يعود الناخبون في الولايات المتحدة الأميركية إلى صناديق الاقتراع، في الانتخابات النصفية، بوعي أكبر من أيّ مرة سابقة، وهو وعي يرجع إلى السياسة المتشددة التي يعتمدها الرئيس دونالد ترامب في قضاياهم الأساسية.
يتوجه ملايين الأميركيين، اليوم الثلاثاء، إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات النصفية، والتي تجري كلّ سنتين، لاختيار قرابة ثلث مقاعد مجلس الشيوخ، أي 35 من أصل 100 عضو، وجميع أعضاء مجلس النواب، 435، الذين يجري انتخابهم مرة كلّ سنتين، بالإضافة إلى انتخاب 36 حاكم ولاية أميركية من أصل 50.
وتُعَدّ هذه الانتخابات على قدر كبير من الأهمية لأنّها تهدد بفقدان الرئيس الأميركي وحزبه الجمهوري الأغلبية التي يتمتع بها حالياً في كلّ من مجلس النواب ومجلس الشيوخ. وفي حال خسر الحزب الجمهوري الأغلبية في أيّ من المجلسين ستتعقد الأمور بالنسبة للرئيس الأميركي، وسيكون، مع حزبه، مكتوفي الأيدي في ما يخص سَنّ أيّ قوانين لأنّ تمريرها يحتاج إلى الحصول على تأييد أغلب النواب في كلا المجلسين. ومما يزيد في أهمية هذه الانتخابات هو أنّ الحزبين يعتبرانها تصويتاً مبكراً للرأي العام الأميركي على سياسات الرئيس الأميركي وأعضاء حزبه الجمهوري ومدى رضا المواطنين عنها.
عموماً، يلعب الاقتصاد دوراً رئيسياً للناخب الأميركي. وقد تلعب أمور أخرى كالسياسات الخارجية دوراً، في حال كان البلد في حالة حرب مثلاً، ويكون ذلك خلال الانتخابات الرئاسية. أما في الانتخابات النصفية فالأهمية القصوى تكون للهموم الاجتماعية.
في مثل هذه الأحوال، ما هي أولويات الأميركيين للتصويت؟ وما تبعات استمرار الجمهوريين في السيطرة على مقاعد المجلسين؟ للإجابة عن السؤالين وغيرهما، تتوجه "العربي الجديد" إلى عدد من الناخبين الأميركيين في نيويورك، لتحديد أولوياتهم في هذه الانتخابات. يقول ثيودور، وهو شاب من ولاية نيوجيرسي ويعمل في مركز لتقديم الخدمات الاجتماعية في نيويورك، إنّه يصوّت في ولاية نيوجيرسي لأنّه ما زال يسكن هناك، وهمّه الرئيس هو انتخاب مرشح ديمقراطي خصوصاً لمجلس النواب عن دائرته بدلاً من العضو الجمهوري الحالي، لأنّ ما يأتي من واشنطن (الرئيس دونالد ترامب) من تصريحات شعبوية ضد الأقليات والمهاجرين يقلقه بشدة. يضيف: "صوتي سيذهب لكلّ المرشحين الذين يتنافسون ضد الجمهوريين وضد سياسات ترامب". أما ليون، التي تعمل في المركز نفسه، فتقول إنّ أولوياتها تتعلق بالتأمين الصحي إذ إنّ والدتها مريضة بالسرطان وتمكنت من التعافي منه، لكنّها تحتاج إلى متابعة ووقاية مستمرة. تتابع: "كانت تكاليف العلاج باهظة بالنسبة لنا على الرغم من التأمين الصحي الذي ساعدنا بشكل كبير. أيّ تغيير في القوانين وعدم تمكننا من إبقاء التأمين سيعني كارثة لنا. لذلك، أنظر بشكل رئيسي إلى سجل المرشح لمجلس النواب عن دائرتي في ما يخص قوانين التأمين الصحي".
من جهتها، تشير فرح، وهي طالبة جامعية من أصول يمنية، إلى أنّها تهتم بعدة أمور، من بينها الاقتصاد والوظائف، ومن بينها كذلك سياسات الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، في ما يخص المهاجرين والمسلمين. وتنعكس تلك الهموم عموماً على أولويات الناخب الأميركي، فتتبدل المراكز، لكنّ المواضيع الأربعة المسيطرة التي تحدد توجهات الناخب الأميركي هي الصحة (التأمين الصحي)، والوظائف (الاقتصاد)، والضرائب، والهجرة.
يشير مركز "ويسليان ميديا بروجيكت" وهو مركز متخصص في رصد وتحليل الحملات الانتخابية والدعائية في الولايات المتحدة إلى "أنّ موضوع التأمين الصحي المعروف تحت اسم، أوباما كير، على سلم أولويات ملايين الناخبين الأميركيين". وينعكس ذلك على العديد من مظاهر الانتخابات، بحسب المركز، وليس فقط على برامج المرشحين، بل أيضاً على الدعايات الانتخابية، المتلفزة وغيرها، إذ يلاحظ تركيز المرشحين الديمقراطيين على الموضوع، في حين يحاول الجمهوريون التغاضي عنه لأنّهم لم يتمكنوا من إلغاء أو تبديل قانون التأمين الصحي الذي سنّ في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وهو ما كانوا قد وعدوا به في الانتخابات السابقة، 2016، على الرغم من سيطرتهم على أغلبية في المجلسين. وسيرى الجمهوريون، في حال حصلوا على أغلبية في المجلسين مجدداً، بذلك الفوز فرصة لكي يحاولوا إلغاءه مجدداً.
يتفق "مركز بيو للأبحاث" مع استطلاع ودراسات أخرى حول أهم المواضيع التي تشغل الناخب الأميركي عموماً، لكنّه يشير في الوقت نفسه إلى أنّ سلم الأولويات يتغير في ما يخص أهم المواضيع: الصحة والاقتصاد، والضرائب، والهجرة، بحسب الانتماء الحزبي. وبحسب استطلاعات الرأي الأخيرة للمركز، فإنّ ثلاثة أرباع الناخبين الأميركيين المسجلين يشيرون إلى أنّ الصحة والاقتصاد هي القضايا الرئيسية التي تؤثر على تصويتهم هذا العام. وقد أكد تسعة من كلّ عشرة أشخاص يصوتون لصالح الحزب الديمقراطي أنّ موضوع الرعاية الصحية مهم للغاية، مقابل ستة من كلّ عشرة من المسجلين كجمهوريين. وانعكست الآية في ما يخص الاقتصاد إذ أدرجه 85 في المائة من الجمهوريين كأهم عامل، فيما رأى 66 في المائة من الديمقراطيين أنّه واحد من الأولويات. ويخشى الديمقراطيون من أنّ تسجيل الاقتصاد الأميركي نسباً منخفضة من البطالة وتعافي الاقتصاد، والتي بدأت جميعها في نهايات فترة الرئيس باراك أوباما، قد يعطي الجمهوريين حظوظاً جيدة في الاستمرار في السيطرة على المجلسين.
لا يمكن النظر إلى هذه الانتخابات بمعزل عما شهدته الساحة الأميركية في الانتخابات الماضية وتشكيك الرئيس الأميركي خلال حملته بهوية وانتماء شرائح عديدة من المجتمع للولايات المتحدة، ومن بينهم المسلمون والمهاجرون المنحدرون من أميركا اللاتينية، ناهيك عن التصريحات العنصرية والذكورية. التصعيد في هذا المجال مستمر ويدور مجدداً وبشكل أعمق حول قضية الانتماء والهوية الأميركية، أو بشكل أدق الصراع على هوية أميركا المحافظة المستمرة بإغلاق حدودها من جهة، وبين أميركا المنفتحة على جميع الهويات لا أميركا ذات الأغلبية البيضاء (من أصول أوروبية)، على الأقل نظرياً.
في الأسابيع الأخيرة وحدها تبلورت هذه المسألة في قضيتين فجرهما الرئيس الأميركي، أولهما قضية المهاجرين الآتين من دول أميركا الجنوبية، وثانيهما نيته تغيير قوانين "حق الولادة"، إذ يعتبر الدستور الأميركي كلّ من يولد على الأرض الأميركية أميركياً حتى لو ولد من أبوين غير أميركيين. وعلى الرغم من اعتراضات أعلنها مرشحون في حزبه وتأكيدهم أنّ هذا ليس من صلاحيات الرئيس فإنّ تصريحات من هذا القبيل تستخدم كوقود يغذي شريحة لا بأس بها من ناخبيه العنصريين.
تشعر شرائح واسعة من الأقليات بزيادة في التهديد والهجمات العنصرية ضدها سواء كانوا من المسلمين أو اليهود أو السود أو المهاجرين من جنوب ووسط أميركا. وعلى الرغم من أنّ هذه التصريحات ليست جديدة إذ لم يخبئ ترامب عنصريته وكرهه للأقليات فإنّ هناك من لم يأخذ تلك التهديدات على محمل الجد بالقدر المتوقع، إذ انتخب على سبيل المثال قرابة 17 في المائة من المسلمين الأميركيين ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وتشير فاطمة، التي تسكن في منطقة بروكلين بمدينة نيويورك وتملك مع زوجها محل بقالة، إلى أنّها هي وزوجها انتخبا ترامب لأنّهما اعتقدا أنّ التخفيضات الضريبية وتحسين الاقتصاد ستكون أهم من أي شيء آخر. وتؤكد أنّها شعرت بتأنيب ضمير عندما أدركت عواقب انتخابه على أصدقاء يمنيين لها واستحالة لمّ الشمل مع أسرهم بسبب قرار المنع الذي فرضه ترامب ضد دخول مسلمين من دول مختلفة إلى الولايات المتحدة من بينها اليمن.
معلومات الأميركيين واهتماماتهم السياسية تبقى محدودة نسبياً إذا ما قورنت بمواطني دول صناعية أخرى، كألمانيا مثلاً. لكنّ تحولاً حدث في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع انتخاب ترامب، أضفى طابعاً أكثر شخصية على الانتخابات عموماً، السابقة والحالية، وكشف عن شرخ يكبر داخل المجتمع الأميركي حول هويته الاجتماعية والسياسية. كذلك، أدى ذلك بشكل إيجابي لاهتمام عدد أكبر من الأميركيين بالسياسة. لكن، إلى أي مدى سيترجم هذا الوعي والاهتمام في صناديق الاقتراع؟ لا يمكننا الإجابة عن هذا السؤال حتى ظهور النتائج، هذه الليلة.