وأخيراً، كشف مسؤولون في وزارة التربية عن مقترح يقضي بتأجير مباني المدارس الحكومية لمستثمرين لافتتاح مدارسهم الأهلية التي انتشرت في العراق بشكل كبير. ووفقاً للمقترح، يقوم المستثمر بتأجير المدرسة الحكومية من الوزارة بدلاً من أن يستأجر مبنى خاصاً، ويتناصف مع إدارة المدرسة في الوقت، فيكون المبنى للمدرسة الحكومية صباحاً والأهلية تحجزه في المساء أو العكس، عبر مناوبة أسبوعية.
ويتكفل المستثمر أو المستأجر بترميم المبنى ودفع أجور التنظيف والتأثيث وتطوير وسائل الشرح والتعليم فيه، ويتشاركها مع المدرسة الحكومية التي ستكون شريكة معه في المبنى نفسه.
وتراجع المستوى التعليمي في العراق منذ الاحتلال الأميركي للبلاد بعدما احتل، حسب تصنيفات اليونسكو، المرتبة الأولى على مستوى قارة آسيا في محاربة الأمية، وأولاً على مستوى الوطن العربي في ما يتعلق بطرق التدريس.
ويعزو مراقبون الانهيار الحاصل في مستوى التعليم بالعراق، إلى تفشي الفساد المالي والإداري وانتشار المحسوبية، وسوء تدبير من تم تكليفه بالتصدي لهذه المهمة.
ووفقا لمستشار بوزارة التربية العراقية، فإنّ "مشروع تأجير المدارس العراقية الحكومية لمستثمرين يقومون بتشغيلها وإدامتها بعد انتهاء الدوام الرسمي للطلاب بالمدرسة الحكومية، يأتي بسبب عجز الوزارة المالي عن إدامة تلك المدارس"، وهو ما اعتبر بمثابة "كارثة جديدة تضرب هذا القطاع الحيوي في العراق".
وأضاف المستشار لـ"العربي الجديد"، أنّ "وزارة التربية ناقشت موازنتها المالية للعامين السابق والمقبل، ورأت أنّها لا تكفي لإكمال المسيرة التعليمية بشكل مقبول، أعقبت ذلك جلسة مكاشفة لمسؤولي الوزارة أقروا بحال التعليم المزري في البلاد".
وتابع أنّ "الوزارة عقدت اجتماعات عديدة لمناقشة هذه القضية، وإيجاد الحلول الناجعة لها"، مبيناً أنّ "الاجتماعات قدمت طروحات عديدة لتلافي الأزمة المالية التي أنهكت القطاع التعليمي، بشكل خطير، لكن معظمها لا يمكن تطبيقه".
وأشار إلى أنّ "الوزارة ارتأت أن تؤجر مدارسها إلى مستثمري المدارس الأهلية، ويكون الدوام فيها مزدوجا (صباحا ومساء)، كحل لتوفير مبالغ مالية لإدامة وترميم المدارس"، مبيناً أنّ "هذا المقترح حظي بتأييد مسؤولي الوزارة، وتمت دراسته من كافة الجوانب دراسة علمية، وتمت الموافقة عليه".
وأكد أنّ "الموضوع عرض على مستثمري المدارس الأهلية، ليبدأ تطبيقه في العام الدراسي المقبل"، مبيناً أنّ "المبالغ المتحصلة من تأجير المدارس ستخصص لإدامة وترميم المدارس حصراً". لافتاً إلى أنه يتوقع موافقة مجلس الوزراء على المشروع بسبب عدم وجود مبالغ كافية لحل مشكلة بنى التعليم التحتية المتهالكة".
وتعد هذه الخطوة سابقة خطيرة على المؤسسة التعليمية في العراق، ويعدها مختصون حلولا ترقيعية ستزيد من انحدار المستوى التعليمي.
واعترف قيادي بارز في تحالف القوى العراقية الذي ينتمي إليه الوزير الحالي للتربية محمد إقبال الصيدلي، بأنّ "الوزارة تسير بمعجزة، والوزير فشل لكنه لن يستقيل، كما أنه لا يوجد في البرلمان من يرغب بإقالته، بسبب تمتعه بعلاقة جيدة مع أغلب الكتل، ناجمة عن منحه درجات وظيفية حيث يقومون بتعيين أقربائهم أو بيعها للمواطنين بمبالغ لا تقل عن 10 آلاف دولار".
وقال مدير مدرسة حكومية، طلب عدم الكشف عن اسمه، إنّ "المستوى التعليمي في البلاد يتجه من انحدار لانحدار أكبر، فمنذ عدة سنوات لم نلمس أي تطور أو دعم من قبل وزارة التربية، الأمر الذي أثر على الواقع التعليمي بشكل خطير".
وأضاف لـ"العربي الجديد"، أنّ "قرار تأجير المدارس سيكون ضربة قوية على المستوى التعليمي في البلاد، فسيجبر المدارس على تقليل ساعات الدوام، لأجل فسح المجال للمدارس الأهلية أن تبدأ دوامها، وذلك كله سيؤثر على الدروس، وعلى عمل إدارة المدارس".
ودعا الوزارة إلى "مراجعة هذا القرار ودراسة جوانبه السلبية، وعدم التسرع بتطبيقه".
ويعدّ أولياء أمور الطلاب قرار الوزارة بداية لانتهاء التعليم في العراق، وإجبار أولياء الأمور على تسجيل أبنائهم في المدارس الأهلية.
وقال أبو أحمد، من أهالي بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة عجزت عن مواصلة مسيرة التعليم في البلاد، لذلك توجهت نحو هذا القرار"، مبيناً أنّ "القرار سينهي المؤسسة التعليمية في البلاد، ويجبر الأهالي على التوجه نحو المدارس الأهلية، ما سيجعل التعليم حصرا على ميسوري الحال، دون ذوي الدخل المحدود".