اليمن: هدنة أرحب تتعثر وصنعاء تستعد للجولة المقبلة!

07 فبراير 2014
+ الخط -

لم تصمد طويلًا الهدنة بين جماعة "أنصار الله" ومسلحين قبليين موالين لحزب التجمع اليمني للاصلاح في أرحب في شمال اليمن، بعد تجدد المواجهات والأنباء عن وصولها إلى مقربة من المطار الدولي وسط مخاوف من أن تكون الجولة المقبلة في قلب صنعاء.


امين محافظة صنعاء، عبد القادر هلال، كان أول من بادر، مساء الخميس، إلى اعلان انسحابه من اللجنة الرئاسية المكلفة بحل النزاع في أرحب، متهماً "أنصار الله" بخرق اتفاق الهدنة.


هلال، الذي قاد قبل أيام بنجاح الوساطة بين "أنصار الله" والمقاتلين من حاشد في منطقتي الخمري وحوث (معقل آل الأحمر)، لفت إلى أن الجهود المبذولة لوقف الحرب في أرحب كانت توصلت إلى اتفاق يتضمن ثلاث نقاط رئيسية تتمثل في الوقف الفوري لإطلاق النار من قبل الطرفين، رفع المواقع والنقاط والمتاريس وتسليمها للدولة من قبل الطرفين، وأخيراً عودة المقاتلين والمسلحين الوافدين من مناطق أخرى من قبل الطرفين إلى مناطقهم. 
وأوضح أنه "بعدما تم التوافق على اعتماد مبدأ التزامن في تنفيذ النقاط"، تراجع "أنصار الله" عن موافقتهم على البند الثالث وقرروا الاكتفاء "حسب ما طُرح من قبلهم بنزولهم من المواقع فقط الى البيوت". 


رفِض "انصار الله" الالتزام بالبند الثالث، لم ينكره المتحدث باسمهم في الحوار الوطني، علي البخيتي. لكنه عزاه في منشور على صفحته على "فايسبوك" إلى أنه "سبق وتوصلنا الى الكثير من الاتفاقات مع الطرف الآخر -حزب الإصلاح- الذي يخوض الحرب ضدنا في أرحب، وكنا صادقين في الالتزام بها...لكن الطرف الآخر كان يجيد التهرب من الاتفاقات ويقطع الطرقات ويخوض الحرب مجدداً، وبمسميات أخرى".


وربط البخيتي بين موافقة أنصار الله على العودة إلى طاولة المفاوضات وإخراج كل المسلحين المنتمين له والذين هم من خارج المنطقة وبين "ايجاد ضمانات موضوعية وحقيقية لعدم تكرار الخروقات وضمان عدم عودة الوضع الى نقطة الصفر مُجدداً". وأضاف "نريد سلاماً دائماً في منطقة أرحب لا وقفاً مؤقتاً لإطلاق النارـ سلاماً يضمن عودة الحياة الى طبيعتها، ويضمن حرية كل الأطراف في ممارسة العمل السياسي والفكري بالطرق السلمية، ويضمن عدم قطع الطرقات للضغط على ابناء المنطقة أو ممارسة عقاب جماعي بحقهم، كون الطريق شريان حياة يستفيد منه كل ابناء المنطقة وتنتعش به كل أنشطتهم الاقتصادية". 


وفي ظل تصويب أنصار الله على دور حزب الإصلاح في معارك أرحب من جهة، ومطالبات مؤيدي الإصلاح لحزبهم بعدم السماح لأنصار الله بمزيد من التمدد من جهةً ثانية، اعتبر رئيس التجمع اليمني للاصلاح، محمد عبد الله اليدومي "أن بعض الناس يحمِّلون الإصلاح ما لا يحتمله". 


وفيما اعتبر أنهم "يريدون منه أن يقوم مقام الدولة في بعض الأمور التي يرون أن الدولة لم تقم بواجبها نحو تلك الأمور، متناسين أو متجاهلين أو راغبين في جرِّه الى التعاطي مع أساليب لم يتعود الانجرار اليها أو التعامل معها"، شدد على أن الاصلاح "تنظيم سياسي يسعى الى تحقيق أهدافه بالوسائل المشروعة".

وبانتظار عودة الاتصالات لاستكمال الوساطة ومعرفة ما اذا كان سيتم التوصل إلى وقف جديد ولو مؤقتاً لاطلاق النار، فإن انعكاسات الحرب وتمددها إلى أرحب التي لا تبعد سوى ٣٥ كيلومتراً عن صنعاء، باتت تثير مخاوف جدية من أن الجولة المقبلة من الحرب لن تكون سوى داخل أحياء صنعاء وليس فقط على تخومها.


هذه المخاوف تعززها خصوصاً، المعلومات التي لم يتردد مقربون من الإصلاح في تأكيدها لـ"الجديد" من أن الحزب بدأ عمليات توزيع سلاح لأنصاره بكثرة داخل العاصمة استعداداً للمواجهة المرتقبة في ظل قناعة راسخة بأن أنصار الله بدورهم قاموا خلال الأشهر الطويلة الماضية بتكديس الأسلحة في العاصمة. 


وإن كان السلاح منتشراً بقوة في عموم اليمن وليس بحاجة إلى من يؤكد وجوده لدى جميع القوى أو سهولة الحصول عليه، فإن صنعاء في الأصل، سبق لها أن شهدت "بروفة" مصغرة لهذه الحرب العام الماضي، وتحديداً في شهر رمضان، عندما اندلعت اشتباكات بين أنصار الله من جهة والإصلاح والسلفيين من جهة ثانية بعد خلافات داخل أحد مساجد العاصمة على صلاة التراويح كان السلاح حاضراً فيها بقوة. 


مما لا شك فيه أن انتقال الحرب إلى صنعاء سيكون من أول تداعياته اعلان انهيار التسوية السياسية برمتها ووضع مقررات الحوار الوطني الذي انتهت أعماله واستكمال المرحلة الانتقالية في مهب الريح.


لكن الأخطر أنها ستكون بمثابة اعلان رسمي عن دخول البلاد في حرب أهلية طاحنة لن يُعرف متى أو كيف يمكن أن تتوقف، وخصوصاً أن موازين القوى داخل العاصمة أكثر تعقيداً مما هي عليه في محافظتي صعدة وعمران أو داخل مديرية أرحب. 
كما أن عرض القوة السياسية لأنصار الله في صنعاء، الذي تجلى بمشاركة مئات الآلاف من مؤيديها في أكثر من مناسبة سياسية واجتماعية، لا يعني على الإطلاق أنه سيسمح للجماعة بالتمدد عسكرياً إلى صنعاء بسهولة. 


وهو ما بدا واضحاً ليس فقط من الرسالة التي قيل إن الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، وجهها للجماعة بضرورة التوقف عن التمدد أو سيضطر إلى التدخل بل أيضاً من الرسائل الاقليمية وتحديداً الخليجية. وهي رسائل عكستها حركة الاتصالات المكثفة بهادي، كان أبرزها من وزير الداخلية السعودي، الأمير محمد بن نايف الذي أكد للرئيس اليمني أن "أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة”.

وبينما تصرّ الأطراف المتصارعة في كل مرة على رمي التهم على بعضها البعض مع كل جولة من الاقتتال، وتصوير نفسها على أنها في موقع الدفاع عن النفس فقط، يشير الواقع إلى تحمل جميع هذه الأطراف المسؤولية عن كل ما يجري حالياً وتداعياته.
وهي مسؤولية لا تنبع فقط من أن الجميع يمتلك السلاح، بل لأن كل طرف من هؤلاء لا يتردد في اطلاق شعارات رنانة عن تمسكه بالجمهورية والمدنية وأهداف الثورة الشبابية التي تقترب من عامها الثالث، مقابل استغلاله الضعف المتجذر في بنية الدولة اليمنية لتحقيقه أهدافاً خاصة به.


على الرغم من كل ذلك، تتجه الأنظار هذه المرة إلى أنصار الله لمعرفة ما اذا كانت ستدرك خطورة اللحظة وتساهم في تقديم تنازلات لتضع الحرب أوزارها في أرحب، تمهيداً للبحث عن تسوية سياسية، أم أن نشوة القوة ستستمر في دغدغتها.

الجماعة بات واضحاً أنها تعيش فائضاً من القوة، ما يجعلها تسارع إلى استخدامها ليس فقط للحسم عسكرياً بل أيضاً لفرض شروطها ضمن منطق "المنتصر يُقصي المهزوم". 


لكن ما تغفله الجماعة أن هذه الممارسات تجعل من خطاب المظلومية الذي لطالما اعتمدت عليه للدفاع عن نفسها سواء وسط أنصارها أو باقي اليمنيين، غير مجدٍ.
أما تبرير انخراطها في الاقتتال كل مرة بالدفاع عن النفس نتيجة غياب الدولة، فليس سوى شماعة، ولا سيما أن أنصار الله، أثبتت بممارساتها على غرار باقي الأطراف اليمنية، أن مطالبتها بالدولة لا تعدو كونها مطالبة شكلية. وأن الأصوات لا تعلو باحثةً عن الدولة إلا في محاولة لرمي الأخطاء عليها أو للاستعانة بها لمواجهة الخصوم.

 

 

المساهمون