انتهت جولة المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في المنطقة، من دون أن تسفر عن أي نتائج واضحة، باستثناء فشلها في تحقيق أي تقدم على صعيد إعادة الأطراف اليمنية إلى طاولة المشاورات، بناءً على "خارطة الطريق" المقترحة من الأمم المتحدة، والتي تواصل الحكومة رفضها لها، على الرغم من التأييد الخليجي المعلن في ختام القمة للخارطة. وكان المبعوث الأممي إلى اليمن، اختتم منذ أيام، جولة في المنطقة، بدأها في العاصمة العُمانية مسقط، حيث التقى وفد جماعة أنصار الله (الحوثيين)، ثم انتقل إلى العاصمة السعودية الرياض التي عقد فيها لقاءً مع مجموعة سفراء الدول الـ18، قبل أن ينتقل إلى اللقاء بالرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي في عدن، ثم إلى الكويت، التي أجرى فيها لقاءات في إطار مساعيه لإقناع الجانب الكويتي بالموافقة على استضافة جولة مشاورات جديدة لمدة لا تزيد عن عشرة أيام.
ووفقاً لمصادر سياسية يمنية، لـ"العربي الجديد"، فقد انتهت جولة ولد الشيخ أحمد، من دون أي مؤشر على تحقيق تقدم، إذ تشير مختلف التصريحات والمواقف الصادرة عن الحكومة الشرعية، إلى أنها ما تزال ترفض التعامل مع "خارطة الطريق" المقدمة من المبعوث الأممي، وتطلب تعديلها جوهرياً، وآخر ذلك، ما تردد عن رسالة وجهتها البعثة اليمنية لدى الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، تصف فيها الخارطة الدولية بأنها "حافز مجاني" للحوثيين والرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، يضفي الشرعية على تمردهم وانقلابهم، وبأنها "سابقة دولية خطيرة". وتشير مصادر مقربة من الحكومة، إلى أن الشرعية، وخلال اللقاء الذي جمع هادي مع المبعوث الأممي في عدن، قدمت قائمة من المطالب كضرورة لأي حل سياسي، وتتضمن تخلي زعيم "أنصار الله"، عبدالملك الحوثي، وعلي عبدالله صالح، عن العمل السياسي، وإبعادهما إلى منفى اختياري لمدة 10 سنوات، وتطبيق العقوبات الدولية الصادرة بحقهما، وإلغاء كافة الإجراءات والقرارات التي ترتبت عن الانقلاب، وتخلي الحوثيين عن السلاح وتحولهم إلى حزب سياسي ومحاسبة المتورطين بالانقلاب، وغير ذلك من الشروط، التي يبدو قبولها مستحيلاً لدى الانقلابيين، مثلما تبدو شروطاً تعجيزية رداً على الخارطة الأممية التي تهمش دور هادي ونائب الرئيس اليمني، علي محسن الأحمر.
وقال مصدر حكومي يمني، لوكالة "الأناضول"، إن الخارطة "خالفت المبادرة الخليجية، إذ نصت المبادرة على أن الفترة الانتقالية تنتهي بانتخاب رئيس جديد، وهذا ما لم يحدث بسبب انقلاب الحوثي وصالح على السلطة عام 2014"، كما خالفت "مخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي نصت على قيام دولة اتحادية من 6 أقاليم (4 في الشمال و2 في الجنوب)، وتجاوزت كذلك مسار المشاورات السابقة في سويسرا والكويت".
وبشأن طلب الحكومة الشرعية نفي الحوثي وصالح، أشار المصدر إلى أن هذا الأمر "ليس دقيقاً، فالتحفظات ركزت على المرجعيات الثلاث لأي حل"، في إشارة إلى قرارات الأمم المتحدة، والمبادرة الخليجية، ومؤتمر الحوار الوطني اليمني. ويذهب مراقبون إلى أن هادي ربما طرح هذا المطلب خلال لقائه ولد الشيخ أحمد، في عدن، من قبيل التكتيك التفاوضي، بحيث يتخلى مستقبلاً عن مطلب النفي مقابل تنازل الحوثيين وصالح عن نزع صلاحياته، والموافقة على استمراره رئيساً بصلاحيات كاملة حتى إجراء انتخابات رئاسية.
ويبدو لافتاً، أن الموقف الحكومي من "خارطة الطريق" الأممية، التي جرى الإعلان عنها للمرة الأولى في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم يتغير، على الرغم من الجهود الدولية والضغوط التي مارستها دول غربية، وأبرزها الولايات المتحدة. وأكدت كل من دول مجلس التعاون الخليجي وبريطانيا الحاجة إلى حل الصراع بالسبل السلمية من خلال الحوار السياسي والمشاورات برعاية الأمم المتحدة، وفقاً للمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216، وقرارات مجلس الأمن الأخرى ذات الصلة. وتعهدوا بالدعم المستمر للمبعوث الخاص للأمم المتحدة وعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، ولخارطة الطريق، والتي تحدد بشكل واضح الطريق نحو اتفاق شامل بما في ذلك تراتبية الخطوات الأمنية والسياسية اللازم اتخاذها. وحثوا الأطراف اليمنية على الانخراط مع الأمم المتحدة بحسن نية، والالتزام بمقترح الأمم المتحدة بوقف الأعمال العدائية وفقاً للشروط والأحكام التي تم العمل بها في 10 أبريل/نيسان 2016. ورفضوا الإجراءات أحادية الجانب من قبل الأطراف في صنعاء بتشكيل مجلس سياسي وحكومة، والتي من شأنها تقويض الجهود التي ترعاها الأمم المتحدة.
ومع الفشل الواضح الذي مُنيت به جهود الأمم المتحدة في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك جولة ولد الشيخ أحمد مؤخراً بين مسقط والرياض وعدن والكويت، يبدو أن المسار السياسي، بات في مرحلة جمود غير مسبوق، إذ إن المقترحات والمبادرات، التي بدأت بمبادرة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري في أغسطس/آب الماضي، مروراً بـ"خارطة الطريق"، وصولاً إلى لقاءات مسقط التي جمعت الحوثيين بالوزير الأميركي، وما صدر عنها من نتائج أطلق عليها "إعلان مسقط"، ذهبت أدراج الريح.
وعلى العكس من ذلك، ذهب الانقلابيون إلى مزيد من الإجراءات الأحادية التي تعكس اليأس من المبادرة الأممية، من خلال تشكيل ما سمي "حكومة الإنقاذ الوطني"، فيما تمضي الحكومة الشرعية بترتيب أوضاعها في المحافظات التي تطلق عليها "محررة" من الانقلابيين. كل ذلك، يمثل تعبيراً عن فشل الجهود الدولية في إعادة الأطراف اليمنية إلى طاولة الحوار، الأمر الذي يربطه البعض، بالتحولات الدولية الحاصلة، وتحديداً مع مجيء إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض. وكان ولد الشيخ أحمد قد أطلق مؤخراً تصريحات من عُمان، عن أن الإدارة الأميركية الحالية حريصة على الوصول إلى حل في اليمن، لكن رؤية الإدارة الجديدة لم تتضح بعد. الجدير بالذكر، أن تعثر الجهود السياسية يصاحب التعثر في المواقف الدولية، حيث فشل مجلس الأمن الدولي، في الشهور الأخيرة، في إصدار قرار لدعم "خارطة الطريق" الأممية، بعد أن أعلنت بريطانيا مراراً أنها تحمل مشروعاً في هذا الصدد. كما فشل مجلس الأمن في اتخاذ موقف من خطوات الانقلابيين الأخيرة بتشكيل حكومة. ويعكس كل ذلك تعثر جهود الحل السياسي، دولياً على الأقل، إلى حين.