انتهى الدرس يا غبي

22 يوليو 2015
+ الخط -
انتهت امتحانات التوجيهي أو ما تعرف بالثانوية العامة أو البكالوريا لهذا العام، وظهرت النتائج في معظم البلاد العربية، وتناقل الأهالي التهاني قبل الطلاب، فمعاناتهم كانت أكبر من معاناة أولادهم، وبدأ الطلاب الناجحون في الاستعداد للالتحاق بالجامعات، فيما بدأ المتعثرون والراسبون بجر أذيال الخيبة والدخول في متاهة الأزمات النفسية التي تودي بحياة عدد غير قليل منهم كل عام، حيث تسجل حالات الانتحار التي تتم أو تفشل، والسبب "التوجيهي".

والتوجيهي، أو التوجيهية، نظام مصري أصيل، بدأ العمل به في عام 196، ويعني حرفياً "توجهات الطالب"، لأن نتيجته تحدد التخصص الذي سيدرسه الطالب في الجامعة، وقد كان هناك نظام آخر يعمل به في فلسطين، مثلاً، وهو "المترك الأردني". وفي خمسينيات القرن الماضي، كانت الجامعات المصرية تشترط على الطلبة العرب دراسة التوجيهي المصري شرطاً للالتحاق بها، ما أدى إلى ظهور نظام التوجيهي المصري سنة إضافية للطلاب العرب الراغبين بالدراسة في مصر. وإن هي إلا سنوات، حتى أقرت الدول العربية نظام التوجيهي سنة ثانية عشرة لنهاية الحياة المدرسية. ولم تستطع الأنظمة التعليمية العربية التخلص من عقدة التوجيهي الذي يعتمد على الحفظ والاسترجاع مثل الكمبيوتر حتى الآن، مع أنه، في مطلع كل عام دراسي، تبدأ الأصوات تتعالى بالدعوة إلى إسقاط نظام التوجيهي، لكن هذا لا يحدث، لكي تستمر المعاناة ويتكدس الخريجون من الجامعات بلا عمل، في كل المجتمعات العربية التي تتخبط في أزماتها الداخلية، بعد أن يلتحقوا في جامعاتٍ لا تقدم المعرفة، بقدر ما تستنزف المصاريف والأقساط  المالية من ذويهم. 

ما زالت سنة التوجيهي التي تقدمت لها في 1989 حاضرة في الذاكرة، وحيث كانت انتفاضة الحجارة مشتعلة في غزة، وكنا نتقدم لنظام التوجيهي المصري، ويفد على مدارسنا المزينة بشعارات الثورة وفد مصري لمتابعة سير الامتحانات، فيأتي الوفد صباحاً لتسليم أوراق الامتحانات في صناديق مغلقة، ترفع معدلات توترنا بمجرد رؤيتها، ويعود بعد ساعتين لاستلامها، بعد أن نسكب فيها ما تم ضخه في عقولنا من معلومات، علماً أننا لم نكن نداوم في المدرسة أكثر من شهر، بسبب المظاهرات ونظام منع التجول. وتأتي النتيجة من مصر حيث يتم تصحيح أوراق طلاب غزة، وبعد ثلاثة أشهر من الانتظار معلنة رسوب أكثر من نصف "شباب الانتفاضة وشاباتها"، ومن ينجح منهم يحصل على معدلات متدنية، مع تحديد معدل مرتفع للقبول في الجامعات المصرية، في وقت كانت فيه جامعات الضفة الغربية معاقل الثورة أيضاً، ولم يكن في غزة سوى المعاهد المتوسطة، فساهمت هذه الأوضاع بتدمير أحلامنا لأننا كـ"بنات طموحات" لم يكن ذوونا ليقبلوا دراستنا في الدول الأجنبية، كما كان يفعل الطلبة الذكور من غزة، فكان يتم ضخهم بمعدلاتهم المتدنية، وبدون شروط، سوى دفع الرسوم  الباهظة، واعتبار خروج الطالب الفلسطيني من بين أنياب السلطة الإسرائيلية التي تدقق وتفحص تاريخه الأمني والنضالي كافياً للترحيب به في بلادها.

أصبحت أزمة التوجيهي من ضمن المواسم التي يحتفي بها من يهمهم انتعاش أسواق الحلويات والهدايا، وحتى المرفقعات والألعاب النارية عدة أيام، تؤدي إلى وقوع إصابات وضحايا، خصوصاً مع انتهاج أسلوب إعلان أسماء الناجحين والراسبين، ومعدلاتهم من خلال كل وسائل الإعلام، ما حدا بالأخصائيين التربويين والنفسيين للتحليل، محذرين من أن هذه الطريقة تعتبر انتهاكاً لخصوصية الطالب، وأنها من أسباب محاولات الانتحار كل عام بين فلذات أكبادنا.

في سيارة الأجرة، وقبل ظهور النتيجة بيوم، كان أحد الآباء يدعو الله علناً أن يرسب ابنه، وحين سأله السائق مستغرباً عن السبب، أجاب: ابني متفوق. ولكن، في حال نجاحه لا أملك مصاريف الإنفاق على دراسته الجامعية. وتمنت راكبة أخرى ألا تحصل ابنة الجيران على معدل يفوق معدل ابنتها التي تهدد بالانتحار، لو حدث ذلك.

 

 

 

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.