انتكاسة النمو الفرنسي: تباطؤ غير متوقع

30 يوليو 2019
الفرنسيون يتجهون أكثر نحو الادخار (فرانس برس)
+ الخط -
تتزايد المخاطر الاقتصادية في الدول الأوروبية، مع تراكم المشكلات في أكثر من دولة، وتباطؤ النمو في أكبر اقتصادين في منطقة اليورو، ألمانيا وفرنسا. ففي حين يترنح الاقتصاد الألماني على حافة الانكماش، تعرض النمو الاقتصادي في فرنسا لانتكاسة في الربع الثاني من العام بسبب التباطؤ غير المتوقع في استهلاك الأسر، ويضعف هذا الوضع خطة الميزانية الحكومية المهددة بتباطؤ النشاط داخل منطقة اليورو.

وبحسب تقديرات أولية نشرها الثلاثاء المعهد الوطني للإحصاءات والدراسات الاقتصادية، ازداد الناتج المحلي الإجمالي في فرنسا بنسبة 0,2 في المائة بين إبريل/نيسان ومايو/أيار، مقابل 0,4 في المائة في الربع الأخير من عام 2018 و0,3 في المائة في الربع الأول من عام 2019. وهذه النسبة أدنى من توقعات نشرها المعهد في 20 يونيو/حزيران، والتي أشارت إلى نمو بنسبة 0,3 في المائة. لكنها متوافقة مع آخر تقدير لبنك فرنسا الذي أعرب عن قلقه من التوقعات المخيبة للآمال في المجال الصناعي.

ويعزو المعهد هذه النتيجة إلى الاستهلاك الضعيف للأسر الذي لم يتقدّم سوى بنسبة 0,2 في المائة خلال الربع الثاني، رغم تحسن القدرة الشرائية جراء التدابير الطارئة التي أقرّت استجابةً لمطالب حراك "السترات الصفراء". وتباطؤ الاستهلاك في مجال الخدمات فيما بقي استهلاك السلع ضعيفاً. وأشار الجهاز الرسمي، وفق بيانات نشرتها "فرانس برس"، إلى تراجع في المبيعات الغذائية والسلع المصنعة المرتبطة بانخفاض مبيعات السيارات.

ويشكل تباطؤ الاستهلاك، المحرك الرئيسي للاقتصاد الفرنسي، مفاجأة نظراً للمؤشرات الأخيرة التي نشرها المعهد الوطني للإحصاءات والدراسات الاقتصادية، لكن أيضاً نظراً لازدياد القدرة الشرائية التي من المفترض أن ترتفع بنسبة 2 في المائة هذا العام وهو أعلى مستوى لها منذ عام 2007. وبحسب بنك فرنسا، استفادت الأسر من 8,5 مليارات يورو بين الربع الأخير من عام 2018 والربع الأول من عام 2019، خصوصاً بفضل تخفيضات الضرائب والإنفاقات الاجتماعية التي أعلنتها الحكومة في ديسمبر/كانون الأول.

لكن هذه السياسة المالية التوسعية أخفقت حتى الآن في إنتاج آثار على النشاط الاقتصادي، إذ تفضل الأسر الفرنسية توجيه أرباحها من ارتفاع قدراتها الشرائية نحو الادخار، الذي يقترب معدله من 15 في المائة، وهو حالياً عند مستوى قياسي.

وبحسب المعهد الوطني للإحصاءات، فقد عانى النمو الاقتصادي في الربع الثاني من العام أيضاً بسبب "التغيرات في المخزونات" أي التغير الذي يطال البضائع التي تخزنها المؤسسات. وضيّع هذا العامل على النمو الاقتصادي نسبة 0,2 في المائة، بعدما كان ساهم في تعزيزه بنسبة 0,3 في المائة في الربع الماضي. أما الاستثمار فقد ساهم في دعم النشاط الاقتصادي.

وبحسب المعهد، فقد ارتفع الاستثمار بنسبة 0,9 في المائة بعدما زاد بنسبة 0,5 في المائة في الربع الأول، بفضل الاستثمارات الحيوية من جديد للشركات. ولم تؤثر التجارة الخارجية من جهتها على النمو بعدما أضعفته بنسبة 0,3 في المائة في الربع الأول. وارتفعت نسبة الصادرات 0,2 في المائة، بينما انخفضت نسبة الواردات 0,1 في المائة.

ويمكن للتباطؤ الأوروبي المرتبط بالحروب التجارية التي تشعلها أميركا، كذلك اضطراب عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أن يؤثر على قدرات الاقتصاد الفرنسي على المقاومة. ويرى الاقتصادي في معهد "ريكس كود" إيمانويل جيسوا أن "السياق العالمي ليس واعداً. وهو يؤثر سلبا على المناخ الاقتصادي الحالي في فرنسا".

من جهته، يعتبر الباحث في "المرصد الفرنسي للظروف الاقتصادية" إريك هيير أن "اتجاهات الاقتصاد العالمي ليست جيدة، هذا واضح. لكن هناك طاقة داخلية في فرنسا تسمح للاقتصاد الفرنسي بأن يقاوم"، مذكراً بأن ثقة الأسر ومناخ الأعمال لا يزالان في الاتجاه الصحيح.

وبحسب بنك فرنسا وصندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية، من المتوقع أن يرتفع النمو في فرنسا بنسبة 1,3 في المائة هذا العام، مقابل 1,7 في المائة في عام 2018. وهذا الرقم أعلى بقليل من معدل النمو في منطقة اليورو، حيث من غير المتوقع أن يتجاوز 1,2 في المائة، بحسب المفوضية الأوروبية.
المساهمون