30 مارس 2020
انتخابات العراق.. أي جدوى؟
رافد جبوري
كاتب وصحفي عراقي، مراسل تلفزيون العربي في واشنطن، له مقالات وبحوث منشورة باللغتين العربية والانكليزية، ماجستير في التاريخ المعاصر والسياسة من جامعة لندن.
جاءت نسبة المشاركة في الانتخابات العراقية متدنية. وقالت مفوضية الانتخابات التي يتألف مجلسها الأعلى من ممثلين للأحزاب العراقية المتنفذة إن النسبة هي 44%، لكن صحافيين موثوقين يعملون داخل العراق أبدوا شكوكهم بشأن صحة هذا الرقم الذي هو على أية حال يمثل نسبة أقل من الدورات الانتخابية السابقة التي جرت في العراق منذ عام 2005. وتتعامل الأحزاب التي تسيطر على العملية السياسية والحكم في العراق بطريقة متوترة مع أي دعوة إلى مقاطعة الانتخابات، وتحاول أن تسبغ على الانتخابات صفة الشرعية بكل الطرق. لا يأتي هذا بسبب أن تلك القوى ديمقراطية، أو صاحبة هدف بناء ديمقراطية حقيقية، بل من حرصها على الوضع الحالي في العراق الذي يضمن مصالحها وسيطرتها. حتى إذا صدّقنا نسبة 44% الرسمية، فإننا أمام أزمة في المشاركة السياسية في العراق، على الرغم من أن الظروف الأمنية الحالية أفضل منها في السنوات السابقة.
في طليعة العوامل التي أدت إلى انحسار المشاركة وصول العراقيين إلى قناعةٍ بأن من يحدد منصب رئاسة الوزراء تحديداً، والمراكز العليا الأخرى إلى حد كبير، هو التوافق الأميركي الإيراني مع عوامل أخرى أقل تأثيراً. وقد أدت هذه القناعة إلى إفراغ الانتخابات من عامل كونها سباقاً نحو اختيار الحاكم، وهي من أهم نقاط الجذب للمشاركة في أي مكان في العالم. تستند هذه القناعة إلى تجارب الماضي. ففي عام 2010، حصلت القائمة العراقية التي كان يترأسها السياسي الشيعي العلماني ذو الجذور البعثية، إياد علاوي، على أكبر عدد من المقاعد، متقدماً بفارق مقعدين فقط عن رئيس الوزراء حينذاك وزعيم حزب الدعوة المدعوم من أميركا وإيران، نوري المالكي، لكن قراراً صدر من المحكمة العليا الاتحادية نص على أن الكتلة
الأكبر التي يكلف مرشحها بتشكيل الحكومة من الممكن أن تشكل بعد الانتخابات. أدى ذلك في النهاية إلى تشكيل المالكي الحكومة، وتولي رئاسة الوزراء فترة ثانية. عاد المالكي ليذوق من الكأس نفسه، عندما فاز بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات عام 2014، لكنه لم يُمنح تكليف تشكيل الحكومة، لوجود أكثر من اعتراض عليه، أهمها الأميركي، فتولى أحد أنصاره، وهو حيدر العبادي، رئاسة الوزراء، ليتحول ندّاً له.
وإذا كانت أطراف عديدة أبدت ارتياحها من انحسار الاستقطاب الطائفي في الانتخابات الحالية، فلهذا الأمر جوانب متعددة، أهمها أنه يأتي مع عملية انحسار كبير للمجتمع السني في العراق والمنطقة عموماً. ففي العراق هناك ثلاثة ملايين نازح، معظمهم من السنّة، وأكثر من نصفهم يعيشون في المخيمات، وفي ظروف مادية صعبة. ويؤدي هذا، بطبيعة الحال، إلى ضعف المشاركة في الانتخابات في تلك المناطق. الجانب الآخر في قضية الطائفية والانتخابات أن التحشيد الطائفي كان عاملاً يحفز الناخبين من الطوائف العراقية للمشاركة من أجل حصة أكبر من الحكم الذي يقوم على أساس المحاصصة الطائفية، بينما تجري هذه الانتخابات في أجواء حُسمت فيها ميدانياً موازين القوى الطائفية، فبالإضافة إلى انكفاء السنة، وتأخر إعمار مدنهم المدمرة من جراء الحرب ضد تنظيم داعش، فقد ضعف الكرد كثيراً منذ محاولتهم الفاشلة لتشكيل دولةٍ عن طريق إجراء استفتاء العام الماضي.
في المقابل، لم تؤد سيطرة الأحزاب التي تدّعي تمثيل الشيعة على السلطة إلى تنمية حقيقة في المناطق ذات الغالبية الشيعية في بغداد وجنوب العراق، فما تزال نسب الفقر والتهميش عاليةً في تلك المناطق التي ظهرت فيها تياراتٌ مدنيةٌ ترفض الطائفية من حيث المبدأ، لكن هذه التيارات تبحث عن طريقٍ للتأثير السياسي الفعال. إحدى المحاولات قام بها الحزب الشيوعي العراقي الذي لم يستطع الفوز بأي مقعد برلماني في الدورتين الانتخابيتين السابقتين، على
الرغم من تاريخه، فقد تحالف الشيوعيون مع التيار الذي يقوده مقتدى الصدر، وهو تيار شيعي ديني، وصديق لإيران، لكنه يقول إنه الأقل تأثراً بنفوذها. وقد أبدى الصدر في السنوات الأخيرة تفهماً للتيارات المدنية، وابتعاداً عن العنف الطائفي الذي مارسه أتباعه في سنوات ماضية. من المتوقع أن يلعب هذا التحالف، واسمه "سائرون" دوراً رئيسياً في تشكيل الحكومة المقبلة، لكن ناقديه يقولون إنه لا يمثل قوة مدنية علمانية حقيقية. هناك أيضاً تشكيلان صغيران، يرفعان شعار المدنيّة، يقود أحدهما النائب المعروف بتصريحاته المثيرة للجدل فائق الشيخ علي، لكن النظام الانتخابي، والتركيبة الاقتصادية - الاجتماعية على العموم، جعل صعباً على الأحزاب الصغيرة أن تتنافس مع الأحزاب الكبيرة المسيطرة على الحكم. وشكل ذلك سبباً آخر من أسباب ضعف المشاركة، وقرار مثقفين وإعلاميين وناشطين كثيرين مقاطعة الانتخابات، بسبب عدم قناعتهم بجدواها وسيلة للتغيير والإصلاح.
وبمناسبة الحديث عن نسب المشاركة في الانتخابات، فإن النسبة الأهم في العراق قد تكون نسبة الفقراء، وهي نحو 30%، على الرغم من عائدات النفط الذي تفوق صادرات العراق منه ثلاثة ملايين برميل يومياً. هؤلاء الفقراء، وهم من مختلف الطوائف العراقية، ولا يبدو أنهم اكترثوا كثيراً بعمليةٍ انتخابيةٍ، رأوها تأتي وتذهب كل مرة، من غير أن تتحسّن أوضاعهم. ويشكل هؤلاء قاعدة تجنيد دائمة للجماعات المتشددة من كل الطوائف، ومن غير تنمية حقيقية، وفتح الطريق أمامهم للالتحاق بالطبقة الوسطى. ومن غير مكافحة حقيقية للفساد والطائفية، ستبقى الانتخابات في العراق مناسبةً لإعادة رسم حصص أحزاب السلطة، لا عملية بناء ديمقراطي يحلم به العراقيون.
في طليعة العوامل التي أدت إلى انحسار المشاركة وصول العراقيين إلى قناعةٍ بأن من يحدد منصب رئاسة الوزراء تحديداً، والمراكز العليا الأخرى إلى حد كبير، هو التوافق الأميركي الإيراني مع عوامل أخرى أقل تأثيراً. وقد أدت هذه القناعة إلى إفراغ الانتخابات من عامل كونها سباقاً نحو اختيار الحاكم، وهي من أهم نقاط الجذب للمشاركة في أي مكان في العالم. تستند هذه القناعة إلى تجارب الماضي. ففي عام 2010، حصلت القائمة العراقية التي كان يترأسها السياسي الشيعي العلماني ذو الجذور البعثية، إياد علاوي، على أكبر عدد من المقاعد، متقدماً بفارق مقعدين فقط عن رئيس الوزراء حينذاك وزعيم حزب الدعوة المدعوم من أميركا وإيران، نوري المالكي، لكن قراراً صدر من المحكمة العليا الاتحادية نص على أن الكتلة
وإذا كانت أطراف عديدة أبدت ارتياحها من انحسار الاستقطاب الطائفي في الانتخابات الحالية، فلهذا الأمر جوانب متعددة، أهمها أنه يأتي مع عملية انحسار كبير للمجتمع السني في العراق والمنطقة عموماً. ففي العراق هناك ثلاثة ملايين نازح، معظمهم من السنّة، وأكثر من نصفهم يعيشون في المخيمات، وفي ظروف مادية صعبة. ويؤدي هذا، بطبيعة الحال، إلى ضعف المشاركة في الانتخابات في تلك المناطق. الجانب الآخر في قضية الطائفية والانتخابات أن التحشيد الطائفي كان عاملاً يحفز الناخبين من الطوائف العراقية للمشاركة من أجل حصة أكبر من الحكم الذي يقوم على أساس المحاصصة الطائفية، بينما تجري هذه الانتخابات في أجواء حُسمت فيها ميدانياً موازين القوى الطائفية، فبالإضافة إلى انكفاء السنة، وتأخر إعمار مدنهم المدمرة من جراء الحرب ضد تنظيم داعش، فقد ضعف الكرد كثيراً منذ محاولتهم الفاشلة لتشكيل دولةٍ عن طريق إجراء استفتاء العام الماضي.
في المقابل، لم تؤد سيطرة الأحزاب التي تدّعي تمثيل الشيعة على السلطة إلى تنمية حقيقة في المناطق ذات الغالبية الشيعية في بغداد وجنوب العراق، فما تزال نسب الفقر والتهميش عاليةً في تلك المناطق التي ظهرت فيها تياراتٌ مدنيةٌ ترفض الطائفية من حيث المبدأ، لكن هذه التيارات تبحث عن طريقٍ للتأثير السياسي الفعال. إحدى المحاولات قام بها الحزب الشيوعي العراقي الذي لم يستطع الفوز بأي مقعد برلماني في الدورتين الانتخابيتين السابقتين، على
وبمناسبة الحديث عن نسب المشاركة في الانتخابات، فإن النسبة الأهم في العراق قد تكون نسبة الفقراء، وهي نحو 30%، على الرغم من عائدات النفط الذي تفوق صادرات العراق منه ثلاثة ملايين برميل يومياً. هؤلاء الفقراء، وهم من مختلف الطوائف العراقية، ولا يبدو أنهم اكترثوا كثيراً بعمليةٍ انتخابيةٍ، رأوها تأتي وتذهب كل مرة، من غير أن تتحسّن أوضاعهم. ويشكل هؤلاء قاعدة تجنيد دائمة للجماعات المتشددة من كل الطوائف، ومن غير تنمية حقيقية، وفتح الطريق أمامهم للالتحاق بالطبقة الوسطى. ومن غير مكافحة حقيقية للفساد والطائفية، ستبقى الانتخابات في العراق مناسبةً لإعادة رسم حصص أحزاب السلطة، لا عملية بناء ديمقراطي يحلم به العراقيون.
دلالات
رافد جبوري
كاتب وصحفي عراقي، مراسل تلفزيون العربي في واشنطن، له مقالات وبحوث منشورة باللغتين العربية والانكليزية، ماجستير في التاريخ المعاصر والسياسة من جامعة لندن.
رافد جبوري
مقالات أخرى
20 مارس 2020
12 مارس 2020
05 مارس 2020