بيّن انتهاء تسجيل الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة في انتخابات الكنيست العشرين في إسرائيل، مدى الشرذمة التي تمزّق المجتمع الإسرائيلي بناءً على الأصول الاثنية لمختلف سكانه وطوائفه.
فقد اعتمدت لجنة الانتخابات المركزية 26 قائمة تخوض الانتخابات، يرجّح المراقبون أن تنجح 11 قائمة منها فقط باجتياز نسبة الحسم التي تم رفعها إلى 3.25 في المئة من مجمل الأصوات الصحيحة. وعلى الرغم من أن لجنة الانتخابات لم تُعلن رسمياً بعد عدد أصحاب حق الاقتراع، إلا أن عدد هذه الأصوات يُقدّر حالياً بنحو 3.9 ملايين ناخب. ووفقاً لنسبة الحسم الجديدة، فإن القوائم المختلفة بحاجة إلى ما لا يقل عن 130 ألف صوت لاجتياز النسبة والحصول على 4 مقاعد لمَن تحوز على هذا الكم من الأصوات فقط.
وبحسب القوائم التي تم تسجيلها، فإنه لا ينتظر أن يكون هناك تغيير حاد في الخريطة الحزبية في إسرائيل، باستثناء اختفاء حزب "كديما" بعد أن قرر شاؤول موفاز اعتزال السياسة، واختفاء حزب "هتنوعاة"، بقيادة تسيبي ليفني، الذي انخرط في تحالف مع حزب "العمل" تحت مسمى "المعسكر الصهيوني".
وفي الجانب العربي، فإن الكنيست سيشهد للمرة الأولى منذ قيام دولة الاحتلال، كتلة مشتركة من الأحزاب الفلسطينية الفاعلة في الداخل، تضم كلاً من "التجمع الوطني الديمقراطي"، و"الجبهة الديمقراطية"، و"الحركة الإسلامية"، و"الحركة العربية للتغيير"، فيما يخوض طلب الصانع ومحمد كنعان الانتخابات في قائمة مستقلة بعيداً عن الإجماع العربي في الداخل الفلسطيني، ولا يُتوقع لها النجاح بل إنها قد تحرق بضعة آلاف من الأصوات لا غير.
وستتشكل الخريطة الحزبية في إسرائيل، وفق كافة التقديرات في واقع الحال، من تسع كتل برلمانية يمينية، على رأسها "الليكود"، إضافة إلى "البيت اليهودي"، و"شاس"، و"يهدوت هتوراة"، و"كولانو كاحلون"، و"يسرائيل بيتينو"، و"ييش عتيد"، و"ياحد" (بقيادة إيلي يشاي المنشق عن شاس).
أما معسكر اليسار في إسرائيل، فتقلّص عملياً إلى قائمتين، الأولى صهيونية، وهي حزب "ميرتس"، والثانية مناهضة للصهيونية، وهي القائمة المشتركة للأحزاب العربية الثلاثة (التجمع، الحركة الإسلامية، والحركة العربية للتغيير) مع قائمة الجبهة والحزب الشيوعي.
وتعني هذه التشكيلة المتوقعة، على اعتبار أن تحالف المعسكر الصهيوني أخذ حزب "العمل" من خانته التقليدية في اليسار ليصبح حزب وسط، أن أي حكومة إسرائيلية قادمة ستكون حكومة يمين سواء شارك فيها حزب "العمل" أم لا.
وباستثناء حزب "ميرتس" والقائمة المشتركة، فإن باقي الأحزاب الإسرائيلية تتفق على إجماع صهيوني في كل ما يتعلق بمحاربة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ورفض التفاوض مع حركة "حماس"، وتؤيّد بشكل أو بآخر بقاء الكتل الاستيطانية والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. كما تُجمِع هذه الأحزاب على بقاء القدس المحتلة عاصمة أبدية لإسرائيل، وترفض أي انسحاب منها، إلا إذا كان جزئياً وفق معادلة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، لكنه يُبقي سيادة إسرائيلية كاملة في كل ما يتعلق بالأمن وحرية الحركة في البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى.
كما تُبيّن خريطة الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة هذه المرة ضعف فرص حدوث مفاجآت انتخابية، كالتي حدثت في الانتخابات الأخيرة عام 2012 وتمخضت عن فوز كبير لحزب "الوسط" بقيادة يئير لبيد، وحصد حزب "البيت اليهودي"، بقيادة نفتالي بينت، 12 مقعداً، وهو الحزب الوحيد الذي تتوقع له الاستطلاعات زيادة عدد مقاعده، مقابل التراجع الكبير الذي تتوقعه الاستطلاعات لحزبي وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان (يسرائيل بيتينو)، بسبب تورط أقطاب من الحزب في فضيحة فساد كبيرة، وتراجع قوة حزب يئير لبيد (ييش عتيد)، من 19 مقعداً إلى 12، بفعل أداء لبيد السيئ وغير الناجح في تطبيق وعوده الانتخابية.
أما في ما يتعلق بمواضيع الحملة الانتخابية والخطاب السياسي فيها، فيبدو أن طموح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأساسي تركيز الحملة الانتخابية على المواضيع السياسية والأمنية، خصوصاً ملفات إيران و"حماس" و"حزب الله" والتحريض المتواصل ضد السلطة الفلسطينية، وهذا ما يحظى بموافقة غالبية الجمهور الإسرائيلي الذي قال إن الاعتبار الأساسي الذي يأخذه بالحسبان هو المتعلق بالقضايا السياسية والأمنية، فيما يحاول تحالف "المعسكر الصهيوني"، بقيادة هرتسوغ وليفني، كما لبيد وموشيه كاحلون، جرّ المعركة الانتخابية وتركيزها على مسألة غلاء المعيشة وضائقة الإسكان وسوء حالة الطبقة الوسطى مقابل اتساع رقعة الشرائح الفقيرة.
كما أن الحملة الانتخابية مرشّحة لأن تكون مثقلة بالتحريض العنصري ضد الفلسطينيين في الداخل وضد مرشحيهم، ناهيك عن التحريض الأعمى ضد كل من هو فلسطيني، وهو ما سيتغذى أيضاً من محاولات نتنياهو لتركيز دعايته الانتخابية على الأمن، وعلى محاربة تنظيمي "داعش" و"القاعدة" وإسقاط كل ذلك على حركة "حماس"، من دون التورع عن اتهام السلطة الفلسطينية بممارسة الإرهاب السياسي والدبلوماسي، خصوصاً بعد التوقيع الفلسطيني على بروتوكول روما بطلب الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
ومن المتوقع أن يعود نتنياهو إلى تكرار خطبه عن الإرهاب ووجوب محاربته ومكافحته، فيما سيكون عليه التنافس مع ليبرمان وبينت في هذا السياق، خصوصاً بعد اتهام ليبرمان لنتنياهو بأنه استسلم وخضع لـ"حزب الله".
وسيكون على نتنياهو في هذه الانتخابات بذل جهود لضمان عودة ناخبي اليمين للتصويت لـ"الليكود" حتى يخرج بأكبر عدد ممكن من المقاعد (أعطاه آخر استطلاع لصحيفة معاريف 27 مقعداً)، ما سيريحه من مشاكل تشكيل ائتلاف حكومي من عدد كبير من الأحزاب لا يمكن السيطرة عليه، كما كان حال ائتلافه الأخير، إذ خضع لابتزاز متواصل من حزبي "البيت اليهودي" (في مجال الاستيطان والتنصل من تفاهمات تحرير الأسرى القدامى)، ومن حزب "ييش عتيد"، بقيادة لبيد، في مجال قوانين اقتصادية ومحاولة خفض أسعار الشقق السكنية وعدم فرض ضرائب جديدة بعد العدوان على قطاع غزة.