استمع إلى الملخص
- المعارضة التونسية، التي قاطعت الانتخابات وشككت في نزاهتها، تواجه انتقادات لعدم تجاوز طبيعتها الأيديولوجية، مما يعقد المشهد السياسي ويخدم الحاكم الحالي.
- نتائج الانتخابات تعكس تشرذم المعارضة وعجزها عن فرض شروط الاختيار الحر، مع توقعات اقتصادية ضعيفة حتى نهاية ولاية سعيّد، مما يضع البلاد أمام تحديات تنموية واجتماعية كبيرة.
لا تزال المعارضة التونسية تلتزم صمتاً شبه مطبق بعد الانتخابات الرئاسية التي حقق فيها الرئيس قيس سعيّد انتصاراً واضحاً على خصومه، وهو ما يعكس على الأرجح صدمتها، على الرغم من أنها لم تكن تعلّق آمالاً كبيرة عليها.
وشهدت انتخابات السادس من أكتوبر/تشرين الأول الحالي مشاركة تقارب المليونين والثمانمائة ألف ناخب (من بين تسعة ملايين وسبعمائة ألف ناخب مسجل)، صوّت منهم حوالي مليونين وأربعمائة ألف لسعيّد، فيما تقاسم منافساه، السجين العياشي زمال، والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، بقية الأصوات. مع العلم أنّ سعيّد كان حصل في الدور الأول من انتخابات 2019 الرئاسية على 620711 صوتاً. ولكنها كانت انتخابات بتنافسية عالية أمام 25 منافساً. وحصل في الدور الثاني على أصوات مليونين وسبعمائة ألف ناخب أمام منافسه نبيل القروي الذي حصل على ما يزيد عن مليون صوت.
وتثير نتائج الانتخابات تساؤلات عدة من بينها، هل يمكن اعتبار هذا العدد من المصوّتين لسعيّد فشلاً لمعارضيه في استقطاب التونسيين، وهل يعكس فشلاً في تقديم مشروع بديل يقنع الناخب التونسي، وهل أن غضب التونسيين على المعارضة التونسية وعلى منظومة ما قبل 25 يوليو/تموز 2021 وعلى الطبقة السياسية عموماً هو الذي يفسر هذا العزوف وهذه الأرقام؟ ومن بين التساؤلات أيضاً، كيف استطاع سعيّد أن يحافظ تقريباً على كتلته الانتخابية على الرغم مما تدعيه المعارضة التونسية من فشل مشروعه الاقتصادي والاجتماعي؟
هل فشلت المعارضة التونسية عبر المقاطعة؟
وقال رئيس المعهد العربي للديمقراطية، خالد شوكات، في تصريح لـ"العربي الجديد": "أنا لا أعتقد أن الانتخابات شكّلت فرصة من الأصل لمناقشة برامج أو إنتاج بدائل أو الحديث حول أفكار تنموية أو غيرها، والمعارضة التونسية بكافة أطيافها أعلنت مقاطعتها لهذه الانتخابات وشككت في جميع محطاتها، فالمرشحان اللذان سُمح لهما بالترشح (العياشي زمال وزهير المغزاوي)، أحدهما من داخل ما يسمى بمسار 25 يوليو (المغزاوي) والثاني وُضع في السجن وحُرم من التنافس على قدم المساواة (زمال)". لكنه لفت إلى أن "مقاطعة الانتخابات في حد ذاتها قد تكون وجهاً من وجوه الفشل من زاوية نظر أخرى، ترى في المقاطعة وسيلة احتجاجية سلبية موروثة من الأزمنة والعهود السابقة للثورة، وهي عملياً تخدم الحاكم القاعد على الكرسي لأنها تساعده في جعل استمراريته أمراً واقعاً". وأضاف أن "سبب المقاطعة، إذا ما اعتبرناها فشلاً سياسياً، مرده أن هذه المعارضة لم تتمكن من مغادرة طبيعتها الأيديولوجية والاحتجاجية الموروثة عن حقب الحرب الباردة، وعن ضعف البنية الديمقراطية للأحزاب المشكّلة لهذه المعارضة".
خالد شوكات: مقاطعة الانتخابات في حد ذاتها قد تكون وجهاً من وجوه الفشل، وهي عملياً تخدم الحاكم
وعن القراءة التي تذهب إلى اعتبار أن غضب غالبية التونسيين على ما قبل 25 يوليو لا يزال متواصلاً، على الرغم من فشل ما بعده في تحقيق تقدم فعلي في الملف الاقتصادي والاجتماعي، وحتى السياسي، قال شوكات إن "هذا كلام صحيح إلى حد بعيد، فنظام الحكم مستفيد من عملية ترذيل وهرسلة طاولت جلّ النخب، أحزاباً وشخصيات، تلك التي ساهمت في إدارة عشرية الانتقال الديمقراطي، سواء من موقع الحكم أو موقع المعارضة". وأضاف: "لقد اشتغلت جل وسائل الإعلام طيلة عشر سنوات متواصلة على تأليب الرأي العام ضد التجربة الديمقراطية، فبالغت في تشويه محاولاتها وتضخيم أخطائها والنيل من نزاهة القادة السياسيين. وهذا لا ينفي طبعاً وجود أخطاء كبيرة ارتُكبت ومنحت هذا الإعلام مادة ليبني عليها. ولعل عزوف 70% من التونسيين عن الذهاب لصناديق الاقتراع مردّه هذه النظرة السلبية، أكثر مما هو معارضة للنظام القائم".
ورأى شوكات أن "هذا العزوف عن المشاركة في الانتخابات يحمل في طياته عدّة دوافع متشابكة ومترابطة في آن، فهو عدم اقتناع بالجديد، ولكنه أيضاً رفض لعودة القديم، ولكن عدم الاقتناع والرفض يجب ألا يحجب عوامل إضافية من قبيل منح الأولوية للشؤون الخاصة وعدم المبالاة بالشأن العام، بالإضافة إلى عدم الإيمان بإمكانية التغيير من خلال الانتخابات". ولفت إلى أن "النظام عمل على تجديد ولاية أخرى للرئيس سعيّد بكل الطرق، وهذا الأمر هو الأيسر، لأن الأصعب هو الإنجاز التنموي الاقتصادي والاجتماعي، الذي يقتضي مناخاً سياسياً إيجابياً وهو ما لا يتوفر في تونس حالياً، ويشير أغلب الخبراء إلى أنه لن يتوفر في المدى المنظور، وهو ما تؤكده أيضاً المؤسسات المالية الدولية الكبرى التي تتوقع ألا تتجاوز نسبة النمو السنوي حتى 2029، نهاية ولاية سعيّد، حوالي 1,5%، وهو ما يعني أن لا تنمية في الأفق على الرغم من رفع شعار التشييد والبناء"، متوقعاً بالتالي أن "الرئيس سيواصل سياسته القائمة على مزيد من التعقيد والتأزيم، من دون منجز اقتصادي واجتماعي، بما سيدفع البلاد إلى أفق غامض لا يعلم فحواه أحد".
تشرذم وعجز عن التوافق
من جهته، اعتبر الباحث زهير إسماعيل أن "نتائج الانتخابات تعكس حقيقة المشهد السياسي في بلادنا، سلطة ومعارضة، وأهمّ ملمح فيها أنّها لم تتوفّر فيها شروط المشاركة الديمقراطية والاختيار الحر". وأضاف إسماعيل، في حديث لـ"العربي الجديد": "الأصل أن يُقاس فشل هذا الطرف أو ذاك عندما تجرى الانتخابات في وضع طبيعي وتحت إجراءات سليمة. وفي هذه الشروط يُقيَّم أداء الجميع وفي مقدمتها المعارضة التي يجب أن ينظر إليها على أنّها شريك في الوطن لا أن تكون موضوعاً ثابتاً للشيطنة، ولذلك يصعب الحديث عن بديل في مثل هذه الشروط".
وأوضح إسماعيل أن "فشل المعارضة في تقديرنا هو في عدم قدرتها، من خلال حراكها المواطني، على فرض شروط الاختيار الحر والحياة السياسية المتوازنة. وتبدو هذه مهمة حقوقية سياسية تتعلق بالحريات لا بالبدائل والبرامج. ولكن هذا التدقيق لا يخفي ضعف المعارضة وحالة التشرذم وعجزها عن الالتقاء على مشترك وطني تحتاجه البلاد للخروج من الأزمة المركّبة التي تعيشها بالبلاد".
زهير إسماعيل: فشل المعارضة هو في عدم قدرتها، من خلال حراكها المواطني، على فرض شروط الاختيار الحر والحياة السياسية المتوازنة
وعن العزوف الشعبي المتكرر، اعتبر إسماعيل أن "أسبابه سابقة لـ25 يوليو 2021 باعتباره انقلاباً على الدستور والديمقراطية في نظر المعارضة الديمقراطية"، موضحاً أن "عشرية الانتقال عرفت عزوفاً متدرجاً يمكن أن يُعتبر موقفاً متحولاً من العملية الديمقراطية ومحاولات تأسيس الحرية". وأضاف: "عرفت انتخابات 23 أكتوبر التأسيسية عام 2011، وهي أول انتخابات ديمقراطية ونزيهة في تاريخ تونس، نسبة إقبال مرتفعة. ثم بدأ النزول في نسبة المشاركة مطّرداً. وتمثّل هذه النسبة المتنازلة مؤشراً فعلياً على التعثر المتفاقم في الانتقال إلى الديمقراطية، والذي انتهى إلى ما يشبه اليأس من جدواه. وانتهى المشهد السياسي إلى ترذيل الديمقراطية حتى صارت مرادفاً للفساد والنزعة الغنائمية ضعيفة الصلة بالمصلحة العامة وخدمة الشأن العام". وتابع: "كان منتظراً من 25 يوليو، الذي تقدّم على أنّه مسار تصحيح، أن تعرف نسبة المشاركة في الاستحقاقات التي تقدم بها ارتفاعاً كبيراً، ولكن النسب التي تم الإعلان عنها رسمياً في كل الاستحقاقات الانتخابية (الاستمارة، الاستفتاء، الانتخابات البرلمانية…) غير مسبوقة في تدنيها حتى مقارنة إلى آخر انتخابات ديمقراطية عرفتها البلاد في 2019. فالأمر حينئذ يتعلق بأزمة بنيوية في المجتمع والدولة والنخبة السياسية".