انتهاك المعايير المقدسة

06 ديسمبر 2016
المسألة بين شخص يكتب وشخص يقرأ (أميلي كويرفوريث/فرانس برس)
+ الخط -
كلّ مهنة لها طرائفها الخاصة التي يتداولها زملاء العمل. عادة ما تكون الطرائف موجهة إلى أحد المتعاملين معهم، وغالباً ما يكون ذلك تبعاً لمعايير مهنية معتمدة.

لا فرق في ذلك بين مهنة يدوية أو مهنة فكرية. الأساس في ذلك ليس العامل، وليست المهنة نفسها، بل تلك المعايير التي تقولب العامل وتشكله وفقاً لنمط معين محدد يصوّر له كلّ ما احتك فيه من خارجه واقعة طريفة تستحق أن تروى لزميل آخر.

ما هي تلك المعايير؟ من يضع تلك المعايير؟ لا ينتبه أحد إلى ذلك، فالداخلون إلى الإطار يلتزمون بها قبل دخولهم بكثير، تقولبهم وتحدد تحركاتهم وأفكارهم بل خيالاتهم حتى. الخديعة الكبرى ربط تلك المعايير بقداسة تصبح عليها، وتحوّل المهنة نفسها إلى مقدسة. والأسوأ أنّها تهيئ لصاحب المهنة والعامل فيها أن ينهل من تلك القداسة، حتى يحسب نفسه السيد الفرد على كلّ شيء، غير مدرك أنّ هناك عالماً واسعاً خلف كلّ تلك المعايير.

افتتح يوم الجمعة الماضي، معرض بيروت للكتاب في نسخته الستين، ويستمر طوال أسبوعين بمشاركة عشرات دور النشر. جميعنا وصلتنا دعوات توقيع من أصدقاء لنا، أو أصدقاء أصدقاء، أو حتى زملاء مهنة، أو غير ذلك من دعوات. بعض الكتّاب لهم تواقيع سنوية ربما منذ النسخة الأربعين للمعرض، أو ربما قبل ذلك.

هؤلاء محترفو كتابة، وأصحاب معايير عالية. هؤلاء هم المقدسون الذين يتبارى القراء، على قلتهم، في ترداد أسمائهم، فهل يعقل أنّك لم تقرأ رواية فلان الفلاني؟ أو ربما يفترض أنّك قارئ مدمن عليه، فيسألك: هل اشتريت رواية فلان الجديدة؟ لا يا صديقي، لم أقرأ له سابقاً ولا أنوي القراءة له... أساساً لولا تكلمت عنه الآن لما انتبهت إليه، ولولا تكلم أكثر من أحد عنه طوال هذه السنوات لما انتبهت إلى وجوده.

في المقابل، هناك كتّاب يجربون النشر للمرة الأولى ربما. تصل أخبار إنتاجهم إلى آخرين، فيكون الانطباع الأول وردّ الفعل المباشر الساخر ظاهرياً الحاسد ضمنياً: "وهل فلان بات يكتب!؟". لكنّك لم تقرأ له بعد فكيف تحكم؟ هنا يخرج إليك بكلام من بطون نظريات منقرضة عن الكاتب وأسلوبه ولغته ومعانيه ومحتواه، بل واتجاهه الأيديولوجي ونمط حياته.

لكن إن كان الناقد زميل مهنة "كتابية" خرج بقائمة عريضة من المعايير المقدسة باحتراف أكبر، ليضع ذلك الذي نشر كتاباً على ميزانها. طبعاً سيرسب في ذلك الامتحان، فهو موجّه بمعايير محددة بحسب ما يريد مشغّل الميزان.

المسألة أبسط بكثير. ولا تحتاج إلى معايير أساساً... هي بين شخص قرر أن يكتب وينشر، وشخص قرر أن يقرأ. من حق أيّ كان أن يكتب، ومن حق أيّ كان أن يعجب بأيّ كتاب مهما كان ينتهك قدسية تلك المعايير.

دلالات
المساهمون