مع اقتراب تطبيق قانون "قيصر" الأميركي الخاص بسورية في 17 يونيو/حزيران الحالي، تسعى روسيا إلى محاولة احتواء الأضرار المتوقعة للقانون على مصالحها في سورية، وعلى النظام السوري، بوسائل شتى، منها ما هو ميداني عبر فتح الطرقات مع مناطق سيطرة قوات النظام، ومنها ما هو سياسي، بمحاولة إطلاق مفاوضات سياسية مع الجانب الأميركي، بحثاً عن طريقة للالتفاف على مفاعيل هذا القانون.
وفي هذا السياق، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، في ندوة عبر الفيديو نظمها "مجلس العلاقات الخارجية" في نيويورك الثلاثاء الماضي، أنّ موسكو "مستعدة للانخراط فوراً بحوار موسع مع الولايات المتحدة حول كل الملفات التي تخص الوضع في سورية"، لافتاً إلى أنّ "روسيا مهتمة بالعمل مع الولايات المتحدة لتحسين الاتفاقات بشأن منع الحوادث العسكرية الخطيرة على أساس الخبرة المكتسبة في سورية بهذا المجال".
كما ذكر بيان نشرته وزارة الخارجية الروسية أنّ نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، أجرى مباحثات هاتفية أول من أمس الخميس، مع المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري حول "تسوية الأزمة السورية". وجاء في البيان أنّ الطرفين بحثا "بشكل مفصل عملية التسوية السياسية للأزمة السورية بالتوافق مع القرار 2254 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة". وكان نائب وزير الخارجية الروسي قد أشار إلى أن بلاده مستعدة للحوار مع الولايات المتحدة حول الملف السوري، في حال أبدت واشنطن الاستعداد والرغبة في الأمر.
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه مناطق سيطرة النظام أزمة اقتصادية، كما أنه يأتي قبيل أيام من تطبيق قانون "قيصر" ضدّ النظام وحلفائه. وأكدت السفارة الأميركية في دمشق الأربعاء الماضي أنّ "الإستراتيجية الوحيدة لنظام الأسد للخروج من أزمته هي تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، واتخاذ خطوات لا رجعة فيها للمضي بحل سياسي يحترم حقوق الشعب السوري وإرادته"، مشددةً على أنّ النظام سيواجه المزيد من العقوبات والعزلة إذا ما استمر برفض تطبيق تلك الإستراتيجية.
وينص قرار مجلس الأمن 2254، الصادر أواخر العام 2015، على إجراء عملية سياسية بقيادة سورية تيسّرها الأمم المتحدة، على أن تؤدي العملية السياسية في غضون فترة ستة أشهر إلى قيام حكم ذي مصداقية، يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولاً زمنياً وعمليا لصياغة دستور جديد. كما يدعم القرار إجراء انتخابات حرة ونزيهة عملاً بالدستور الجديد في غضون 18 شهراً، وتحت إشراف الأمم المتحدة.
إلى ذلك، رأى مراقبون أنّ موسكو تحاول أن تضمن مكاسبها الاستراتيجية في سورية بعد تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد وازدياد حدة الاحتقان الشعبي ضدّ نظام الأسد، وهو وضع من المحتمل أن يتفاقم مع تطبيق قانون "قيصر" خلال الفترة المقبلة، إذ يقول خبراء إنّ النظام السوري سوف يعاني المزيد من العزلة السياسية والحصار الاقتصادي نتيجة الإجراءات الأميركية المتوقعة.
وحول التحركات السياسية الروسية للتعامل مع قانون "قيصر" في ضوء ما أعلن عن مشاورات أميركية روسية بهذا الخصوص، وهل يمكن أن يكون ذلك بداية لحل سياسي جدي في سورية، رأى رجل الأعمال السوري فراس طلاس، وهو نجل وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "كل ما يقوم به الروس هو محاولة للالتفاف على الموقف الأميركي، ولن تثمر هذه الاتصالات نتيجة ملموسة، لأن موسكو غير جادة، وهي مستفيدة من الوضع الراهن للنظام، ولا تسعى حتى الآن لتغيير هذا الوضع".
وعن الخيارات المتاحة لنظام الأسد، لا سيما بعد إقدامه أخيراً على إقالة رئيس الحكومة عماد خميس، ككبش فداء للوضع المتردي في البلاد، رأى طلاس أنّ النظام "سيحاول تحسين سعر صرف الليرة، وتعزيز دور التكنوقراط في قيادة الحكومة، بغية التخفيف من الآثار السياسية للوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور". وأضاف أنّ "الأميركيين يدركون أنّ الأسد لن يلتزم بالقرارات الدولية الخاصة بسورية، ولن يفكر بأي سيناريو قد يزيحه عن الحكم من قبيل تشكيل مجلس عسكري أو تسليم السلطة لأي شخص آخر، حتى لو كانت زوجته أسماء، والحلّ الوحيد لهذا الانسداد هو ضغط روسي حقيقي على الأسد، لكن هذا الضغط غير متاح حتى الآن".
في المقابل، قالت صحيفة "الجسر" السورية المعارضة أنّ الأسد استدعي إلى الكرملين الأسبوع الماضي، وعاد في اليوم ذاته، في رحلة خاصة لم يعلن عنها. وحسب الصحيفة، فإنّ رئيس النظام السوري تعرض لضغوط أقرب إلى التهديدات من قبل القيادة الروسية، لقبول مبادرة أميركية لتسوية جانب من الأزمة الاقتصادية الحالية، وعدم تفعيل البنود الأكثر خطورة من قانون "قيصر". وفي الوقت ذاته، تلقى تطمينات بأن قبول المبادرة لن يؤدي إلى تقويض سلطته، بل إنها مجرد "مناورة" لامتصاص مفاعيل قانون "قيصر".
وفي سياق متصل، دعت صحيفة "سفوبودنايا بريسا" الروسية، موسكو إلى استبدال الأسد، معتبرةً أنّ هذا هو الحل الوحيد لتحقيق الاستقرار في البلاد، ومؤكدةً أنّ السوريين يرفضونه بسبب تعامله الوحشي مع الاحتجاجات. وقالت الصحيفة في مقال نشرته الأربعاء الماضي: "نتحدث عن المدنيين الموجودين في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام. ففي السابق، كانوا يعيشون تحت حكم الإرهابيين والمعارضة المسلحة، ولم يفكروا بطريقة ما في الاحتجاجات، ربما لم يُسمح لهم بذلك، ولكن مع قدوم الأسد، ظهرت فرصة التمرد مرة أخرى".
ورأت الصحيفة أن المقالات المناهضة للأسد التي نشرت أخيراً في وسائل الإعلام الروسية الموالية للكرملين، كانت بسبب "استياء الشعب السوري الشديد من الأسد، وليس بسبب نزاع حول قضية (ابن خاله رجل الأعمال) رامي مخلوف"، معتبرةً أنّ الأسبوعين الماضيين أوضحا للعيان أنّ "الاستياء الشعبي الحالي لا يمكن التخلص منه بالأساليب الوحشية السابقة التي كان ينتهجها النظام". وأضافت أنّ "المشكلة بالنسبة للسوريين هي ارتباط صورة بشار الأسد بالدمار والفقر، خصوصاً إذا كنا نتحدث عن أشخاص يبلغون من العمر 18 عاماً أو أكثر بقليل، حيث قضوا معظم حياتهم في ظروف الحرب، وبشار الأسد على سُدّة الرئاسة طوال هذا الوقت".
وبغض النظر عن مدى جدية موسكو في التعامل مع النظام السوري، فإنّ التصريحات الأميركية تشير إلى عزم واشنطن على زيادة الضغط على نظام الأسد، بهدف دفعه إلى "تغيير سلوكه" كما عبر المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري في تصريحاته الأخيرة. من جهته، وضع المبعوث الأميركي إلى إيران، براين هوك، نظام الأسد في مواجهة مباشرة مع إيران، بربطه عملية إعادة الإعمار في سورية بخروج المليشيات الإيرانية منها. وقال هوك في تصريحات صحافية الخميس إنّ بلاده والدول المانحة "لن تدفع فلساً واحداً في إعادة إعمار سورية، قبل خروج المليشيات الإيرانية منها".