أحد أبرز العسكريين المقربين من حفتر، والتابع لإمرة نجله صدام، من مداهمة عدد من المقار العسكرية في درنة، يومي السبت والأحد الماضيين، واعتقال عدد من الشخصيات العسكرية كآمر وحدة جهاز مكافحة الإرهاب في المدينة أسامة الورشفاني، وآمر "الكتيبة 276 مشاة" مظفر الغيثي، وهي تلاحق حالياً آمر غرفة عمليات درنة، سالم الرفادي، الذي كان حتى وقت قريب محل ثقة حفتر وقائداً لقواته فيها.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن الخلافات المتصاعدة في درنة، وإن كانت وراءها عناصر سلفية تسعى للسيطرة على مفاصل المدينة جميعها، إلا أن "رفضاً لأوامر حفتر أخيراً من قبل الرفادي وزملائه، وشبهات تحوم حول وجود اتصال بينهم وبين أهالي المدينة الرافضين سيطرة حفتر، هي السبب الحقيقي وراء تلك المداهمات".
أما في بنغازي، المدينة الأكبر والأهم لجهة الثقل السياسي الذي تمثله شرقاً، والتي قاتل حفتر لمدة ثلاث سنوات من أجل السيطرة عليها، فيبدو أن الخلافات باتت تندلع فيها بوتيرة أكثر تسارعاً من أي منطقة أخرى في الشرق الليبي. فقد أكدت مصادر "العربي الجديد" أن الانشقاقات في بنغازي بدت في الآونة الأخيرة جلية أكثر، لا سيما بعد وصول الرائد محمود الورفلي الهارب من سجن حفتر إليها، حيث انضم إليه عدد من قادة فصائل "الصاعقة"، بالاضافة إلى عزف الأخير "على وتر المصابين وجرحى قوات حفتر الغاضبين بسبب الإهمال الذي يطاولهم والمماطلة في علاجهم".
ومقارنة بدرنة التي لم تتضح فيها بعد خارطة انتشار المجموعات المسلحة، تبدو بنغازي أكثر وضوحاً بعد وصول محمود الورفلي إليها، وإعادته تشكيل خارطة المسلحين فيها، على قاعدة المؤيدين لحفتر والمعارضين له.
الموالون لحفتر
أبرزهم "كتيبة طارق بن زياد" التي يقودها سليمان السعيطي، والتي تتبع بشكل مباشر صدام، نجل حفتر، و"قوات الصاعقة" التي يقودها اللواء ونيس بوخمادة، وهذان التشكيلان من أكثر التشكيلات المسلحة عدداً وعتاداً في المدينة. وتمتلك الكتيبتان فروعاً داخل الأحياء والمناطق، التي باتت بعض الأحياء فيها للمناسبة منقسمة إلى نصفين، أحدهما موالٍ لحفتر والآخر
معارض له.
وأدى اعتماد حفتر على ما يعرف بــ"الصحوات" في حربه إلى بروز ظاهرة لافتة في بنغازي حصراً، وهي ظاهرة العائلات المسلحة.
ففي حي الماجوري مثلاً، توجد عائلتا سالم موسى والاحول المسلحتان اللتان تتبعان "كتيبة طارق بن زياد"، وفي بوهديمة المتاخمة للماجوري، تسيطر مجموعة مسلحة يقودها شاب مدني يدعى فتحي، شهير بلقب "الكيلو"، وهو قائد "سرية الإنذار الأولى".
وتتاخم بوهديمة منطقة الليثي التي يسيطر عليها شعيب نوري بومدين البرعصي، وهو عسكري ينتمي إلى التيار السلفي المدخلي، كما يسيطر علي الفرجاني، وهو مدني أيضاً من قبيلة حفتر(قبيلة الفرجان)، مع عدد من أفراد عائلته ومواليهم، على مناطق زواوة والوحيشي وأرض قريش وأحياء صغيرة أخرى في سرايا يغلب على أفرادها الشباب المدنيون، وتواليه عائلة بوخمادة، التي تسيطر على حي السلام، حيث توجد أكبر مقرات "كتيبة طارق بن زياد".
وتمارس هذه القوى المسلحة أعمال الخطف والاعتقال، وتدير سجونا سرية في مناطق سيطرتها، بالاضافة إلى الاستيلاء على ممتلكات المهجرين من بنغازي، وهي تعارض عودة الأسر النازحة إلى مناطقها بحجة أن تلك المناطق لا تزال غير صالحة للسكن، بينما تقوم ببيعها بالجملة لمستثمرين ورجال أعمال.
المجموعات المعارضة
أبرزها ثلاثة فصائل انشقت عن "قوات الصاعقة"، ويقودها حالياً الرائد محمود الورفلي الفار من سجن حفتر، وتسيطر على عدد من المقار، لا سيما في منطقة السرتي التي يسكنها الورفلي، كما تنتشر عشرات المجموعات الأخرى المنتمية للبراغثة المعارضين بشدة لحفتر، وهي القبيلة التي ينتمي إليها المهدي البرغثي، وزير دفاع "حكومة الوفاق"، وفرج قعيم، وكيل وزارة داخلية حكومة الوفاق، المغيب في سجون حفتر.
ولها فروع وامتدادات داخل المدينة أبرزها عائلات وقادة شجعهم وجود الورفلي على الانشقاق، ففي الماجوري عائلة شوايل التي ينتمي لها وزير الداخلية السابق "عاشور شوايل" والذي تعرض لحادث اغتيال في يناير/كانون الثاني من العام الماضي بواسطة سيارة مفخخة قتل خلالها ابنه، كما قتل أحد أفراد هذه العائلة البارزين في وقت لاحق من السنة ذاتها على يد موالين لحفتر بالحي، مما حدا بالعائلة إلى ولاء الورفلي ومعارضي حفتر أخيرا، الموجودين في بوهديمة كعائلة الشكري والدرسي في الليتي بالإضافة إلى الكثير من عوائل قبيلة ورفلة التي ينتمي لها محمود الورفلي، وعوائل أخرى تنتمي للبراعثة والعواقير.
لكن المجموعات المعارضة لحفتر تمتلك هي الأخرى سجونا سرية، وتمارس أعمال حرابة وخطف وقتل بحق معارضيها، لا سيما بعد رجوع الورفلي إلى مقاره في بنغازي وبروز ظاهرة الانشقاقات التي قد تؤدي إلى اتساع أعمال العنف والانتقام بين الطرفين.