تبرز في تونس، على وقع انتخابات تشريعية ستحدد الخارطة السياسية للسنوات الخمس المقبلة، مجموعة من الظواهر السياسية غالباً ما تحدّد شكل العلاقات الأسرية.
فالتونسيون منقسمون داخل الأسرة الواحدة بين اليمين واليسار والوسط، لكن هذه الاختلافات تبقى رهينة النقاشات العائلية، أما أن تتحول إلى الفضاءات العمومية في إطار منافسة حزبية، فذلك ما لم يتعود عليه التونسيون بعد. الخارطة السياسية والخارطة العائلية قد تتقاطعان ولكنهما قد تتباعدان في بعض الأحيان كخطين متوازيين لا يلتقيان.
من الظواهر اللافتة في الحراك السياسي الذي تعيشه تونس ما بعد ثورة 14 يناير/ كانون الثاني، بروز أسماء سياسية جديدة وأحزاب كثيرة، وهو أمر طبيعي في هذه المرحلة الانتقالية، لكن أن يبرز داخل العائلة الواحدة أشقاء/ أعداء، تجمعهم الأسرة وتفرقهم السياسة فهذا هو الجديد.
تبدو الوزيرة السابقة ورئيسة قائمة حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" عن دائرة "فرنسا 1" سهام بادي، وشقيقها عضو المجلس الوطني التأسيسي ورئيس قائمة حركة وفاء عن دائرة "بن عروس"، آزاد بادي، أبرز مثال على ذلك.
التنافس بين سهام وشقيقها بقي حزبياً بعيداً عن الإعلام، لكن الأمر يختلف في حالة رئيسة قائمة "الجبهة الشعبية" (ائتلاف قومي يساري) عن دائرة سيدي بوزيد، المباركة البراهمي، وشقيق زوجها الشهيد محمد البراهمي، رئيس القائمة المستقلة "الوفاء لمشروع الشهيد" عن دائرة سيدي بوزيد السيد السعدي البراهمي. فهذا الخلاف أخذ طابعاً عائلياً وقبلياً، وفق ما أكد أحد أعضاء حزب "التيار الشعبي"، الذي تنتمي إليه المباركة البراهمي لـ"العربي الجديد". فقد اعتبرت عائلة الشهيد محمد أنها أولى بالدفاع عنه من أرملته والأحق في توظيف ماضيه لتحقيق مكاسب سياسية. هذا الخلاف أخذ حيزاً كبيراً من اهتمامات الشارع السياسي في محافظة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية، وساهم في تشتيت أصوات الناخبين، فلم يعد أي من الطرفين يضمن النتائج المأمولة.
لكن الحياة السياسية في تونس تزخر بنماذج عائلية اختار أبناؤها الاصطفاف الحزبي والفكري، مما ولّد نوعاً من اللحمة العائلية والسياسية، ومن أشهر هذه النماذج الشقيقان العريض.
رئيس الحكومة السابق والأمين العام لحركة النهضة ورئيس قائمة النهضة عن دائرة "تونس 1"، علي العريض، يتقاسم وشقيقه عضو المكتب التنفيذي للحركة ورئيس قائمة النهضة عن "دائرة مدنين" عامر العريض، ذات المشارب الفكرية والسياسية، وكانت لهما تجربة نضال مشتركة أيام القمع في عهد الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي.
وينطبق الأمر نفسه، على الوزير السابق، والأمين العام للتيار الديمقراطي، محمد عبّو وزوجته عضو المجلس الوطني التأسيسي، ورئيسة قائمة التيار الديمقراطي عن دائرة "تونس 1"، سامية حمودة عبّو. وقد جمعت الزوجان رحلة نضال أيام الاستبداد، كما يتقسمان نفس المشاغل المهنية والسياسية والحقوقية.
وتمتلئ الساحة السياسية التونسية بأسماء أخرى مثل الشقيقين الشابي، فالوزير السابق ورئيس الهيئة السياسية للحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي سيترشح للانتخابات الرئاسية، أما شقيقه عصام فهو عضو المجلس الوطني التأسيسي ورئيسة قائمة الحزب الجمهوري عن دائرة أريانة.
ومن العائلات السياسية أيضاً رئيس الوزراء الأسبق ورئيس حزب "نداء تونس" والمرشح للانتخابات الرئاسية الباجي قايد السبسي، ونجله حافظ قايد السبسي المكلف بهيكلة الحركة التي يترأسها والده.
هكذا، تحكم المشهد السياسي في تونس الائتلافات والاختلافات، وهو ما ينعكس صداه في الشارع والأسرة، فالكل ينتظر موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية ليدلي بدلوه السياسي ويعبّر عن اختياره. قد يختلفون وقد يأتلفون ولكن تبقى تونس حاضنة الجميع.