انتفاضة منتظرة
أثارت هبّة المقاومة الشعبية الفلسطينية الخلّاقة الحالية في وجه الاحتلال الإسرائيلي، والتي أتت نتيجة لوجود الاحتلال بحد ذاته، وما يتطلّبه شرط وجوده من قمع وعنف وإرهاب وإذلال وقهر وإفقار واستفزاز المشاعر الدينية وحصار وتقييد للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، سواء في أراضي الضفة وغزة والقدس أم في أراضي الـ48، موجة تكهنات إزاء الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، وما اعتبر تجلياً لها في هذه الفورة الشعبية في فلسطين.
وما بين المغالاة والمبالغة في الظنون والتوقعات، والتقليل من شأن ما يحدث، فلنضع الأمور في نصابها واعتدالها بتجرد من استبداد العواطف والمشاعر والاحساسات. وهذا لا يتم إلا بردّ العناصر الضرورية وقياسها موضوعياً وبشكل منهجي للخروج بتكهنات حقيقية وواقعية عمّا يجري في فلسطين التاريخية والآفاق المحتملة لهذه الارهاصات.
لا بد من اجتماع عدة عناصر لاندلاع الانتفاضة المنشودة الشاملة المستمرة المنتشرة على كل المساحة الجغرافية للوطن، وفلسطين اليوم تشمل الشرط المادي الموضوعي التاريخي (الموضوعي)، والشرط الذاتي.
يتبدّى الشرط الموضوعي بالوضع الاقتصادي السيئ للفلسطينيين على الصعد كافة، وفي مختلف البقع الجغرافية، وينجلي الغبار عن هذه الحقيقة في النسب المرتفعة لمعدلات البطالة والفقر وغلاء المعيشة مقابل المرتبات والأجور المنخفضة، والشطر الآخر يتجلى في القمع والقتل والتعذيب ومصادرة الأراضي والتنكيل والاقصاء وغياب الحريات المدنية والسياسية والحواجز والاقتحامات والعنصرية والإرهاب الصهيوني المنظم والاستفزازات الدينية.
وما يولّده اجتماع هذه الظروف الموضوعية من خوف على المصير والمستقبل والوجود، بحد ذاته، لما يحمله الحاضر من نذير بالخطر والزوال. لذا يمكن القول بأن الشرط الموضوعي لقيام انتفاضة موجود، وظلت ملازمة لوجود الاحتلال أبداً، فكل من هذه العوامل يلعب دوراً محورياً في تأليب الشعب الفلسطيني المحتل للنهوض في وجه محتليه بشكل شامل وشعبي على شكل انتفاضة، كما حدث في عشرات الانتفاضات التي صاحبت استمرار الظرف الاحتلالي على مدى عشرات السنين.
ويبقى، الآن، الشرط الآخر للقيام في وجه المحتل الإسرائيلي، ويتجلى في الوعي والإرادة الصلبة والثقة بضرورة وإمكانية (الجماهير) على كسر شوكة الاحتلال بانتفاضة جديدة للحفاظ على الوجود من الفناء ولتحسين شروط هذا الوجود في أدنى حد. وهو من الضرورة بمكان، إذ لا بد من فعل جماهيري ثوري عفوي بالكامل، بل لا بد من وجود النخبة السياسية القائدة للنضال في مساره المرغوب في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة.
ويتطلب الشرط الذاتي، وحدة الأحزاب الفلسطينية، خصوصاً فتح وحماس، وتكاملها وتبادل الأدوار في ما بينها للعمل على إنتاج وعي عام بانتفاء إمكانية البقاء على ما هي عليه الحال، ومن ثم خلق رغبة ودافع وتنظيم شعبي جماهيري والعمل على دفع هذه الهبّة الجماهيرية، واغتنام الفرصة في خلق فعل ثوري جماهيري منظّم ضد الاحتلال الصهيوني، وهو ما سيلقى بالتأكيد تجاوباً واسع المدى لوجود الظروف والشروط الموضوعية المحركة للفعل الثوري الجماهيري.