انتحار الثورة

08 يناير 2015
وقُتلت ثورتهم من على أعلى شرفة في التاريخ (Getty)
+ الخط -

من على ناصية الحلم، انفجرت ثوراتهم وقادوها أملاً بمستقبلٍ واعد، لم يعلموا بأنها ولربما هي القاتل نفسه لهم ولأحلامهم، ابتدأت بمحمد بو عزيزي حين أحرق نفسه، واستمرت بمسلسل الانتحارات دون نهاية تلوح في الأفق.

يموت المرء منّا مرة ولكن أن يقتل مراراً، فذاك قد يدعوه حقاً إلى الانتحار الأخير أو أن يرى الحرية بقتلِ نفسه والتخلص من مطاردات أحلامه المكبوتة.

فالقبر خير ملاذ آمن لن يراودك فيه طموحك، ولن تحتاج لبضع جنيهات تدفعها علاجاً لطفلتك المريضة، ولن تحتاج أيضاً لأن تسأل نفسك كل يوم من أين سآتي بثمن رغيف الخبز حتى وإن كان معجوناً بدماء الثورة.

إبليس الثورة لم يرحم لا كاهلاً في العمر ولا شاباً يحلم بالأمان، وحتى الحب لم يغفر له ليُبقيه على قيدِ الحياة.

في الارتفاع الملحوظ لنسبة الانتحار في دول الربيع العربي، ولربما من الممكن أن نطلق عليه "خاطفي الزهر العربي"

حيثُ رصد جهازالتعبئة والإحصاء في مصر 18 ألف حالة محاولة انتحار منذ عام 2011 حتى عام 2014، أي ما بعد ثورة يناير. أهي ثورة للانتحار؟ ما الذي يدفع الشباب إلى الانتحار؟!

قامت الثورات العربيّة أملاً في الديمقراطية والحريّة، في حياة كريمة تكفل العدل بين جميع الطبقات فكان هتافها "عيش، حرية، عدالة اجتماعيّة" سعياً لأن ينالوا أبسط حقوقهم الإنسانيّة الطبيعية.

عندما ينظر الشاب أمامه ولا يرى مما كان يحلم به سوى ازدياد الظلم، الفساد، الإهانة، القتل والدمار، حين لا يجد وظيفة مناسبة ويمنع من إكمال دراسته الجامعية في جامعات الوطن الموقر فقط لأنه قال "لا" وأراد تغيير الحال. حين يُنكل به ويساق إلى زنزانة لا تصلح لحياة آدميّة ويوضع خلفَ الشمس لا يعلم أهله عنه شيئاً، ولا يعلم هو أصلاً عن نفسه شيئاً، ويجد نفسه أمام اللاشيء مقيّد اللسان والفكر والحرية، أليس في ذلك انتحار لطاقات الشباب، التي كان من المفروض استغلالها جيداً وتوجيهها للبناء بدلاً من قتلها؟

وعندما لا يجد رجلاً قوت يومه ولا يملك في جيبه ما يسدّ جوع أطفاله فماذا يجب عليه أن يفعل؟! لن يجد بديلاً سوى الانتحار، سيهرب من الموت إلى موت أرحم في نظره.

انتحرت أحلامهم وانتحرت آمالهم وقُتلت ثورتهم من على أعلى شرفة في التاريخ.

لوهلة كان هناك بصيص أمل لعرس ديمقراطي قتل قبل اكتمال نموّه، وقتلت معه أرواحٌ كثيرة. إذاً ماذا لدينا سوى الانتحار، الانتحار المتكرر للنفس، انتحار الطموح وانتحار أهداف الثورة.

سيطرة القوي وهيمنة الغني، إهانة الضعيف وسرطان الفقر يتشبع زوايا ثورة الربيع العربي، من المسؤول عن كل ذلك، وهل ستستمر ثورة الانتحارات على ما هي عليه، أم أنها ستقوم يوماً ثورة ضد الانتحار تفجر الظلم فتقتله.
لربما.


*فلسطين

المساهمون