انتفاضة المفرقعات النارية في القدس تؤرّق الاحتلال

03 ديسمبر 2014
المفرقعات "سلاح" مقاومة (صالح زكي فضل أوغلو/الأناضول)
+ الخط -


بالقرب من باب حطة، أحد أبواب المسجد الأقصى، رابطت النّساء الفلسطينيات في انتظار السّماح لهن بدخوله. فجأة انطلقت أصوات المفرقعات النّاريّة، وبدا الارتباك واضحاً في حركة وردّة فعل أفراد شرطة الاحتلال. لم ينجحوا في اعتقال الشّاب الذي أطلقها باتجاههم، فبدأوا برمي قنابل الصّوت عشوائياً. يلخّص هذا المشهد المتكرر في القدس المحتلّة أقل ما تفعله المفرقعات النارية بأفراد شرطة الاحتلال: الإرباك والهلع.

لم تعد الحجارة والزجاجات الحارقة السّلاح الوحيد الذي يملكه شبان القدس لمواجهة شرطة الاحتلال، ففي المواجهات المستمرة منذ يوليو/تموز الماضي، لوحظ تصاعد بارز في استخدام الألعاب أو المفرقعات النّارية، لصدّ اقتحامات شرطة الاحتلال للأحياء وللأقصى ولمواجهة اعتداءاتها على الفلسطينيين. حتى إن بعض الصحافيين الإسرائيليين أطلق على الهبة الحالية "انتفاضة المفرقعات النارية".

يقدّر البعض أن فكرة استخدام الألعاب النّارية كسلاح في وجه قوات الاحتلال، تعود إلى العام 2009، حين استُخدمت في مخيم شعفاط في التظاهرات التي خرجت تنديداً بالعدوان على قطاع غزة في حينه. لا تأريخ دقيق للأمر، ولكن الأكيد أن الشّبان الفلسطينيين لا يستسلمون أمام تنوّع الأسلحة الإسرائيلية المتطوّرة، ولا يثنيهم ميزان القوى عن تطوير "أسلحتهم" كذلك.

وأكثر هذه الألعاب النارية استخداماً في المواجهات، الدائرة هذه الأيام، هو ما يُطلَق عليه اسم "الصوت"، وهو بمثابة مكعّب يحتوي على 25 طلقة، تنطلق واحدة تلو الأخرى بعد اشعاله. وحتى لا يتضرر الشّبان بفعل اشتعال ذلك المكعب، يقوم "المخضرمون" منهم بفكفكة الطلقات، واستخدامها بشكل منفرد بعد ربطها بغصن شجرة أو قضيب حديدي، لضمان عدم احتراق أصابعهم. ويتراوح سعر مكعب "الصوت" ما بين 10 و15 دولاراً، ويصل سعر الصندوق الذي يحوي 12 مكعباً، إلى 115 دولاراً.

ويشير رامي (اسم مستعار)، أحد تجار ألعاب الأطفال السابقين في القدس، إلى أن "المفرقعات تفعل ما هو أكثر من الإرباك وإثارة الهلع". وبحكم تجربته في بيع بعض أنواع الألعاب النّارية قبل سنوات، يؤكد أنها "يُمكن أن تحرق الجلد وتقطع الأصابع".

وبحسب الإعلام العبري، فقد تسببت الألعاب النّارية بأذى في طبلة الأذن لبعض عناصر شرطة الاحتلال، كما فقد 3 عناصر السمع في أذن واحدة. وفي تجربة أجرتها شرطة الاحتلال أخيراً، تبيّن لها أن أكثر ما يؤرقها هو المفرقعات بقطر 40 ميليمتراً، والتي تحوي 8 طلقات، وبامكانها الوصول إلى مسافات بعيدة نسبياً. وتدّعي شرطة الاحتلال، أن "التعرّض لهذا النوع من المفرقعات قاتل، ويؤدي إلى تحطيم الدروع البلاستيكية التي يحتمي بها أفرادها".

وقد توقف رامي عن بيع المفرقعات النّارية منذ أكثر من عام، بعد أعمال دهم عديدة قامت بها شرطة الاحتلال. ويضيف "ما زالوا يرسلون لي بعض المخبرين في هيئة زبائن، يريدون شراء ألعاب نارية". ويضيف أن "من يبيع الألعاب النارية اليوم، يُغرّم وقد توجه له لائحة اتهام ويسجن". وقد أعلنت شرطة الاحتلال في القدس، أنها "ستقود حملة لكشف المهربين والتجار، الذين يسهّلون وصول هذه المفرقعات واستخدامها في المواجهات".

وبحسب قوانين وتعليمات وزارة العمل الإسرائيلية، تُفرض شروط على مستوردي ومشغلي الألعاب النارية، تختلف باختلاف أنواع الألعاب. علماً أنه يُسمح ببيع وتشغيل الألعاب النّارية لمن يملك رخصة رسمية بذلك، بعد أن يلتحق بدورات خاصّة يتعلم فيها كيفية تشغيلها والمحاذير المتعلقة بذلك. ويؤكد رامي أن "عدداً محصوراً من الفلسطينيين يحملون مثل هذه الرخصة، إلا أن المفرقعات تصلهم عبر تجار إسرائيليين مرخصين يبحثون عن الربح ولا يمانعون ببيعها لفلسطينيين".

وسبق لصحيفة "هآرتس" أن نشرت تحقيقاً مطلع الشهر الحالي، تفيد فيه بأنه "يوجد في دولة الاحتلال حوالي عشرة تجّار مرخّص لهم استيراد المفرقعات النّارية، وحوالي 600 مُشغل مرخص". وبحسب التقديرات، يقوم بعض المشغّلين بشراء كميات كبيرة من المفرقعات من المستوردين، وبدلاً من استخدامها كلّها يتاجرون بها، وهكذا تصل في نهاية الأمر إلى يد الفلسطينيين في القدس ومناطق الضفة الغربية.

وبعد تصاعد استخدام المفرقعات النّارية ضدّ قوات الاحتلال، طالب وزير الأمن الداخلي يتسحاق اهرونوفيتش، وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، بمنع استيراد هذه المفرقعات، إلا أن الأخير، وبالإضافة إلى هيئات تجارية إسرائيلية، أكدوا أن هكذا خطوة قد تضر التجار الإسرائيليين.

لكن بينيت استجاب في نهاية الأمر، وصادقت لجنة الاقتصاد في الكنيست في 18 نوفمبر/تشرين الثاني على منع استيراد المفرقعات النّارية لمدة شهرين، تنتهي في 15 فبراير/شباط 2015. ويسري هذا المنع على الألعاب النّارية، المصنفة تحت القانون الإسرائيلي في التصنيف "2"، وهو تصنيف يشمل مفرقعات تحمل ما بين تسعة غرامات إلى نصف كيلوغرام من المواد الفاعلة، ويتراوح قطرها بين 20 و40 ميليمتراً.

وعلّق بينيت في وقت سابق على هذا الأمر بالقول "لن نقوم في المستقبل بمنع استيراد السّيارات كخطوة لمحاربة حوادث السّير، أو منع استيراد السكاكين لمنع حوادث الطعن، وكذلك الأمر بالنسبة للمفرقعات، المنع الكامل ليس هو الحلّ للمواجهات، الحلّ للمدى البعيد سيأتي فقط عن طريق تعزيز فرض القانون من قبل الشرطة ضدّ مثيري الشّغب".

وفي موازاة منع الاستيراد المؤقت للمفرقعات النّارية، ذكر أحد المستشارين القضائيين في جيش الاحتلال، في مقال له في المجلة العسكرية "محانيه"، نُشر في منتصف الشهر الحالي، أنه "يُمكن للجنود اطلاق النار الحيّ، كردّ على تعريض حياتهم للخطر بفعل اطلاق المفرقات النارية مباشرة عليهم من مسافة قصيرة". وتسري هذه التعليمات فقط في مناطق الضفة الغربية، وليس في القدس التي يتولى المسؤوليات الأمنية فيها جهاز الشرطة، لا الجيش.

وقد نشرت وسائل الإعلام العبرية، يوم الخميس، خبراً عن مصادرة حمولة شحنات تجارية وصلت من الصّين إلى ميناء أسدود الإسرائيلي، تحتوي على 18 ألف علبة من المفرقعات النارية بقطر 20 ميليمتراً، ووسائل قتال خفيفة تشمل 5200 سكين و4300 مصباح يدوي يستخدم كصاعق كهربائي، إضافة إلى 1000 سيف. وأفادت بأن "هذه الشّحنات كانت مرسلة إلى تاجر فلسطيني من القدس، وقد اعتقلت شرطة الاحتلال خمسة فلسطينيين للتحقيق في الموضوع".

المساهمون